عبثاً يُحاول معالي وزير العدل سليم جريصاتي تبرير ما أقدم عليه علناً من التدخل في ملف قضية جورج الريف، باتصاله أمام وسائل الإعلام برئيس المحكمة، مُطلقاً تهديدات مُبطّنة؛ وعبثاً يُحاول التذرّع بصلاحياته لمراقبة سير العدالة وأن ما أقدم عليه هو في سبيل تحسين الأداء القضائي وليس التدخل في مجريات المحاكمة.
لكن الواقع يُشير الى خلاف ذلك. فربما أبهرت أضواء الكاميرات نظر معالي الوزير ورؤيته؛ فمبدأ فصل السلطات هو فرض دستوري وقد أولاه فخامة رئيس الجمهورية حيزاً مهماً في خطاب القسم، ولا تتم رقابة معالي وزير الوصاية على الأداء القضائي أمام وسائل الإعلام وعلناً أمام فريق من المتداعين في دعوى تنظر فيها محكمة جنايات بيروت، وليس من اللائق أن يقوم معالي وزير العدل بالتصريح علناً أن همّه منصبّ على أن يتم السير في قضايا تحرّك الرأي العام، وكأنه يرضى أن يتم إهمال القضايا الأخرى لأنها لا تُحرّك الرأي العام. فالعدالة عمياء ولا تميّز ولا تفرّق، زد على ذلك فإنّ القاضي الذي هو السيد المُطلق في محكمته لا يجوز المس بكرامته وكرامة المحكمة بالاتصال به علناً أمام كافة وسائل الاعلام وتنبيهه الى أمور، وإن أتى الاتصال من معالي وزير العدل الذي لا بد من أن يكون تصرّفه هذا قد شكّل ضغطاً معنوياً على هيئة المحكمة وضربة قاضية لهيبة محكمة الجنايات، وشكّل سابقة لم نرَ لها مثيلاً في أيّ من الدول التي تدّعي الديمقراطية.
ولسنا هنا في مجال تلقين معالي الوزير دروساً في أصول التعامل ما بين وزير للعدل وقضاة مُستقلّين. وإن كان لمعالي الوزير صلاحية في مراقبة الأداء القضائي، فممارسة تلك الصلاحية تتم عبر مراسلات إدارية تراعي مبدأ السرية وليس أمام كافة وسائل الإعلام، كما في الأمر الذي شاهده الملايين عبر كافة قنوات التلفزة اللبنانية والعربية والدولية.