يصح وصف التشكيلات الدبلوماسية بتشكيلات الطوائف اللبنانية. الأحزاب السياسية تتصارع حول هويّة البعثات الدبلوماسية الطائفية، فيرتفع الـ«فيتو» بوجه «الشيعة» في سفارة الإمارات، ويرفض «السُنّة» التخلّي عن وجودهم في الجامعة العربية، ويُصّر «الموارنة» على الاحتفاظ بسفارة فرنسا... كُلّ ذلك تحت ستار وجود «عُرفٍ» يُحتّم هذه الإجراءات. دبلوماسيو الفئة الأولى ممثلون للطوائف، بدل أن يكونوا «وجه الدولة» في العالم.
آخر فصول التقاسم الطائفي للتشكيلات الدبلوماسية، هو «الابتزاز» المُمارس في ما خصّ بعثة لبنان إلى دولة الإمارات، عبر تسويق خبر عن «تلقي رسائل غير مُباشرة من أبو ظبي، تفيد بأنها لن تقبل اعتماد سفير لبناني في حال كان شيعياً». وذلك بسبب العلاقة المتوترة بين حزب الله ودول الخليج، علماً بأنّ السفير اللبناني الحالي لدى الإمارات حسن سعد عُيّن عام 2013، في ذروة الخلافات بين الطرفين. ولم تشهد علاقته توتراً مع أبو ظبي. وحتّى في لبنان، الزيارات دائمة بين السفير الإماراتي لدى لبنان ورئيس مجلس النواب نبيه بري.

حصل «المستقبل» على بعثة لبنان لدى الأونيسكو والسفارة في أستانا


مصادر الخارجية اللبنانية تقول «لم نتبلّغ رسمياً من الإمارات هذا الموقف. ولكن هذا ما ينقله سفراء عن الدبلوماسية الإماراتية». انطلاقاً من هنا، «ومنعاً لأي خلل في العلاقة بين البلدين، طرحنا في البداية المداورة الطائفية في السفارات، وتعيين مسيحي في أبو ظبي، إلى جانب رغبتنا في تعزيز الحضور المسيحي في الخليج».
رفض حركة أمل للمداورة الطائفية، دفع ماكينة الشائعات إلى العمل على مستوى آخر، عبر القول إنّه «بسبب رفض تيار المستقبل خفض «التمثيل السنّي» في الخليج إلى سفير واحد، ولأنّ الإمارات لن تُصدر أوراق اعتماد سفير شيعي، يجب أن يتم التبادل بين حركة أمل وتيار المستقبل، فتحصل الأولى على الكويت والثانية على أبو ظبي».
مصادر مُطلعة على الملف الدبلوماسي تنفي بشدّة «وجود فيتو إماراتي من هذا النوع». وتذكّر المصادر بأن الشائعة نفسها جرى ترويجها زمن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وتتكرر اليوم لرغبة التيار الوطني الحر وتيار المستقبل في ضمّ «أبو ظبي»، كلّ إلى حصته.
على صعيد آخر، سيناريو المفاوضات حول قانونٍ جديد للانتخابات وضيق المُهل القانونية، يتكرر مع التشكيلات الدبلوماسية. فوزارة الخارجية باتت أسيرة تاريخ 15 تموز، موعد إحالة الأمين العام بالوكالة ومدير الشؤون السياسية شربل وهبة إلى التقاعد. حين عُيّن وهبة أميناً عاماً، حصل على كامل صلاحيات المنصب كونه مديراً للشؤون السياسية. إحالته إلى التقاعد يعني شغور مركزين. لذلك السفير الأعلى رُتبة في ملاك وزارة الخارجية من السفراء الموجودين في الإدارة المركزية، الذي سيُعين أميناً عاماً بالإنابة لن يكون صاحب صلاحيات كاملة، وبالتالي لا يملك حقّ اتخاذ القرار داخل اللجنة الإدارية المعنية برفع التشكيلات والتصنيفات (الترقيات) الدبلوماسية إلى الوزير.
يبرز في هذا الإطار ما يُحكى عن اتفاق بين تيار المستقبل وباسيل بأنّ إحالة وهبة إلى التقاعد قبل صدور التشكيلات، يُحتّم ترفيع القنصل هاني شميطلي إلى الفئة الأولى وتعيينه أميناً عاماً، ليُشرف على التعيينات. مصادر «الخارجية» وتيار المستقبل تنفي وجود اتفاق، ولكن «من المؤكد أنّ إصدار التشكيلات بحاجة إلى أمين عام أصيل».
القرار شبه محسوم بتعيين شميطلي، رغم أنّ الضغوط لرفضه لا تزال مستمرة، بسبب وجود من هم أقدم منه في الملاك. وآخر المساعي زيارة بعض السفراء للوزير غطاس خوري لمحاولة إقناع تيار المستقبل بالعدول عن خيار شميطلي.
لا تريد وزارة الخارجية أن يُنسب «إنجاز» التعيينات الدبلوماسية إلى جهة أخرى، لذلك «نحن نُسهل قدر الإمكان لإنهاء هذا الملف قبل 15 تموز»، بحسب مصادرها، التي كانت متفائلة بأنّ التشكيلات ستصدر قريباً، قبل أن تلجم اندفاعتها. أحد الأسباب التي تدعوها إلى الحذر، «الخوف من طلب تعديلات آخر لحظة، ولا سيّما من جانب حركة أمل. فبعدما وافقنا على طلباتها، بدأ يُنقل عنها أنّ قيادتها غير راضية عن بعض البنود». ومما نالته حركة أمل «سفارة ثانية في أميركا الجنوبية، فحصلت على كوبا، ومبادلة أبو ظبي بالكويت. وكانت الحركة قد طالبت بتبديل ستوكهولم بمدريد، ولكن لم يُبحث بذلك». المصادر المُطلعة على الملف تؤكد أنّ حركة أمل «لا تزال تُراهن على الحصول على بعثة لبنان في الأمم المتحدة في جنيف، والتي رفض باسيل منحها إياها». كما أنّها تعترض على إعطائها كوبا مُقابل سحب عُمان منها. أما الحريري، فقد نال سفارتين أساسيتين: بعثة لبنان لدى الأونيسكو والسفارة في أستانا». أما مصادر تيار المستقبل، فتؤكد أنّ التشكيلات تأخرّت بسبب عطلة عيد الفطر، ولا شيء يحول دون إصدارها.