اذا صحّ ان البلاد ذاهبة الى انتخاب فرعي في دائرتي كسروان وطرابلس لملء ثلاثة مقاعد فقدت اعضاءها لاسباب متباينة، بالشغور والاستقالة والوفاة، الا ان التوقعات المقدّرة لها باكراً، قبل بلوغ نتائج الاقتراع، ليست قليلة الاهمية:اولاها، ان الانتخاب الفرعي لن يختبر القانون الجديد للانتخاب نظراً الى ان الاقتراع سيعتمد احكاماً في القانون الملغى، قانون 2008، سواء بنظام التصويت الاكثري او الدائرة القضاء في كل من كسروان وطرابلس.

بذلك سيكون الاقتراع المقبل اقرب الى جس نبض سياسي منه الى تجريب القانون الجديد واكتشاف ثغره، ما دامت قاعدتاه الرئيسيتان مختلفتين تماماً، وهما نظام التصويت وتقسيم الدائرة. بل سيرسل الانتخاب الفرعي، قبل الاقتراع وبعده في معزل عن نتيجته، اكثر من اشارة الى طبيعة تحالفات انتخابات 2018، اذ تشكل هذه قاعدتها الصلبة. في كلي الدائرتين موالون ومعارضون متقاربو التأثير والفاعلية. في كل منهما ذات الغالبية المذهبية المرجحة ما ينبىء ايضاً بأن المواجهة ستكون من داخل الطائفة الواحدة على زعامتها.

