«الله وحده يعرف كيف ستنتهي عصفورية الانتخابات في جزين»، يهمس أحد الحاضرين في اللقاء الحزبي الذي عقده رئيس «التيار الوطني الحر جبران باسيل لمحازبيه في مشموشة مساء السبت في إطار جولته على منطقة جزين. الضياع والتشتت سمة الكثير من العونيين منذ إقرار قانون الانتخابات على أساس 15 دائرة.
معظمهم لم يستوعب حتى الآن «بماذا يفيدنا دمج جزين وصيدا في دائرة واحدة واستبعاد قرى شرقي صيدا منها؟!». تساؤلات ومخاوف برتقالية من خسارة أحد المقاعد العونية الثلاثة في عروس الشلال، جهد باسيل للإجابة عنها وطمأنة المحازبين. وضع الخريطة التمثيلية للتيار التي ستفرزها الانتخابات المقبلة، في إطار سلة تفاهمات وتنازلات على مستوى الوطن «من أجل المصلحة العامة»، قال. كيف يتفهم هؤلاء التضحية بمقعد على الأقل من ثلاثة، والهم العوني الجزيني مرتكز حالياً على رص الصفوف؟. ينبري أحد الناشطين الجزينيين شاكياً إلى باسيل «انقسام القاعدة إلى جماعة أبو زيد (النائب أمل أبو زيد) وجماعة زياد (النائب زياد أسود) وجماعة باسيل وجماعة ميراي عون (...)». أصر الشاب على أن «الحساسية والمصالح الفئوية الضيقة لكل جماعة، ستغرقنا جميعاً في الانتخابات المقبلة ولن تخسرنا مقعداً فحسب، بل الثلاثة معاً».

