منذ نحو أربع سنوات، لم يعد التفاح اللبناني ملك الفاكهة اللبنانيّة، بل أُطيح عن عرشه، بعدما تراجعت صادراته من 88 ألف طن عام 2012 إلى نحو 33 ألف طن حتى أيلول 2016.
إن ازدياد الطلب المحلي والإقليمي على التفاح الطازج (غير المبرّد)، رفع ثمن التفاح المطابق لهذه المواصفات، وأعاد لبنان مراتب إلى الوراء، لعدم قدرته على الالتزام بهذه الشروط التي تتيح له المنافسة إقليمياً وأوروبياً، بسبب ارتفاع تكاليفها التي تتضمّن عدم استعمال المبيدات والاعتماد على برّادات التخزين التي يميل إليها المزارع اللبناني، إضافة إلى اعتماد طرق توضيب ونقل متطوّرة غير موجودة محلياً، يُضاف إلى ذلك، عوامل عدّة فاقمت أزمة مزارعي التفاح، أبرزها الحرب السوريّة التي قطعت طرق التصدير البريّة، وتفاقم التوترات السياسيّة مع دول الخليج.

يُنتج لبنان نحو 154 ألف طن من التفاح سنوياً وهو يشكّل 23% من إجمالي إنتاج الفواكه


ووفقاً لإحصاءات منظّمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (FAO)، يُزرع التفاح اللبناني على مساحة إجماليّة مقدّرة بـ 13604 هكتارات، ويُنتج لبنان نحو 154 ألف طن سنوياً، ويشكّل التفاح 23% من إجمالي إنتاج الفواكه اللبنانيّة، الذي يساهم فيه كبار المزارعين الذين تتخطّى مساحة أراضيهم ثلاثة هكتارات، وصغار المزارعين (ويشكّلون العدد الأكبر) الذين تتراوح مساحة أراضيهم بين 0.3 و3 هكتارات. يبيع صغار المزارعين محاصيلهم إلى تجار الوساطة بسعر ثابت يشمل كلفة العمالة والحصاد والتعبئة، فيما كبار المزارعين يبيعون محاصيلهم مباشرة لتجار التجزئة أو في سوق الجملة المحلي، وقلّة منهم يشاركون في تصدير الإنتاج.

تراجع الصادرات 10%

شهدت صادرات التفاح تراجعاً منذ عام 2012 مقابل ارتفاع الواردات خلال الفترة الزمنيّة نفسها (ولو أن الصادرات بقيت أعلى من الواردات نتيجة الرسوم الجمركيّة المفروضة على التفاح المستورد بنسبة 70%، بحيث يشكّل الحدّ الأدنى للرسوم المفروضة نحو 1500 ليرة لبنانيّة للكيلوغرام الواحد). وبلغ معدّل الانخفاض السنوي في قيمة صادرات التفاح اللبناني بين 2012 و2015 نحو 9.98%، حيث تمّ تصدير نحو 57 ألف طن بقيمة 12.6 مليون دولار عام 2015، وارتفعت قيمة الواردات بمعدل نمو سنوي وصل إلى 17.25%، من خلال استيراد نحو 1700 طن بقيمة 1.43 مليون دولار عام 2015.
وخلال الفصول الثلاثة الأولى من عام 2016، سجّل لبنان تراجعاً في صادرات التفاح بنسبة 34.96%، بعدما صدّر نحو 33 ألف طن، وهو ما شكّل انخفاضاً بنسبة 13.61% في القيمة المحقّقة وهي 8.10 ملايين دولار، في مقارنة مع الأرقام المحقّقة في الفترة نفسها من العام الماضي. مع الإشارة إلى أن مصر استوردت الحصّة الأكبر من صادرات التفاح اللبناني بنسبة 73.09%، تليها الكويت بنسبة 9.13% ومن ثمّ المملكة العربيّة السعوديّة بنسبة 9.05%.
وسجّل لبنان خلال الفترة نفسها استيراداً بنحو 1200 طن، وهو أقل بنسبة 14.25% في مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، ما يشكّل انخفاضاً بنسبة 5.68% في قيمة الاستيراد وهي 1.13 مليون دولار أميركي، علماً بأن 81.40% من حجم الاستيراد مصدره إيطاليا، تليها فرنسا بنسبة 15.06%، ومن ثمّ تشيلي بنسبة 2.16%.

سياسة الدولة: أقل من مبادرات

هذا الانخفاض في الصادرات إلى جانب الزيادة في الواردات، أدّى إلى وجود فائض في التفاح اللبناني، فهوت أسعاره خلال عامين من 25 ألف ليرة للقفص الواحد (يضمّ نحو 20 كيلوغراماً) إلى 5 آلاف ليرة لبنانية، علماً بأن هذا السعر يغطي 35% فقط من قيمة التكاليف، ولا يسمح بإيفاء أسعار الحرث والتقليم والمبيدات الحشريّة والأسمدة والتخزين، ما يضع صغار المزارعين إمّا رهينة لدى تجار الوساطة الذين يشترون محاصيلهم بأرخص الأسعار ويبيعونها بأسعار تحقّق لهم حصراً هامشاً من الربح، أو يدفعهم إلى إتلاف محاصيلهم بدل تكبّد تكاليف إضافيّة لحصادها، ويجعل من أصحاب مصانع الصناعات الغذائيّة التي تعتمد على التفاح المستفيدين الأبرز عبر زيادة الإنتاج أو إنتاج الكمّية نفسها بكلفة أقل.
مقابل ذلك، لم تشمل سياسات الحكومة اللبنانيّة لمواجهة هذه العوائق عملاً لتحسين نوعية التفاح اللبناني لتلبية المعايير الدوليّة، وتحسين أعمال الفرز والتصنيف، ودعم المزارعين لتجديد بساتينهم وإدخال تقنيات إنتاج جديدة، وزيادة الاستثمارات في مرحلة ما بعد الحصار، وهي مطالب المزارعين المزمنة. بل اقتصرت على عدد قليل من الاتفاقيّات لزيادة صادرات التفاح، أبرزها مع مصر والأردن وروسيا. إذ وافقت مصر على زيادة وارداتها من التفاح اللبناني من 38 ألف طن إلى 50 ألف طن، على أن يتكبّد لبنان تكاليف الشحن، مقابل تحمّلها تكاليف التبريد. فيما خفضت روسيا الرسوم الجمركيّة من 250 دولاراً للطن الواحد إلى 66 دولاراً.