لم تعد استمارات «اعرف عميلك» مجرّد سجلّ عادي تملأه المصارف لزبائنها، بل تحوّل إلى أرشيف معلومات عالمي بإدارة «سويفت»، التي تصفه بأنه «مستودع معلومات مركزي يضم مجموعة معيارية من المعلومات عن المؤسسات المالية وهي معلومات مطلوبة للامتثال لمتطلبات (اعرف عميلك)».
وبحسب بيان صادر عن «سويفت»، فقد انضمت أكثر من 3000 مؤسسة مالية من 200 بلد ومقاطعة إلى سجِلّ "اعرف عميلك" (Know Your Customer (KYC) Registry) بالإضافة إلى 30 مصرفاً مركزياً حول العالم، وهو يوفّر «حلاً آمناً ومجدي الكلفة، ويمكّن المصارف وموزّعي ومديري الصناديق من تنمية شبكاتهم مع المصارف المراسلة والحفاظ على تلك الشبكات».
في الواقع، إن استمارات «اعرف عميلك» هي أداة قديمة استخدمت للاطلاع على أوضاع زبائن المصارف المالية وبعض التفاصيل التي كانت تتطلبها الصناعة المصرفية، إلا أنه طرأت تطوّرات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية، فرضت تطوير استخدامات هذه الأداة في أكثر من اتجاه؛ كان أبرزها بعد 11 أيلول 2001. هذا التاريخ كان مفصلياً، إذ انصبّ الاهتمام على تطوير سجلّ «اعرف عميلك» كأداة معنية بمكافحة تبييض الأموال وجرائم الإرهاب (بصرف النظر عن تعريفات الإرهاب المختلفة) بشكل حصري، إلى أن استخدمت لاحقاً كأداة لتطويع المصارف حول العالم، انطلاقاً من توصيات منظمة التعاون الاقتصادي OECD والقوانين الأميركية والأوروبية عن «الامتثال».
هكذا صار على المصارف في الخارج وفي لبنان أيضاً، «الانصياع» إلى الإرادة الأميركية تحت سقف «الامتثال» لقوانين مكافحة جرائم الإرهاب ومكافحة تبييض الأموال. لكن هذا الانصياع لم يعد يقتصر على الامتثال بصيغه المتداولة، بل بات يتطوّر ويجري تحديثه بطريقة تخدم أهدافاً محدّدة. ففي لبنان، أقرّت التشريعات اللازمة لتطبيق «الامتثال» ومعظمها جاء تحت وطأة الضغوط التي مارستها الإدارة الاميركية ومنظمة OECD، إذ تارة كان هناك تلويح بإدراج مصارف وأسماء شركات وأشخاص على لوائح الإرهاب، وتارة كان هناك تنفيذ للتهديدات، أو إعطاء مهلة قبل إدراج لبنان على اللوائح السوداء... المهم أن الامتثال مطبّق في لبنان، وبالتالي فإن التطوّر الذي طرأ على سجل «اعرف عميلك» في الخارج، قد يصبح أمراً مطلوباً من لبنان خلال الفترة المقبلة، ولا سيما في ضوء انضمام أكثر من 3000 مؤسسة مصرفية و30 مصرفاً مركزياً إلى سِجلّ "اعرف عميلك".

الانضمام إلى هذا السجلّ يتيح تبادل البيانات بشكل فوري

وبحسب بيان سويفت، فإن الانضمام إلى هذا السجلّ يتيح «تبادل البيانات والوثائق بشكل فوري مع مصارف مختارة من دون أن تسلّم قدرة التحكّم ببياناتها لأحد، كما أنها تتحكّم بمن يستطيع الحصول على هذه البيانات. ولا يدفع المستخدمون أي رسوم مقابل إضافة البيانات إلى السِجلّ أو مقابل تبادل بياناتهم مع مصارف أخرى. فهم يدفعون فقط مقابل البيانات التي يستهلكونها من مؤسسات أخرى».
