كما للسياسة بيضة قبانها التي مثّلها النائب وليد جنبلاط، كان للانتخابات النيابية في المتن الشمالي بيضة قبان تدعى حزب الطاشناق. وفعلياً، يعود الفضل للطاشناق في نجاح لائحة التيار الوطني الحر وسقوط لائحة قوى 14 آذار خلال انتخابات عامَي 2005 و2009 النيابية، كما له اليد الطولى في خرق النائب ميشال المر لائحة التيار وفي صقل نتيجة النائب سامي الجميل.
إذ قدرت قوة الحزب الأرمني في انتخابات عام 2009 بنحو 12 ألف صوت في المتن، وزعها في الانتخابات الأخيرة ما بين التيار، والمر والجميل بدرجة أقل: 9000 صوت للائحة الأولى و3 آلاف صوت للمر، ضمنها ألفان للجميل، وذلك علماً بأن مرشح الطاشناق أي الأمين العام للحزب فاز بالنيابة بالتزكية، وهو، مع أسباب أخرى، ما جعل نسبة المقترعين الأرمن تقتصر على 36%. رغم ذلك، ما كان ينطبق على قانون الستين الأكثري لم يعد جائزاً في القانون النسبي الذي أفقد العديد من القوى الصغيرة تأثيرها الفعال. وهكذا باتت أصوات حزب الطاشناق في الحزب الشمالي لا تكفي سوى لإنجاح مرشحه الخاص ولا قدرة لها أبداً على قلب النتائج أو إنجاح لائحة وإسقاط أخرى. فأصوات الطاشناق وفق القانون النسبي ستسمح للحزب بإنجاح مرشحه فقط، إذ يفترض بكل حزب أو تحالف الحصول أقله على أكثر من 13 ألف صوت للفوز بمقعد (بناءً على نسبة المقترعين في الانتخابات الأخيرة). وهو ما يخوله الفوز بالمقعد الأرمني فقط من دون أي إضافة للائحة. وللمرة الأولى، سيكون على الطاشناق حسم خياره ما بين لائحتين مع سقوط خيار «التشطيب» والاقتراع لأكثر من لائحة.

