فجر الأحد، رُحِّلت سوجانا رنا، العاملة المنزلية والناشطة في نقابة العاملات والعمال في الخدمة المنزلية إلى موطنها، النيبال. قسرا، غادرت النقابية بيروت، بعدما هاجم الأمن العام في 30/11/2016 مكان عملها لدى كفيلها واحتجزها لأيام بحجة التحقيق معها. الجهاز الأمني نفسه، أقدم بعد خمسة أيام، وفي 5/12/2016، على اعتقال زميلتها العاملة النيبالية روجا مايا ليمبو، التي لا تزال مُحتجزة لديه.
حتى أمس، لم يُصرّح، رسميا، عن تُهمة العاملتين المنزليتين. ولكن، بحسب ناشطين حقوقيين يتابعون القضية، فإنّ الأمن العام، منع توكيل محامين للدفاع عن العاملتين، ولم يُعطِ أي معلومات تتعلّق بهما أو بالتهم الموّجهة اليهما. لكنّ شُبهة اعتقال الناشطتين والنقابيتن كانت واضحة لبعض الجمعيات الحقوقية التي وقّعت يوم الجمعة الماضي عريضة تُطالب فيها وقف ترحيلهما بسبب النشاط النقابي للعاملتين.
الأمن العام، وعلى مرّ أسبوع من الاحتجاز، لم يُصدر بيان وامتنع عن الإدلاء بأسباب الاعتقال.

لم يسمح الأمن
العام بتوكيل محامين عن العاملتين

ينفي رئيس مكتب شؤون الإعلام في الأمن العام العميد نبيل حنون في اتصال مع "الأخبار" أن يكون السبب هو العمل النقابي للعاملتين، ويُشير الى أن العاملتين احتُجزتا بسبب ضلوعهما في عمليات "تهريب العاملات المنازل من أماكن عملهن ومُساعدتهن على مُغادرة اماكن كفلائهن". لماذا لم يسمح الأمن العام بتوكيل محامين عن العاملتين؟ هنا يكتفي العميد حنون بالإشارة الى البروتوكول الموّقع بين الأمن العام ونقابة المحامين "واحترام الأمن العام لهذا البروتوكول الذي يسمح للمحامين بالمرافعة في قضايا معينة". لم يوضح العميد إذا ما كان يقصد بأن البروتوكول لم يشمل حق العاملات الاجنبيات في التقاضي العادل وفي الحصول على حقهّن في الدفاع عن أنفسهن.
يقول المدير التنفيذي لـ "المفكرة القانونية" والمحامي نزار صاغية في اتصال مع "الأخبار"، أن إجراء الأمن العام هذا يُرسي خطرين أساسيين: الأول يتعلّق بالتساؤل حول من يملك الحق في إسقاط إقامة أُعطيت لعامل ومنحته حق البقاء في البلد الذي يعمل فيه؟ مُشيرا الى أن الأمن العام يعتقد أن له الحق في إسقاط الإقامة بموجب تحقيقات يعدّها من دون أن يتمكّن العامل من توكيل محام له. ويُضيف في هذا الصدد: "التحقيقات والتقاضي يتم أمام قاضٍ وليس داخل دوائر الأمن العام". ينطلق صاغية من هذه النقطة ليُشير الى أن ما أقدم عليه الأمن العام مرفوض، وأن للمواطن الأجنبي، أيا كانت جنسيته وطبيعة عمله في لبنان، حق في البقاء وفي الدفاع عن نفسه وله الحق في معرفة الأسباب التي أدّت الى ترحيله.
الخطر الثاني الذي يُرسيه الإجراء، بحسب صاغية، هو شُبهة العمل النقابي الذي يجري قمعه. يتساءل هنا صاغية حول "الصُدفة" التي آلت الى اعتقال أقوى شخصيتين في نقابة عاملات المنازل في وقت متزامن تقريبا، مُشيرا الى ضرورة تقديم الأمن العام شرحا عن اسباب الملاحقة وتخلّيه عن "التفرّد" في اتخاذ هكذا قرارات. وهنا يغدو ضروريا الالتفات، برأي صاغية، الى أنه لو كانت تُهمة العاملتين العمل النقابي، فإن الأمن العام لن يُصرّح بذلك، و"سيعمد الى القول بأن هناك أسبابا أخرى وراء الإجراء".
