السباق انطلق بين السياسيين. أمامهم 11 شهراً، ليثبتوا للرأي العام اللبناني مَن مِنهم الأكثر «شعبوية»، والأكثر «تقدميةً». بدأت تظهر عيّنة لما ينتظر اللبنانيين، منذ الآن وحتى 6 أيار 2018، إن لم تفرض «الظروف» تمديداً رابعاً. وفي الإطار «التسويقي»، تندرج المطالبة بتطبيق الكوتا النسائية.كُلهم (باستثناء حزب الله) نظموا القصائد، احتراماً للمرأة وتقديراً لدورها وتأكيداً لضرورة أن تكون مُمثلة في السلطة التشريعية. تحدّى رئيس الحكومة سعد الحريري، في شباط الماضي، أنّه «لن أوقّع على قانون انتخابات لا يُدرج الكوتا النسائية». في آذار، شدّدت النائبة ستريدا جعجع على الكوتا «أقلّه على دورتين أو ثلاث لنعوّد المجتمع اللبناني أن المرأة قادرة على تبوّء مراكز مُهمّة». نائب الجماعة الإسلامية عماد الحوت سأل من ساحة النجمة، يوم الجمعة الماضية: «من الطرف الذي لم يرغب بالكوتا؟»، مؤيداً إياها. حصلت الكوتا أيضاً على تأييد حركة أمل، والحزب التقدمي الاشتراكي، وحزب الكتائب... ولكن.

أول «غربلة» لمن يدعم حقيقةً الكوتا حصلت خلال جلسة مجلس الوزراء، الأربعاء الماضي. لم يتحفظ عن عدم تحديد الكوتا سوى رئيس الحكومة، والوزراء علي حسن خليل، رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي علي قانصو، جان أوغاسبيان، ومروان حمادة. أما المرحلة الثانية من تصفية الأحزاب، فكانت خلال جلسة مجلس النواب الجمعة، حين رفع 10 نواب فقط، بينهم أعضاء كتلة «الكتائب»، أياديهم مؤيدين لها. الحجّة الرسمية أنّ «هناك اتفاقاً واضحاً حول القانون، إقرار تعديلات يعني الشذّ عنه، رغم وجود كتل نيابية مؤيدة للكوتا». الحقيقة أنّ العقلية الرجعية لمعظم القيادات السياسية هي التي تمنع ترشيح النساء، وليس النصوص القانونية.
حجة «التوافق السياسي» أسقطت الكوتا من نصّ القانون. إلا أنّ ذلك لم يردع النواب عن الخروج من الجلسة واستكمال استخدام شعار «أهمية تمثيل المرأة». فرضاً أنّ ذلك كان السبب الحقيقي، لا شيء في النصوص الدستورية والقانونية ما يمنع المرأة من أن تترشح إلى الانتخابات النيابية. وهي أصلاً ممثّلة في البرلمان، ولو بنسبة لا تُذكر، مع النواب جيلبيرت زوين، بهية الحريري، ستريدا جعجع، ونايلة تويني. فلو أنّ الأحزاب فعلاً صادقة مع شعاراتها، فلماذا لا تُرشح على لوائحها سيدات بنفس النسبة (أو أكثر) التي كانت ستفرضها الكوتا؟ حزب الكتائب والجماعة الإسلامية يؤكدان لـ«الأخبار» أنهما سيُرشحان نساء هذه الدورة، من دون تحديد النسبة. يقول رئيس المكتب السياسي في «الجماعة» أسعد هرموش إنهم يطرحون الكوتا «عن قناعة وليس ادعاءً، وفي أجهزتنا التنظيمية لدى المرأة مشاركة فعالة». ولكنه يُشير أيضاً إلى أنّ المرأة «بحاجة إلى أن تبرز نفسها وتؤكد حضورها». الكتائب الذي يتبنى اليوم قضية تمثيل المرأة في الحياة السياسية، لم يُرشح سابقاً سوى النائبة السابقة صولانج الجميّل. ليس السبب أنها سيدة، بل لأن ابنها النائب نديم الجميّل لم يكن جاهزاً بعد لممارسة النيابة، ولأن لها حضورها وحيثيتها كأرملة بشير الجميّل. في الصيفي دفاع بأنّ «النظرة تبدلت منذ تسلُّم النائب سامي الجميّل للقيادة، وهو يعمل مع مستشارته لارا سعادة منذ الـ٢٠٠٩ على فرض الكوتا»، من دون أن تُحدد المصادر الكتائبية نسبة النساء اللواتي سيُرشَّحنَ.
الرئيس سعد الحريري خبط يده على صدره، جازماً بأنه بكوتا أو بدونها سيُرشح نساء إلى النيابة. حماسة الحريري، الذي عيّن رجلاً لوزارة شؤون المرأة، ستُفرملها آراء يسمعها داخل تيار المستقبل بأنه «إذا كانت المعركة بحاجة إلى مرشحين لديهم بلوكات أصوات، ويؤمنون أصواتهم التفضيلية، وبوجود ٣ نساء فقط قادرات على لعب هذا الدور (بهية الحريري، ستريدا جعجع، ميريام سكاف)، فهل سيكون ملزماً بالبقاء على وعده أم يبحث عن نوعية أخرى من المرشحين؟». السؤال مقلوباً يُطرح على أصحاب هذا الرأي. هل كلّ المرشحين على لوائح تيار المستقبل، وغيره من الأحزاب، يُشكلون قيمة انتخابية مضافة أكثر من المرشحات؟ أيام النظام الأكثري، كان يرسو منطق «المحادل»، فيفوز مرشحون فقط لأنهم على لائحة التيار الفلاني. لم يكن، في دوائر عديدة، تهمّ هوية المرشح. على الرغم من ذلك، لم يُرشح تيار المستقبل وحركة أمل والحزب القومي والقوات اللبنانية (باستثناء جعجع لأنها زوجة «القائد»)، نساء.

