يبدو أنّ هناك مَن قرّر مشاركة المصارف اللبنانيّة أرباحها المُرتفعة هذا العام. إلى "السطو المُسلّح" دُر. ثلاث عمليّات في أقلّ مِن شهرين. إعلاميّاً، مرّت هذه الأخبار "مَعساً". قلّة مِن الناس تتعاطف مع المصارف عادة، في مثل هذا النوع مِن الحوادث تحديداً، وهذه ظاهرة عالميّة.
إلى اليوم، وبعد أربعين عاماً، لا تزال تجد في فرنسا مَن يَرى في ألبرت سباجياري "بطلاً". ذاك الذي حَفَر الأنفاق، وخطط مع شركائه على مدى أشهر، لما سيُعرف لاحقاً بأذكى عمليّة سرقة مصرف في القرن العشرين. نجحت العمليّة، أخذ الملايين، تناول ومَن معه الجبن والنبيذ الفاخر داخل قاعة الخزنات، ولم يَقبل أن يُغادر إلا بعدما كتب بالفرنسيّة على الجدار: "مِن غير أسلحة، بلا كراهيّة، بلا عنف". لا يزال مصرف "سوسيتيه جنرال" في مدينة نيس يَعيش تلك الذكرى. بعد أربعين عاماً، سيكون المصرف نفسه، بفرعه اللبناني في منطقة كفرشيما، على موعد مع عمليّة سطو مُسلّح. حصل هذا يوم أول مِن أمس. هم أربعة أشخاص، ملثّمون، وصلوا إلى المكان على متن سيارة "مرسيدس". ثلاثة نزلوا، يَحملون أسلحتهم، فيما بقي الرابع ينتظر عودتهم. دخلوا، طلبوا مِن الموظفين وضع المال في كيس أحضروه معهم. سُمِع صوت إطلاق نار. ربّما كانوا يُغطّون خروجهم، أو ربما تلكأ أحد الموظفين معهم، فأزعج خاطرهم. في النهاية، كان لهم ما أرادوا. لم يُصب أحد بأذى. العمليّة "نظيفة" تماماً. خرجوا وغادروا المنطقة. قيل إنّهم، بحسب كاميرات المراقبة، فرّوا باتجاه منطقة الجامعة اللبنانية في الحدث. بعد ساعات قليلة، عُثِر على سيارة "المرسيدس" عند مفرق المرداشيّة (الحدث). تبيّن أنّها مسروقة. المسألة مألوفة. هذا ما يَفعلونه غالباً. حضرت القوى الأمنيّة وأخذت البصمات. ليست العمليّة بمستوى "رومانسيّة" سباجياري ورفاقه، بالتأكيد، إلا أنّه ما مِن عمليّة سطو على مصرف إلا فيها بعض "الرومانسيّة". بعض "فانتازية" الجنون. ليس مِن فراغ أن استحوذ الموضوع على خيال كثير مِن صانعي الأفلام في العالم. منسوب الجرأة العالية عند منفذي عمليات السطو ليس عاديّاً.

لا يزال السطو
على المصارف في بلداننا {سهلاً»