زار نائبا جزين العونيّان صيدا للتهنئة بالفطر، كلٌّ منهما على حدة


قاطعه رئيس التيار: «معك حق وسنعمل على تصويب الأمور. لكن حاجي تفاول علينا». ناشط من جرنايا شكا لرئيسه غياب الخدمات والنواب عن البلدة منذ انتخابات 2009: «حينها فزنا بإمكانيات متواضعة على اللائحة المدعومة من (الرئيس نبيه) بري برغم الأموال والخدمات التي قدمتها للناس. لكن إذا بقيت الحال كما هي، فلن يبقى للتيار مناصر واحد».
أثقل العونيون رأس باسيل بالشكاوى والمطالب طوال يومين من جزين إلى مشموشة وعرمتى وبكاسين وعاراي والعيشية ولبعا، علماً بأن زيارته التي صنفها البعض كمهمة طارئة لترتيب البيت الداخلي، أثقلت مسبقاً بخلافات فردية صارت علنية في الأيام الماضية. بخلاف العادة بأن يجول نواب جزين معاً على المرجعيات الصيداوية، قام كل من أبو زيد وأسود بزيارات منفصلة (النائب الثالث عصام صوايا غائب دوماً في أميركا). استوحى أبو زيد زيارات العيد من التحالف المستجد مع تيار المستقبل. زار النائبة بهية الحريري ومقر الجماعة الإسلامية. في اليوم التالي، زار أسود (المعروف بإطلاق مواقف حادة تجاه تيار المستقبل) كلاً من المفتيين سليم سوسان ومحمد عسيران وحزب الله والشيخ ماهر حمود. وفي مشهد بات يتكرر أخيراً في منطقة جزين، كلف الزميل جان عزيز (تم تداول اسمه كمرشح محتمل للانتخابات النيابية المقبلة) بتمثيل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في افتتاح مركز للدفاع المدني في كفرجرة بحضور أبو زيد وأسود والحريري.
الاحتفال بإطلاق مشروع البلدية الذكية في جزين مساء السبت برعاية باسيل، قدم عينة عن المشهد الانتخابي. حضرت وزيرة حركة أمل عناية عز الدين (بصفتها وزيرة دولة لشؤون التنمية الإدارية، وكون وزارتها مساهمة في المشروع)، فيما اقتصر حضور حزب الله على رؤساء بلديات من جبل الريحان. حضر كل من الحريري وعبد الرحمن البزري ولم يُدعَ أسامة سعد. الطامحون لاختيارهم من قبل التيار على اللائحة الخماسية، ملأوا الكراسي. حضر ابن المحاربية سليم الخوري الذي فاز بأعلى الأصوات في الاستفتاء العوني الداخلي عن المقعد الكاثوليكي، وزميله رجل الأعمال جاد صوايا الذي زرع الطرقات بلافتات ترحيبية بباسيل. ابن روم عجاج حداد مثّل القوات وهو المرشح الذي يتردد بأنه قد يعتمد في حال عقد تحالف عوني قواتي.
نزل التيار عالأرض أول من أمس لاستقبال رئيسه. لكن جزءاً كبيراً من الجزينيين كانوا «بغير عالم». انتخابات العام الماضي الفرعية والبلدية، ذكّرت بوجود مرجعيات أخرى إلى جانب العونيين. مرجعية آل عازار تراجعت، إلا أنها لم تتلاشَ. مناصرو العائلة يشحذون الهمم لمعركة «محرزة. بخلاف معركة الفرعية التي جهزنا لها في أسبوعين». في الحي القديم في جزين، لا تزال دارة آل عازار تستقطب المناصرين برغم مرور شهر على وفاة النائب السابق سمير عازار. حضور العائلة في الشأن العام (أحد وجوهها التمثيل النيابي بدءاً من عام 1947) أبقى الدار التي شيدت قبل أكثر من 120 عاماً، جزءاً من الخريطة الجزينية. بعد خسارته في انتخابات 2009 أمام لائحة التيار الوطني الحر بفارق نحو 2500 صوت، انتقل عازار إلى الصفوف الخلفية ليتصدر نجله إبراهيم المشهد. في الانتخابات البلدية عام 2010، رعى الأخير لائحة خسرت بوجه اللائحة البرتقالية بفارق مئات الأصوات. الأداء العوني النيابي والبلدي خلال السنوات الست، مكّنه من تحقيق نتائج أكثر فعالية في الانتخابات النيابية الفرعية (والبلدية) عام 2016. إذ إنه حصد (7759 صوتاً) بوجه النائب الفائز أمل أبو زيد (14653 صوتاً) وكاد أن يحقق خرقاً في البلدية. أهمية نتيجة عازار تكمن في التمثيل داخل مدينة جزين (أي من البرّاد إلى المعبور، على ما يقول أهل المنطقة)، حيث حصل على 2042 صوتاً، في مقابل 1566 ناخباً صوّتوا لأبو زيد.
«أنا المرشح الجزيني الوحيد الذي لا يحمل همّ الترويج لنفسه في صيدا»، يقول عازار الذي لا يزال في فترة الحداد. يفاخر بأن أجداده ووالده ولدوا وكبروا في بوابة الجنوب. والده الذي افتتح مكتب المحاماة الخاص به هناك، قرر أن يقيم نجله الوحيد في صيدا. إلا أن الحرب الأهلية فرضت الانتقال.
يصر عازار على أنه ليس في مأزق، على الأقل كالعونيين. «منذ 80 عاماً، بيتنا يشتغل سياسة ومرجعيته دوماً جنوبية. لديّ خبرة في الترشح على مستوى الجنوب من خلال والدي وخبرة بالترشح في جزين التي حصلت فيها على ستة آلاف صوت مسيحي في انتخابات 2016». ماذا عن القانون الذي يفرض على كل اللوائح أن تضم حداً أدنى من عدد المرشحين يوازي 40 في المئة من عدد المقاعد، مع اشتراط أن تضم مرشحاً واحداً من كل قضاء على الأقل (في حالة دائرة صيدا ــ جزين، الحد الأدنى لعدد المرشحين على اللائحة الواحدة هو مرشح من صيدا وآخر من جزين)؟ يتحفظ عازار عن تحديد تحالفاته منذ الآن. صيداوياً، لديه خيارات واسعة من الشخصيات الوطنية للتحالف معها، ولا سيما أسامة سعد. أما عن منطقته، فينتظر القوى الأخرى كالقوات والكتائب والمرشحين الوازنين المنتسبين إلى التيار أو المقربين منه تحديد مصيرهم للترشح ضمن لوائحه أو في لوائح مضادة قد تجمعهم معاً.
في الانتخابات الأخيرة، لم يجيّر الرئيس نبيه بري، حليف سمير عازار، أصوات قاعدته لإبراهيم، بل جيرها لأبو زيد. يقاطع: «تمنيتُ عليه ألا يُحرج نفسه بدعمي في معركة ليست مضمونة. حينها كان هناك شغور رئاسي وكانت الأمور معقدة بينه وبين عون». يلمح إلى أن الوضع الآن تغير. «بري لم يتخل عن جزين، بل هي من تخلت عنه في 2009. برغم خسارتنا، ظل بعض مناصري التيار يطلبون منا الخدمات لإدراكهم باستثمار والدي لعلاقته مع بري وفي مجلس الجنوب لخدمة المنطقة».