بقرادونيان: نعمل
على تحقيق تقارب بين حليفينا، المر
والتيار الوطني الحر


يقول الأمين العام للحزب هاغوب بقرادونيان لـ«الأخبار» إنه يردد دائماً مقولة «أننا عندما ندعم لائحة ما، نُحسّن وضعها، وهو ما ينطبق اليوم على القانون النسبي أيضاً. فوجودنا على أي لائحة سيعزز فرص نجاحها وإنجاح العدد الأكبر من المرشحين». المعادلة بسيطة هنا برأي بقرادونيان: “أصوات أكثر يعني رفع النسبة التي تنالها اللائحة. فعلى سبيل المثال، إذا دخل الطاشناق في لائحة تضم التيار الوطني الحر والقوات سيرفع عدد الأصوات التي تنالها اللائحة ويؤثر تالياً في عدد المرشحين الذين سيربحون». ولكن ذلك لا يعني أن الحزب الأرمني يعتزم توزيع أصواته. فالقانون النسبي «يفرض على الأحزاب العمل باتجاه واحد من أجل إنجاح العدد الأكبر من مرشحيه. وفي حين يمكن للأحزاب الكبيرة والقوية توزيع أصواتها، لا يمكن للأحزاب التي تملك عدداً محدداً من الناخبين التصرف بطريقة مماثلة، بل سيكون عليها صب أصواتها لمرشح واحد». وبصورة أوضح، يقول بقرادونيان، «لا قدرة لنا على مساعدة حلفائنا في التيار الوطني الحر أو حليفنا أبو الياس (النائب ميشال المر) أو الأطراف التي نسعى إلى أن نكون وإياها في لائحة واحدة، بالصوت التفضيلي»، علماً بأن من الممكن للطاشناق إنجاح مرشحه بنصف الأصوات التفضيلية وتجيير الباقي لمرشح آخر من اللائحة لعدم وجود منافس جدي لمرشح الطاشناق على مقعده.
خلافاً لباقي الماكينات الانتخابية، ماكينة الطاشناق تعمل باستمرار على ما يقول الأمين العام للحزب. ويقوم اليوم شباب هذه الماكينة بتحضير سيناريوهات مختلفة بطريقة الاقتراع والتحالفات من أجل الحصول على أرقام دقيقة. لذلك بدأ المسؤولون بعقد لقاءات مع المواطنين والقيام بزيارات للعائلات في مختلف المناطق. ويرى بقرادونيان أن القانون الجديد أفضل من الستين بكثير ولو أن النتائج لن تأتي بنسبة 100% كما سابقاً ولو أن هناك تخوفاً من ألا تأتي النتائج على قدر الآمال. أما بشأن التحالفات، فخريطة الطاشناق واضحة: «علاقتنا بالتيار الوطني الحر علاقة حليف، وكذلك الأمر بالنسبة إلى النائب ميشال المر، تجمعنا والقوات علاقة صداقة، ووضعنا جيد مع الكتائب... لكن الصداقات لا تخدم في الانتخابات». إذاً، ماذا سيكون الخيار في حال كان التيار الوطني الحر على لائحة، والمر على لائحة أخرى؟ تجيب دبلوماسية بقرادونيان: «نسعى للتخفيف من وطأة المعركة ولتأليف لائحة تتمثل فيها أكبر نسبة من الشرائح. وفي موضوع تحالفنا مع المر، نعمل على تحقيق التقارب بين أبو الياس والتيار، وإن نجحنا في ذلك نكون قد أنجزنا عملاً صالحاً للمتن الشمالي بأكمله».




... و«الصوت الشيعي» في جبيل

أنهى القانون النسبي في المتن الشمالي مفعول الأصوات الأرمنية، وفي جبيل ستنهي النسبية أسطورة الأصوات الشيعية التي دأبت قوى 14 آذار على تعيير التيار الوطني الحر بها على أنها السبب الرئيسي في فوزه بنوابه الثلاثة. وإذا ما احتسبنا الحاصل الانتخابي المطلوب للفوز بمقعد في دائرة كسروان ــ جبيل، بناءً على نتائج انتخابات 2009، فسيتعين على أي لائحة الحصول على أكثر من 14 ألف صوت لإنجاح مرشح واحد. فيما مجموع عدد المقترعين الشيعة في القضاءين لن يصل إلى هذا الرقم، إلا إذا سُجِّلت نسبة اقتراع غير مسبوقة في لبنان. وهذا الواقع يفرض على حزب الله وحركة أمل عقد تحالف مع قوى أخرى لمساعدتهما على الحصول على المقعد. في المقابل، لن يتمكّن الثنائي من إضافة أي فائض للائحة التي يدعمانها، إلا إذا بقي المقعد الشيعي في القضاء من حصة تكتل التغيير والإصلاح. فعندها، ستكون أصوات الأكثرية الشيعية قد صبّت لمصلحة التيار الوطني الحر، مع بقاء قدرتها محصورة في الحصول على مقعد وحيد. غير أن بإمكان حزب الله وحركة أمل في هذه الحالة توزيع أصواتهما التفضيلية ما بين المرشح الشيعي ومرشحين مارونيين، إذ في عزّ معركة 2009 لم يحصل منافس النائب عباس هاشم سوى على 7% من أصوات الشيعة، في حين حصد هاشم 90% من الأصوات. وبالتالي سيحتفظ الحزب والحركة، فيما لو أرادا، بهامش من الحرية في طريقة توزيع الأصوات التفضيلية، ما يمكّنهما من تفضيل مرشّح عوني على آخر، داخل اللائحة التي يدعمانها.