استحقاقا كسروان وطرابلس جس نبض وإنقاذ سمعة سياسية



ثانيها، اذا تأكد ان الانتخاب الفرعي مرجح في ايلول، لن تزيد المدة الفاصلة عن موعد انتخابات 2018 عن ثمانية اشهر، ما يشير الى ما يماثل اقل من ربع ولاية طبيعية للنواب الثلاثة. لن تكون الاشهر القليلة هذه ذات جدوى ايضاً، ولن يختبرها النواب الجدد عن قرب مع دخول البلاد في موسمها الانتخابي والحملات الملازمة له منذ رأس السنة الجديدة. لن تثقل المقاعد الثلاثة في اي كتلة، او تخل بموازين قوى وتحالفات مستقرة. على نحو كهذا يصبح المقصود بالانتخاب الفرعي التيقن من مقدرة السلطات على خوض الانتخابات النيابية العامة في موعدها المقبل بلا هواجس مسبقة او ذرائع واهية، في ظروفها السياسية والامنية، ورصد ردود الفعل المرتبطة بالتحالفات. فكيف عندما تكون القوتان الرئيسيتان المعنيتان بالانتخاب الفرعي، وبالمقاعد الثلاثة الشاغرة، هما بالذات ــ ووحدهما من داخل الحكم ــ رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري؟
ثالثها، لأن الانتخاب الفرعي يرتبط مباشرة بعون والحريري، وهما الآن على رأس السلطة وليسا زعيمين سياسيين او قائدي حزبين فحسب، يمسي للاستحقاق مغزى مفيد. ليست المرة الاولى يشغر مقعد بانتخاب صاحبه رئيساً للجمهورية بعد حالات مماثلة خبرها الرؤساء كميل شمعون وسليمان فرنجيه وامين الجميل ورينه معوض والياس هراوي وصولاً الى عون. ليست ايضاً المرة الاولى يشغر مقعد يستمد سمعته ومكانته من صاحبه الرئيس المنتخب المعني بتسمية خلفه فيه كفرنجيه عندما اراد فيه نجله طوني، وهراوي عندما سمّى له ــ وإن تعييناً ــ نجله روي، وها هو الرئيس الحالي يريد له صهره العميد المتقاعد شامل روكز. هو مقعد الرئيس اكثر منه مقعد شاغر، وفوزه به لا يُعد انتصاراً حرزاناً ــ وذلك ما يفترض ان يحدث ــ مقدار ما يمكن او تُعدّ خسارته هزيمة مؤلمة وقاسية للرئيس بالذات وتهمل المرشح اياً يكن.
حينما خسر الشهابيون في انتخابات 1968 المقاعد الاربعة في كسروان عُدّ المهزوم الاول فيها قبل اي آخر سواه، بمن فيهم المرشحون الخاسرون، الرئيس فؤاد شهاب، وكان خارج الحكم ولا يرئس كتلة ولا يتنكّب مرشحين. الا ان مقاعد كسروان تلك كانت مقاعد الرئيس في دائرة مسقطه. ليست الحال هذه، في استنتاجها وتأويلها، مختلفة كثيراً عن تجربة شهاب: اتى عون من حارة حريك الى كسروان كي يحصد المقاعد الخمسة فيها بصفتها التاريخية ارض الزعامة المارونية، وتكرّسه زعيم الموارنة متمدّداً الى جبيل والمتن وبعبدا وجزين. مذ صار رئيساً بدأ الكلام عن خطر يحوم حول مصير المقاعد الخمسة من دونه. مع ذلك لا يزال الى الآن مقعد الرئيس. في الانتخاب الفرعي في المتن عام 2007 لم يكن ثمة فائز التفت اليه احد. لم يكن كميل خوري مرشح عون هو الفائز، بل الرئيس امين الجميل هو الخاسر، لأن مَن كان في المقعد نجله الشهيد بيار ولم يصل اليه كي يخلف والده بعد انتخابه رئيساً الا بانقضاء اقل من عقدين من الزمن. حينما خسر روي هراوي مقعد والده الرئيس في انتخابات 1992 قيل ان ابن الرئيس خسر وليس المرشح. بذلك تكمن اهمية ما ينتظر كسروان. ليس مرشح التيار الوطني الحر، وليس حتماً مرشح رئيس التيار، مَن يخوض الانتخاب الفرعي، بل صهر الرئيس في مقعد الرئيس. اذذاك فإن الرئيس مَن يقتضي ان يربح.
رابعها، ان الحريري يخوض في طرابلس امتحاناً من طراز مختلف. ليس منافسة على مقعد سنّي ذي تأثير، بل مواجهة على سمعة سياسية من خلال مقعدين، ارثوذكسي وعلوي، من غير الممكن فوز اي من مرشحيهما فيهما ما لم يحوزا الغالبية السنّية الطرابلسية. مذ وجد المقعد العلوي في طرابلس عام 1992 وُضع بين ايدي السوريين حتى انتخابات 2005 كي يرثه من ورائهم الحريري، في حين ارتبط المقعد الارثوذكسي منذ ما قبل اتفاق الطائف بزعيم طرابلس الرئيس رشيد كرامي الذي ينيب مرشحه. منذ تداعيات ما حدث عام 2005 صار المقعدان ــ الى المقعد الماروني المحدث ــ بين ايدي الحريري خصوصاً. على ان ما نجم عن عصيان الوزير السابق اشرف ريفي على الرئيس الحالي للحكومة، مشفوعاً بفراغ نجم بدوره عن غياب الزعامة التقليدية مع رحيل الرئيس عمر كرامي، احال موازين القوى الجديدة في المدينة بين قوى متقاربة الاحجام. فيها الرئيس نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي، الى التناحر المستجد بين الحريري وريفي الى النائب خالد ضاهر.
ومقدار ما يحتاج ريفي الى اقران برهانه الاول في الانتخابات البلدية والاختيارية عام 2016 بآخر ثان في الانتخاب الفرعي، وإن بمقعدين غير سنّيين يحيلاه زعيماً جديداً للمدينة، يحتاج الحريري الى ما يجنبه خسارة اي مقعد ــ وإن غير سنّي ــ في طرابلس بعد الكثير الذي يقال عما ينتظره من القانون الجديد للانتخاب، المرجح ان يفقده المقعد الصيداوي الثاني، مقعد الرئيس فؤاد السنيورة، ناهيك بمقعد سنّي في البقاع الغربي ــ راشيا، الى مفاجآت متوقعة من طرابلس. خسارة معركة صغيرة في المدينة توازن فقدانه حربها كلها.