من جهتها، تتجنّب جمعيات حقوقية التصريح أو التعليق بشكل واضح، وتكتفي بالتلميح الى "الرسالة" التي يريد الأمن العام ايصالها الى العاملات المنازل. تلك التي تقول لهم: عليكم أن تعملوا في لبنان فقط. حقوقكم تنتهي هنا. وحياتكم متوقفة عند هذا الحدّ. يقول المعنيون في هذه الجمعيات انهم يُريدون الإنتظار الى أن "تتضّح" الأمور ويحصلوا بالتالي على جواب من الأمن العام، وأنهم يريدون أن "يأكلوا عنب" على حدّ تعبير أحد الناشطين البارزين.
الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمُستخدمين في لبنان والجمعية العمومية لنقابة العاملات في الخدمة المنزلية اكتفيا ببيان أصدراه، أمس، أبدا خلاله استغرابهما لقرار ترحيل عضوة النقابة العاملة سوشيلا رنا المعروفة بإسم سوجانا رنا، وبـ "الموقف غير المبرر لتاريخه باستمرار توقيف عضوة مجلس النقابة وعضوة المجلس العام والجمعية العمومية السيدة روجا مايا ليمبو المعروفة باسم روزي ليمبو والتي لم يتم حتى هذه الساعة معرفة سبب توقيفها ولا يزال الغموض من قبل الدائرة المختصة في الأمن العام". وطالب البيان مدير الامن العام باتخاذ الإجراءات المناسبة والسماح بـ "التواصل مع زميلتنا روجا حتى تتمتع بحقوقها القانونية من توكيل محامي إلى لجوئها للمحكمة المختصة"، ولفت البيان الى أن روجا حائزة على كافة الأوراق الرسمية من إقامة قانونية وإجازة عمل وملتزمة القوانين المرعية الإجراء. وعليه، طالب البيان بتجميد أي قرار ترحيل لروجا في حال صدوره ومنح الأخيرة الوقت الكافي لتعين محامي وممارسة حقها والتقدم بأي طعن كان قد صدر بحقها وفقاً للأصول القانونية والإفراج الفوري عنها، "وذلك لاحتمال أن هذا التوقيف هو تعدٍّ على الحريات النقابية لكونه لدينا هذه الشبهة ولكون الأمن العام لم يفصح عن سبب التوقيف وهذا مخالف للأعراف والاتفاقيات الدولية وشرعة حقوق الإنسان".
يقول المحامي صاغية أن هذا الإجراء يُعزز الخطاب القائم حاليا، الذي ينتقص من حقوق العاملين والعاملات ويُرسي انتهاكات تُهشّم واقعهم/ن، وعليه فإن الضغط باتجاه وقف هذا النوع من الإجراءات ضروري.
وللتذكير، النقابة التي لا يرُيد العميد حنّون "التسليم بوجودها"، وفق ما صرّح به لـ"المدن" قبل يومين، تمت مُحاربتها، منذ انطلاقها في 25 كانون الأول الماضي، من قبل وزير العمل الذي هدّد حينها باستخدام قوى الأمن الداخلي لفضّ المؤتمر التأسيسي لإنشاء النقابة. وهي لا تزال تُحارب حتى اليوم، إذ ترفض السلطة اللبنانية الاعتراف بها وإعطائها الترخيص.
عندما غادرت سوجانا وهي غارقة في دموعها، عمدت الى معانقة احدى الناشطات وهمست لها أن "ما قلته خلال التحقيقات كنت مُجبرة على قوله". كانت هذه جملة سوجانا الأخيرة قبل أن تصعد الى الطائرة وتعود الى النيبال مرغمة.