لم يَكن حزب الله، مُنذ نشأته قبل 34 عاماً، إلا حزباً دينيّاً إسلاميّاً. هذه عقيدته، هذه أيديولوجيّته... لحمه ودمه وعظمه. هذا ما لم يَنفه يوماً. على العكس تماماً، هذا ما يُجاهِر به، بكلّ وضوح وقوّة. لم يكن تذكير السيّد حسن نصر الله بذلك، قبل أكثر مِن 3 سنوات، الأوّل مِن نوعه ولا الأخير، إذ قال: "نحن حزب الله، الحزب الإسلامي، الشيعي الإثني عشري...".
هذه بديهيّة أصلاً. المُهم، ثمّة الآن، مِن الناس، مَن نسي أو تناسى ذلك. هؤلاء الذين أحبّوا حزب الله، وهم مِن خارج "عقيدته" المعروفة، فراحوا يَتقرّبون مِنه، إثر الإنجازات التي حقّقها في المقاومة. أصبحوا، مع مُضيّ السنين، وبعضهم ربّما بسلوك غير واعٍ، يَرونه كما يَتمنون له أن يكون... لا كما هو في الواقع. إنّه حزب لا يَسمع "الأغاني والموسيقى المُحرّمة". لا يُمكن، بل لا يَحقّ أصلاً، لأحد أن يَفرض عليه غير ذلك. هو حرٌّ. خلال العقد الماضي، وخاصة في السنوات الأخيرة، كان هؤلاء "المُحبّون" على موعد دائم مع "صدمات" تُذكّرهم بهويّة الحزب الحقيقيّة. قناة "المنار" الحزبيّة لا تبث أغاني السيّدة فيروز. هم أحرار في ذلك. أنتَ وأنتِ تُحبّون الحزب، لكن هواكم يساريّ، أو ليبراليّ، أو كوسى محشي، أو أيّ شيء آخر، فهذا شأنكم. تدبّروا أمركم. الحزب لن يبث، ولن يَسمع، الموسيقى التي يُريدها ذوقكم الفنّي، هو لديه ذوق آخر. بعض ما تُريدونه أنتم هو عند الحزب "حرام". السماء تتكلّم هنا. المسألة ليست في يد الأفراد ولا القادة. صحيح، نجح الحزب، في أكثر مِن مرّة، بليّ عنق النص الديني لمصلحة "التعايش" و"حسابات المرحلة"... لكن لا يُمكن، بل ليس منطقيّاً، التوقع مِنه أن يَقبل بتغيير جلده لإرضاء أذواق و"أيديولوجيّات" الآخرين. هذا هو. خذه كما هو، أو إن شئت فخُذ ما يُناسبك مِنه... لكن تذكّر هذا دائماً. إن حصل وتبضّعت مِنه، ولك ذلك، فلا تَخرج وتُلقي عليه اللوم لاحقاً.

هؤلاء يُحبّون المقاومة لكنهم يَسمعون ما لا يَسمعه الحزبي العقائدي


حلّ الآن موعد "صدمة" جديدة. مكانها الجامعة اللبنانيّة – الحدث. هذا المكان البائس الذي لا يَكف عن إنتاج "وجع الرأس". أشهر بقعة جامعيّة، تناول الإعلام، على مدى سنوات، مشكلات مكوّناتها البشريّة. الكل مُصرّ على أنّها "جامعة". لاحظ، جامعة! يعني "تجمَع". عجيب! التعبئة التربويّة في حزب الله تَمنع إحياء حفل هناك، لذكرى وفاة أحد طلّابها، والسبب أنّ الحفل سيتضمّن موسيقى وأغاني "وطنيّة". تحدّثوا أيضاً عن أغانٍ لفيروز (التي كان يُحبّها الراحل – كأكثر اللبنانيين والعرب عموماً). والدة الشاب الراحل كانت حاضرة، لكن كُسِر خاطرها، مع أصدقاء ابنها، الذين عادوا بلا حفل. المُهم في المسألة هو الآتي: التعبئة التربويّة تَمنع! سابقاً طلاب "حركة أمل" في الجامعة نفسها مَنعوا أيضاً. ما مِن حزب، سواء في "الغربيّة" أو "الشرقيّة" (بحسب تقسيمات الحرب الأهليّة) إلا ومارس المَنع، أو حاول، في كلّ كليّة يُسيطر عليها. إنّهم يَمنعون الأشياء! مَن هم هؤلاء؟ طلّاب؟ آه، طيّب، أين إدارة الجامعة؟ هذه ليست قناة "المنار" ولا "أن بي أن". هذه "جامعة" حقّاً؟ وقامت القيامة. تكبر الحوادث عادة، أكثر مِن العادة، عندما يتعلّق الأمر بحزب الله. حوادث "الكبير" تكون كبيرة أيضاً. كلّ بحسب حجمه. سيَخرج مَن يقول، وقد قال، إنّها "حادثة فرديّة". العبارة التي تُنافس بجدارة على لقب أسخف كلمة في تاريخ "بلاد الأرز". يبدأ التنصّل، فتهدأ الأمور، بانتظار أن تأتي "صدمة" جديدة ويَشتعِل "الكرنفال". ما لا يُقال، إزاء حزب الله في حوادث كهذه، هو أنّ خطاب "الحلال والحرام" هو الذي يُرسّخ وعي شباب التعبئة التربويّة في الحزب وسواهم. المسألة في "الخطاب". الآخرون، في الأحزاب والتيارات، لديهم "مشائخهم" أيضاً. لا يُمكنك أن تُعبّئ مجموعة مِن الشبّان الحزبيين بخطاب تحت الطاولة، وهو مُخالف للخطاب الظاهري العام، ثم تتوقّع مِنهم أن يضبطوا تفلّتهم فوق الطاولة. الجامعات ليست مراكز حزبيّة خاصة. يُمارس فيها العمل السياسي، صحيح، لكنها في النهاية ليست "شُعبة" حزبيّة. هناك آخرون. بعض هؤلاء يُحبّون المقاومة، لكنهم يَسمعون ما لا يَسمعه الحزبي العقائدي، يَشربون ما لا يَشرب، ينظرون إلى الأشياء بعين مختلفة، مِنهم "كفّار" أيضاً، فما العمل؟ الحديث عن مؤيّدي الحزب والمقاومة، أمّا أعداء الحزب وكارهوه فمسألة أخرى. طبيعي أن يصطاد هؤلاء في كلّ أنواع المياه. أخيراً، ليست حكاية الجامعة اللبنانيّة إلا تفصيلاً. المسألة أعمق. هل تتم أدلجة الحزبيين، مثلاً، وفق الوثيقة السياسيّة الثانية التي أعلنها الحزب قبل 7 سنوات؟ مِن الجيّد اليوم التذكير بما قال السيّد نصر الله يومها: "نحن كنّا واضحين بأننا نعتبر لبنان وطننا. أحبّ أن أقول نحن ممن يشعر بأن هذا الوطن هو نعمة، ليس فقط رسالة بل نعمة، فهذا التركيب في الجغرافيا، في التنوّع والتعدّد، بما وصلنا إليه، أمكن في تحقيق إنجازات كبيرة جداً وتاريخيّة".