حالياً، إن المعلومات التي تجمعها المصارف في لبنان تبقى في أرشيفها ولا تطلع أي مؤسسة أخرى عليها. أي مؤسسة أو مصرف مراسل يريد أي معلومات متصلة بعملية يقوم بها زبون ما، تقدّم له الأجوبة على أسئلته من دون أن يكون له حق الولوج إلى المعلومات كلّها، فضلاً عن أن عملية التحويل، عادة، تتضمن إبلاغ الزبون بهذه الإجراءات. أما في حالة الانضمام، فقد تصبح المعلومات عن الزبائن متاحة للجميع وفق مصالح المصارف مع بعضها البعض لا وفق قانون السرية المصرفية.
ويأتي هذا الأمر بعد حديث متزايد عن إجراءات تدقيق مكلفة على مصارف المراسلة التي ستلغي عقودها مع المصارف الصغيرة في لبنان بسبب عدم جدواها المالية. في المقابل، صارت حاجة كل مصرف مراسل إلى توسيع أرشيف معلوماته أمراً مهماً، إذ إن المصارف تريد أن تتجنّب أي عقوبات من الإدارة الأميركية عليها، وبالتالي عليها أن تكون أكثر دقّة. المعلومات الصحيحة تؤمن دقّة أعلى. لذا، قرّرت «سويفت» أن تخطو في اتجاه إنشاء هذه القاعدة وإدارتها وتحديثها على أساس أنه كلما ازداد عدد العملاء الحاصلين على حقوق الولوج واستخدام المستودع المركزي للمعلومات، زاد منسوب المعلومات وتعزّزت قدرة مصارف المراسلة على التدقيق بكلفة أدنى.
ويشير رئيس خدمات الامتثال لسِجلّ "اعرف عميلك" لدى "سويفت" بارت كليز: لقد وصلنا إلى نقطة تحوّل من حيث مشاركة القطاع في سجلّ "اعرف عميلك". جمعُ الوثائق لهذا السِجلّ "هو عملية تستهلك الكثير من الوقت، فضلاً عن كونها مكلفة، وهي تستنفد الكثير من موارد الموظفين. قاعدة المعلوماتية لدى سويفت تتضمّن أكثر من 80% من بيانات ووثائق "اعرف عميلك" المطلوبة لدعم إجراءات التمحيص والتدقيق المستمرّة لدى الشركاء من المصارف المراسلة أو التعامل مع العلاقات الجديدة».
وبحسب استطلاع أجرته «سويفت»، تبيّن أن سِجلّ (اعرف عميلك) «لا يزال في مرحلة النمو، رغم أنه يفي حالياً بالتزاماته تجاه القطاع. العديد من العملاء أشاروا إلى تحقيق فوائد كبيرة من استخدامه تتمثل في توفير الكثير من الكلفة والوقت. المشاركون في الاستطلاع قالوا إنهم يستهلكون وقتاً أقل بنسبة 45%، وسطياً، في إجراءات التمحيص والتدقيق عن المعنيين». كذلك تبلّغت شركة «سويفت» من عدة مصارف عالمية أن استخدامها للسِجلّ «مكّنها من تسجيل انخفاض يصل إلى 60% من الوقت الذي تستهلكه لإجراء عمليات بحث وتدقيق إضافية مثل جمع المعلومات عن الأشخاص الذين يقفون خلف تمويل مؤسسة أو أعضاء مجلس الإدارة».
وتقول سويفت، إن سِجلّ (اعرف عميلك) «يساعد المصارف الأصغر حجماً وتلك التي في أسواق مرتفعة المخاطر، في إثبات التعامل بشفافية، كما يمكّنهم من توفير معلومات تفي بمتطلبات "اعرف عميلك" التي تريدها المصارف الكبرى وتلك التي تعمل في أسواق تخضع لرقابة عالية. وهذا الأمر قد أصبح هاماً جداً في ظلّ اتجاهات خفض المخاطر المتبعة في القطاع والتي تدفع بعض المصارف إلى الخروج من مناطق معينة ومن التعامل مع منتجات وعُملات وكذلك قطع بعض علاقاتها مع مصارف مراسلة أجنبية».
في النهاية، تقول سويفت: «مع تطوّر سِجلّ "اعرف عميلك" ليتماشى مع الأنظمة والقوانين الجديدة وليفي باحتياجات العملاء، سينمّي السجلّ الخدمات التي يقدّمها من خلال تقديم خدمات ذات قيمة مضافة وتأسيس شراكات تتيح إجراءات تمحيص معزّزة».