مبنى "العيتاني"، الكائن في شارع الوحيدي والملاصق لمستوصف حي اللجا في المصيطبة، يُعدّ "فتيًّا". بحسب أهالي المنطقة، اذ لم يتجاوز عمره الـ 15 عاما! ما يعني أن حجة "البناء القديم" غير متوافرة، فما هو السبب الذي جعله يُهدد حياة أكثر من عشرين عائلة اضطرّت جميعها الى اخلاء شققها؟ "المهندس اللي عمّر البناية، ما عارف في أرواح بدها تنام؟"، تسأل حفيظة عيتون، القاطنة في الطابق الثالث من المبنى، مُشيرة الى أن "الحق ع ياللي عمّر البناية"، وهو لسان حال غالبية الأهالي. يقول مُستشار مُحافظ مدينة بيروت القاضي زياد شبيب، المهندس عصام قصقص، إن الشركة، التي كلّفها سكان المبنى الكشف عليه، تقول في تقريرها إن هناك خللاً من الناحية الإنشائية، وإن الحديد يعمل بنسبة 15% فقط من قدرته، كما أن الباطون غير قابل للصمود وهناك مشاكل في متانته.

الكثير من "اللعنات" كيلت بحق المهندس المسؤول، بعدما جزم أهالي المنطقة بأن عملية غشّ في البناء حصلت.
يقول نقيب المهندسين في بيروت خالد شهاب إن النقابة استدعت المهندس، أمس، وهي بصدد فتح تحقيق متكامل، وإنه فور انتهاء التحقيقات "ستتخذ النقابة الإجراءات اللازمة".
يتألف المبنى من 7 طوابق، ويحتوي على 22 شقة. المُفاوضات مع الأهالي من أجل إقناعهم بإخلاء منازلهم بدأت منذ نحو شهرين، "عندما بدأت تتطاير كتل اسمنتية منه وبعدما جرى تبليغ البلدية بهذا الأمر"، وفق ما يقول قصقص، الذي يُشير الى أن الأهالي اقتنعوا بضرورة إخلاء منازلهم بعدما لزّموا شركة كشفت على المبنى وأوصت بضرورة إخلائه.

ستبدأ البلدية يوم الإثنين
المُقبل بدفع مبلغ
3600 دولار لكل شقة

معظم ساكني المبنى كانوا يرفضون إخلاء شققهم لأنهم لا يملكون خيارا بديلا، وخصوصا أن جزءا كبيرا منهم من الملاكين الذين "دفعوا دم قلبن حق الشقة"، على حد تعبير حفيظة، آخر السكان الذين أخلوا بيوتهم. تقول إن جميع سكان المبنى أخلوا بيوتهم صباحا، "لكنني بقيت أراهن على البقاء، لا أعرف الى أين سأذهب". حالها كحال غيرها من السكان الذين سيتشرّدون. أحد القاطنين قرّر أن ينام ليلة أمس، في "الكافيه" التي يعمل بها.
بحسب قصقص، ستتولى البلدية يوم الإثنين المُقبل، دفع مبلغ 3600 دولار لكل شقة. هذا المبلغ هو "مساعدة إجتماعية" تمكّن كل شاغل من الاستئجار لمدة ستة أشهر على أن تبت الأمر "الهيئة العليا للإغاثة". قبل الأهالي هذا "التعويض". بعضهم هدّد بالعودة الى المنزل اذا لم تُدفع تعويضاته واذا لم يُضمن حقه بالعودة الى بيته بعد ستة أشهر.
منذ سنة، أُخلي مُجمّع "السيّد" في حي اللجا وهو مؤلف من ثلاثة مبانٍ، لأنه كان مهددا بالسقوط. "السيناريو"، كان نفسه: دفع تعويضات تمكن الأهالي من الإستئجار على أن يجري ترميم المبنى". يروي أبو عماد، أحد القاطنين السابقين للمبنى المذكور كيف أنهم أُعطوا تعويضات ليؤمنوا مأوى بديلا لفترة تسعة أشهر على أن يعودوا الى بيوتهم. يقول أبو عماد إنه خُصّص مبلغ مليون و200 ألف دولار لترميم المجمّع، "لكننا لم نعد الى بيوتنا حتى اللحظة". يُضيف أن الحجة هي أن الأموال نفدت، وأن الشركة تريد مبلغ 600 ألف دولار لاستكمال الأعمال، لافتا الى أنه "مُشردّ منذ سنة ويرزح تحت عبء الإيجارات".
من هنا، يغدو التخوّف، الذي أبداه الأهالي، أمس، منطقيا من مسألة "التعويضات" و"الوعود" بالبديل، لذلك كانوا متردّدين في مسألة الإخلاء. علما أن عملية الإخلاء هذه وجب أن تجري حتى "بالقوة"، وفق شهاب، الذي يلفت الى الخطر الذي يتهدد سكان المنطقة المجاورة اذا لم يُهدم المبنى. يقول شهاب ان الكشف الفني اظهر وجوب "هدم المبنى فورا". وقال "ثمة خطرٌ جديّ يتهدّد سكان المباني المُجاورة".
وكان بيان بلدية بيروت قد أشار الى أن المحافظ شبيب وضمن "إطار ملاحقة المسؤولين عن هذه القضية، طلب من نقابة المهندسين في بيروت الاطلاع على التقارير الهندسية واتخاذ الإجراءات المناسبة للتأكد من سلامة الدراسة الإنشائية للبناء الحاصل على رخصة إسكان بتاريخ 5/5/2008 موّقعة من المهندس المسؤول المنتسب الى نقابة المهندسين في بيروت، محمد زين (..) والإفادة عن مدى مسؤولية المهندس إستنادا الى وضع البناء الراهن. كما طلب المحافظ من النيابة العامة الإستئنافية الإطلاع وإجراء المقتضى القانوني، بعدما تبين أن المواد المستعملة غير مطابقة للمواصفات، وأدت الى ضعف في البناء من الناحية الإنشائية والى وجود خطر داهم على السلامة العامة".