مشهد أوّلي: صيدا تفوز بمقعد في جزين!

يحاول الخبير الانتخابي كمال فغالي تبديد ضبابية المشهد في دائرة صيدا ــ جزين وتوقع الخريطة الأولية للتحالفات الانتخابية ونسب التصويت وتوزيع أصوات الناخبين. يتوقع أن يشارك 80 ألف ناخب في الدائرة (43 ألفاً في صيدا و37 ألفاً في جزين).
وعليه، فإن الحاصل الانتخابي وفق القانون الحالي سيبلغ 16 ألف صوت. كيف تتوزع التحالفات والتصويت استناداً إلى تلك الأرقام الأولية؟ يقول فغالي إن القوى الصيداوية «سيكون لديها إمكانية الفوز بثلاثة مقاعد على مستوى الدائرة (خمسة مقاعد) والقوى الجزينية ستتمكن من الفوز بالمقعدين الآخرين». في التفاصيل المستندة إلى نتائج انتخابات 2009، يستقرئ فغالي مشهداً أولياً لحظوظ القوى المعنية بالدائرة. «يمكن لتيار المستقبل الفوز بمقعدين من دون أي حليف، إذ يفترض أن ينطلق من صيدا بنحو 28 ألف صوت أي بمقعدين، من دون احتساب مناصريه في قضاء جزين. أما التنظيم الشعبي الناصري فيمكنه الفوز بمقعد واحد من دون حلفاء، إذ ينطلق من صيدا بنحو 16 ألف صوت أي بمقعد، من دون احتساب مناصريه في جزين. الصوت التفضيلي في القضاء سيجعل من فوز المستقبل بمقعدين عن صيدا شبه مستحيل برأي فغالي. لأنه يتطلب حصول كلّ من مرشحَي المستقبل على أصوات تفضيلية تتخطى الأصوات التفضيلية التي سيحققها أسامة سعد الذي حقق نسبة 35.8 في المئة في 2009، علماً بأن المستقبل، إذا خاض الانتخابات من دون تحالف، وحصد نسبة التأييد نفسها التي نالها في الانتخابات النيابية الأخيرة، فسيفوز حتماً بمقعدين، أحدهما مسيحي.
تلك التوقعات تبقى رهن احتمالات التحالفات المفتوحة لكل قوة. في حال شكل كل من المستقبل والتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية حلفاً انتخابياً، فإنه قد يمكنهم من الفوز بمقعد في صيدا ومقعدَين في جزين. أما في حال تحالف كل من التنظيم الشعبي ونجل النائب الراحل سمير عازار، إبراهيم عازار، والعميد المتقاعد صلاح جبران وحركة أمل وحزب الله، فإنهم قادرون على الفوز بمقعد واحد في صيدا وآخر في جزين.
تعقيدات القانون الحالي تترك الباب مفتوحاً أمام احتمالات التحالف والتصويت، لكنها تفرز ملاحظات قد تشكل ثوابت لبعض القوى. فعلى سبيل المثال، فإن انتقال المرشح المفترض عبد الرحمن البزري من تحالفه مع التنظيم إلى تحالف مع المستقبل لن يؤثر في المعادلة. فالتحالف المحتمل بين الشعبي وعازار يملك هامش أصوات إضافية. للتذكير، حقق عازار منفرداً في الانتخابات الفرعية في جزين 30 في المئة أي ما يوازي 11 ألفاً و500 صوت. فيما حقق جبران 12 في المئة أي ما يوازي 4500 صوت، ما يوفر للائحة نحو 35 ألف صوت.

آ.خ.