حين كان الرئيس نبيه بري يقول إن المطلوب أولاً اتفاق سياسي على سلة تفاهمات، وثانياً انتخاب رئيس للجمهورية، كان كثيرون يستنفرون للرد، متذاكين ومزايدين ومحمّلين موقف رئيس المجلس أكثر ممّا يحتمل بكثير. لكن ها قد مرّ على انتخاب الرئيس ميشال عون وتكليف سعد الحريري تشكيل الحكومة نحو شهر كامل، من دون أن يتمكنا من تشكيل حكومة.
لماذا؟ لأن السلطة في مجلس الوزراء لا في بعبدا، والصراع على السلطة يتعلق بمجلس الوزراء أولاً لا برئاسة الجمهورية. وبالتالي من افترض أن في وسعه حل العقد واحدة تلو الأخرى، نجح في فك الأولى المتعلقة برئاسة الجمهورية لكن لا تزال أمامه عقد كثيرة. فتبويس اللحى شيء والثلث المعطل في مجلس الوزراء شيء آخر. سعد الحريري يوجع قلب كثيرين اليوم وهو يلتزم خطابياً بكل موجبات التهدئة والمصالحة مع حزب الله، إلا أنه لا يزال في المحور المتهم بنشر الفكر الوهابيّ في المنطقة ومحاولة تدمير سوريا ودعشنتها. ولا مجال بالتالي لتسليمه السلطة المتمثلة في مجلس الوزراء بكل بساطة. وفي غياب السلة التي تتضمن توزيعاً عادلاً للحقائب الوزارية واتفاقاً واضحاً على قانون الانتخاب، لا يمكن إهداء الحريري وحلفائه نصفاً + 1 في مجلس الوزراء يمكّنه من إقرار قانون انتخابيّ مفصّل على مقاس مرجعيات دون أخرى. ثمة توازنات في البلد تأخذها السلة بعين الاعتبار، لا يمكن القفز فوقها باتفاقيات ثنائية أو جانبية. وهناك، بطبيعة الحال، سياسة خارجية وداخلية يفترض الاتفاق عليها. فكيف يسلم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية مثلاً بحصول القوات اللبنانية على وزارة الأشغال وهو يعلم أنهم سيحوّلونها إلى خلية نحل شمالية ليأخذوا بالسلم ما عجزوا عن أخذه بالحرب؟ ولماذا يحافظ رئيسا الجمهورية والحكومة على حقائبهما في حكومة تمام سلام «زي ما هي»، فيما يفترض بحركة أمل أن تقدم حقيبة الأشغال العامة على مذبح تفاهم معراب؟ واللافت هنا أن حزب الله يربح في مواجهة إسرائيل فيطالَب بتقديم تنازلات في الداخل، وها هو ينتصر في سوريا على أصدقاء الحريري فيُطلَب منه تقديم التنازلات أيضاً وأيضاً. يمكن في زمن البغدادي أن تُكرَّم القوات وتُدلَّل، إلا أن مشروع «فليحكم الإخوان» سقط في المنطقة والعالم. وعملياً، تفيد جميع المعطيات بأن محركات التشكيل مطفأة بالكامل منذ أكثر من يومين. فحركة أمل ترفض أن تدفع من حسابها الحكومي ثمن تدليل القوات بوزارة الأشغال التي هي من حصتها في الحكومة المستقيلة، فيما تحتفظ كل القوى الأخرى بحصصها كما هي في حكومة سلام. والحل بالتالي واحد من ثلاثة: 1ــ تتراجع القوات عن مطالبتها بالأشغال وتقبل بإحدى حقائب الكتائب أو العونيين في حكومة سلام. 2ــ يتراجع الرئيس بري ليقدّم تنازلاً كبيراً آخر. 3ــ يتراجع الحريري فيوفر للقوات تمثيلاً وازناً من حسابه الحكومي الخاص. والأكيد وفق المعلومات أن حركة الحريري من دون بركة، وهو لا يوافق أبداً على التصعيد العونيّ المهدد بإعلان الحكومة بمن حضر. فالحريري سبق أن جرّب بلحمه الحي عبثية وضع حزب الله وحركة أمل أمام أمر واقع لإرغامهما على شيء لا يريدانه. وهو انتخب العماد عون رئيساً ظناً منه أن ذلك سيؤمن له 6 سنوات من الاستقرار في الحكم، لا إعلان حكومة يعلن المكوّن الشيعي انسحابه منها قبل ذهابها إلى مجلس النواب، فتفقد ميثاقيتها. والأكيد في هذا السياق أن رئيس الجمهورية يراهن على عدم خذلان حزب الله له، لكن الحريري لا يسعه التعويل على رهان الجنرال بعد كل ما يتداول عن التزام حزب الله المطلق مع الرئيس نبيه بري بعد تأديتهم واجبهم للعلى عبر الوقوف مع العماد عون في معركة الرئاسة في وجه الأقربين والأبعدين.