قبل ثلاثة أيّام، تحدّثت "الأخبار" مع مسؤول أمني، مِن المختصّين، حول حادثتي السطو السابقتين. شرَح بعض التفاصيل، ليختم بالقول: "قريباً سنُلقي القبض على الفاعلين". كان هذا قبل عمليّة "سوسيتيه جنرال" الأخيرة. اللافت في الأمر أنّ عمليّات السطو على المصارف، ونحن في الألفيّة الثالثة، لا تزال تحصل وفق الطرق التقليديّة لعمليّات القرن العشرين. التكنولوجيا صعّبت الكثير على "المجانين" في العالم. خطف الطائرات، مثلاً، أصبح أصعب كثيراً. بات "الحالمون" يَحتاجون إلى تطوير قدراتهم. ينسحب الأمر على أكثر مِن "كار". إلا أنّ المصارف، في بلداننا تحديداً، لا يَزال السطو عليها "سهلاً" إلى حدّ ما. غريب!
عام 2012 كان مِن أكثر الأعوام التي شهدت عمليّات سطو على مصارف في لبنان. قيل يومها إنّ نحو عشر عمليّات سُجّلت في مناطق مختلفة. المسؤول الأمني، المُختص، كان آنذاك مسؤولاً أيضاً. عندما رفع أصحاب المصارف صوتهم، مناشدين القوى الأمنيّة المساعدة، ذهب إليهم مع مختصين آخرين وأعطوهم بعض النصائح. يقول اليوم: "لا يبدو أنّهم يُريدون التقيّد بتلك النصائح". مِن تلك مثلاً، أن تكون الأبواب مُقفلة، فلا تُفتح إلا بعد قرع الجرس، ويكون ذلك على مرأى مِن عمّال "الأمن الخاص" (هؤلاء البائسون الذين لا حول لهم ولا قوة). الساطون يأتون عادة وقد غطّوا وجوههم، حركتهم مرتابة وقلقة، إضافة إلى السلاح بأيديهم، هذه مميزاتهم... هؤلاء لا يُفتح لهم. المطلوب تصعيب المهمّة عليهم. هذه النصيحة تتعارض مع "حُسن الضيافة" للزبائن الذي تحرص عليه المصارف. هذه الأخيرة شعارها أنّ أبوابها لا تُقفل في وجه الزبون. طريقة الاستقبال أساسيّة في "البزنس". أيضاً، لا ننسى أن اللبناني مضياف مِن الطراز الرفيع. حسناً، سيكون عليهم، مِن وقت إلى آخر، أن ينتظروا بعض الزبائن "المزعجين". ليس بيد القوى الأمنيّة، إلى الآن، ما تُقدّمه أكثر. يرفعون البصمات ويُشاهدون كاميرات التسجيل. يقول أحد الضبّاط: "ليس بالإمكان وضع كتيبة مدرّعات أمام كلّ مصرف". إن تركته يتحدّث أكثر فلا ريب سيذكر "نقص العديد" في قوى الأمن. هذه الأهزوجة الأبديّة، فضلاً عن ذلك، فإن ما مِن ساطٍ إلا يفترض دخوله في اشتباك مُسلّح. إنّه لا يُريد الموت، لكنّه، في المقابل، مُستعد لهذه الفرضيّة. القوى الأمنية تعرف هذا.
قبل "سوسيتيه جنرال" في كفرشيما، كان "الحالمون" قد حطّوا رحال سطوهم عند مصرف "الاعتماد اللبناني" في منطقة المكلّس. حصل ذلك الأسبوع الماضي (الثلاثاء). في وضح النهار، جاء أربعة أشخاص أيضاً، بسيارة رباعيّة الدفع (ليبرتي) هذه المرّة. تبيّن لاحقاً أنّها مسروقة أيضاً. دخلوا بأسلحتهم. أخذوا "ما فيه النصيب" وغادروا. كانوا في غاية السرعة والرشاقة. هذا ما تُظهره كاميرات التسجيل (المصرف نفسه، إنّما فرع منطقة الكرنتينا، كان قد تعرّض للسطو منتصف نيسان الماضي). الموجة الأخيرة لهذه العمليات، على مدى الشهرين الماضيين، بدأت مع السطو على "المصرف اللبناني الفرنسي" في منطقة المريجة ــ الضاحية الجنوبيّة لبيروت. صباحاً جاؤوا، أربعة كانوا، اقتحموا المصرف وقلعوا الخزنة الصغيرة مِن مكانها. أخذوها بكلّ ما تحويه مِن أموال وودائع. بعد ذلك، نجحوا في قلع الخزنة الكبيرة مِن مكانها. أخذوها. هذه المرّة كان معهم سيارة رباعيّة الدفع مِن نوع "رانج روفر". قدّرت الأموال المأخوذة بنحو 150 ألف دولار أميركي. المصارف الأخرى "لا تزال تُحصي خسائرها". بالمناسبة، عمليّات السطو عام 2012 بلغت حصيلتها نحو مليوني دولار. أوقف عدد مِن الأشخاص بعد تلك العمليّات، واتخذت إجراءات مشدّدة، ما جعل وتيرتها تتراجع. إحدى تلك العمليّات أدّت إلى قتل عسكري، كان صدفة في المصرف، عندما وضع يده على مسدسه وفهِم الساطون أنّه يُريد "العبث" معهم. آنذاك، أصدرت "جمعيّة المصارف" بياناً طالبت فيه السُلطات "بالتحرّك الجاد والفاعل في وجه هذه الموجة مِن السرقات والاعتداءات، عبر السهر المتيقّظ على أمن البلاد عموماً، وعلى مؤسساتنا المصرفيّة والاقتصاديّة خصوصاً، وبالتصدّي الحازم لهذا التسيّب الأمني الذي مِن شأنه أن يُلحق أبلغ الضرر بهيبة الدولة وبسمعة لبنان في الخارج... وأن ينعكس سلباً على استقرار الأوضاع الاجتماعيّة والاقتصاديّة". كان بياناً دقيقاً جدّاً. مَن لا يَعلم أنّ المصارف هي الحكومة، أو، بمعنى أدق، هي "نظام الحُكم" في لبنان؟




«بابا نويل»

بمناسبة أعياد نهاية السَنة، دخل شخص يرتدي زيّ "بابا نويل" إلى مصرف "صن ترست" في ولاية فلوريدا الأميركيّة، حاملاً بيده "هديّة". قدّمها إلى موظف الصندوق، وهي مغلّفة بورق زهري اللون، قائلاً له ولمن حوله إنها تحوي مواد خطرة. هكذا، إنّها عمليّة سطو. أخذ "بابا نويل" ما استطاع مِن أموال ثم غادر بهدوء، تاركاً "الهديّة" في المصرف، التي اعتقد الموظفون أنّها ربّما تكون قنبلة أو ما شاكل. لاحقاً، عندما حضرت الشرطة، فتحت علبة "الهديّة" لتكتشف أنّها فارغة. علبة فارغة تماماً. فضلاً عن طرافتها، فإنّها إحدى أرخص عمليّات السطو، إذ لم يتكلّف صاحبها شيئاً، باستثناء زيّه الأحمر واللحية البيضاء. فات "بابا نويل" أن يقول للعاملين في المصرف... كلّ عام وأنتم بخير.