كان الحريري قد
تعهد بأنّه لن يوقّع على قانون لا يُدرج الكوتا النسائية

السبب؟ بحسب مقربين من «المستقبل» أنّ المرحلة السابقة «المحتدمة سياسياً كانت تفرض ذلك». تُقدم هذه الحجة وفي المجلس النيابي نواباً لم يدلوا بآرائهم يوماً، ولم يفيدوا «الخطّ» الذي انتموا إليه، ولا قدّموا اقتراح قانون، ولا أضافوا أصواتاً إلى لوائحهم. لم يحسم بعد تيار المستقبل هوية مرشحاته، «لا يزال الوقت مُبكراً قبل ١١ شهراً». لن يطول الأمر قبل أن توضع الكتل أمام تعهداتها، «فنكون أمام حلّ من اثنين. إما التزام ترشيح نساء، حتى ولو كان ذلك يعني خسارة المقعد. وإما نُرشح سيدات عن المقاعد المعروف مُسبقاً أنها خاسرة». في هذا الكلام كثير من المزايدة وتحويل المرأة إلى «انتحارية» في الترشيحات، أو «كمالة عدد»، وهذا ما يريده السياسيون.
من جهتها، تؤكد مصادر حركة أمل «وجود النية أن يكون هناك ترشيحات لنساء. ولكن يجب دراسة الواقع جيداً مع إقرار النسبية، حيث لم يعد هناك شيء محسوم». وعلى الرغم من تحفظ الوزير خليل عن عدم ذكر الكوتا، ولكن بالنسبة إلى المصادر «القصة تبدأ من التنشئة. فحتى العنصر النسائي لا يُقدم على الترشح». إذا كان الأمر كذلك، فلماذا أصرّ الرئيس نبيه بري على توزير الوزيرة عناية عز الدين التي لا يمكن أي وزير اليوم القول إن كونها سيدة أثّر سلباً في عملها الوزاري (قد يمكن افتراض العكس).
في الهيئات الحزبية التنظيمية هناك وجود لعدد من السيدات، حتى ولو لم يكنّ في مواقع متقدمة. المجالس البلدية والاختيارية تضم أعضاء من النساء. المستوى الأكاديمي لهؤلاء بات متقدماً، وقلة من العائلات ما زالت تقف في دربهنّ. لذلك، تبدو حجة أن «المجتمع لا يتقبل بعد عمل النساء في السياسة. حتى خلال الانتخابات البلدية، العقلية القديمة والمجتمع الذكوري كان يُصعبان علينا إقناع النساء وأهلهم بالترشح»، مردودة لأصحابها أيضاً. واجب الأحزاب أن تلعب دوراً تقدمياً في المجتمع لا أن تتحول إلى ظهير خلفي للكيانات الرجعية. الأحزاب والقيادات قادرة على تغيير النمط السائد من التعامل مع النساء، لو أرادت ذلك. ما الفرق بين عضو بلدية، أو عضو مكتب سياسي ونائب (ة) في البرلمان؟
الهدف من مطالبة القوى السياسية بترشيح نساء ليس دعوة الذكوريين إلى منح المرأة حقها، وكأنه منّة منهم. كل ما في الأمر أنّ على المطالبين بالكوتا النسائية، تطبيق مطلبهم، داخل أحزابهم، وفي الترشيح إلى النيابة، على الأقل. وهنا الاختبار الذي سينجحون فيه، أو أنهم سيثبتون مجدداً أن المطالبة بالكوتا ليست سوى شعار شعبوي يرفعونه قبل الانتخابات، كما هي عادتهم.