في مجتمع لا تزال تطغى عليه الذكورية في الكثير من المجالات، يبدو أن واقع أن يكون المرء ذكراً لم يعد مكمن قوة أو تميّز، خاصة لدى بعض المنتجعات السياحية البحرية في لبنان التي باتت تعتمد سياسة "استباقية" تقوم على منع دخول أي مجموعة من الشباب (يقصد بهم الذكور وليس الفئة العمرية) بحجة أنهم "قد" يتسببون في مشاكل. إجراءات تمييزية، تستند إلى "توقعات" و"تقديرات" تمنع حتى قرينة البراءة عن الشباب.
هم مذنبون سلفاً وقبل أن يقترفوا أي جرم. لكن يخضع الحكم لأسباب تخفيفية هي بحد ذاتها أسوأ من التهمة، وتقوم على السماح ببعض الاستثناءات في حال كان الشباب "مرتبين"!!

الشباب «مشكلجية»

تتشابه أجوبة بعض المجمعات البحرية التي تمنع الشباب من الدخول إليها. جميعهم يتمتعون بقدرات ما ورائية تساعدهم على كشف الحدث قبل أن يقع بحجة حفظ الأمن. يشير المدير العام لمنتجع Janna Sur Mer بشار غالي إلى أن قرار منع دخول الشباب يعود إلى رغبة المنتجع في تفادي أي مشاكل قد تحصل، وهي من باب الحيطة والحذر، وبالتالي «نستبق الأمور». ويوضح «لا يوجد رفض بالمطلق، لذلك نحن من نحدد إذا كان بإمكان مجموعة من الشباب الدخول من عدمه». لكن استناداً إلى ماذا؟ يجيب غالي "الشاب ببيّن إذا كان خرج يفوت".
إذاً لا تقوم المنتجعات بحرمان الشباب من الدخول، لكنها تمنح نفسها حق تقييمهم وتقدير إذا "كانوا خرج".

تعمد بعض المنتجعات إلى تقييم الشباب إذا كانوا «مرتبين»


مديرة قسم التسويق في منتجع Koa المعروف سابقاً بال Cyan تاتيانا كريدي تؤكد أنه "يمكن للشباب الدخول بالإجمال، لكن في بعض الحالات يعود لنا كمؤسسة حق الاختيار الاستنسابي في الموافقة أو الرفض". توخياً للدقة نستوضح، خصوصاً أن الموضوع قد يسبّب إحراجاً لمجموعة من الشباب قد تلقى رفضاً فجائياً ومن دون أي مبرر، فنسأل أن هذه الاستنسابية تعني أنه يمكن أن تحضر مجموعة من الشباب وتقومون بإدخالها، وقد تحضر مجموعة أخرى وتحرمونها من الدخول؟ ويأتي الجواب بالإيجاب.
لكن وفقاً لأي معايير يتخذ القرار؟ لا توضح كريدي هذه النقطة. لكنها تشدد على أنه في «95% من الحالات ندخل الشباب، لكننا نفضّل أن تكون المجموعات مختلطة، لأنه يوجد احتمال كبير أن تقع مشاكل بين الشباب، خصوصاً أن الكحول متوافرة في المنتجع».
في السياق عينه، يكشف صاحب مشروع Aqua Island عبدالله الجردي أن المجمع لا يدخل الشباب "لأنهم مسبّبون للمشاكل". لكن ألا تغضّون النظر في بعض الحالات؟ يجيب الجردي "إذا كانوا مرتبين ومن عمر معيّن ندخلهم".
لا ينفي نقيب أصحاب المنتجعات السياحية البحرية جان بيروتي وجود مثل هذه الممارسات، لكنه يشدد على "أنها متّبعة عند حوالى 20% فقط من المنتجعات البحرية، والتي قد يكون لها خصوصية معينة، كأن تكون مخصّصة للعائلات فقط. فلكل مؤسسة سياسة معيّنة تتبعها، وهي تكون معلومة مسبقاً، وذلك كي لا يفاجئ الزائر".

قصاص جماعي

ما هو المبرر في علم النفس لقرارات تعسفية وتمييزية كهذه؟ يشرح الاختصاصي في علم النفس العيادي الدكتور نبيل خوري أن «الشعور بالجماعة يمنح الأفراد شعوراً بالقوة والجرأة، ويزيد من مقوّمات التحدي لديهم، وهو ما قد يدفعهم إلى ارتكاب بعض الاعمال المخلة التي ما كانوا ليقدموا عليها لو كانوا وحدهم".
على الرغم من هذا، يؤكد خوري أن هذه الإجراءات ترقى إلى مستوى "القصاص الجماعي، وهي تشبه حال أستاذ المدرسة الذي يعمد إلى معاقبة الصف بأكمله لمجرد أنه لم يعلم من هو التلميذ المشاغب. والقصاص الجماعي غير مقبول، ولا يجوز أن يعمّم الموضوع على جميع الشباب في حال حصلت بعض الحوادث في الماضي".
ويتساءل عن جدوى هذه القرارات ما دامت المنتجعات "تستخدم شركات خاصة لحفظ الأمن، وتضع كاميرات مراقبة في كل أرجاء المنتجع، وغيرها الكثير من التدابير والإجراءات لحفظ الأمن". ويشير إلى أنه "في كثير من دول العالم يتدفق الناس بالآلاف على الشواطئ الشعبية من دون تسجيل أي حوادث تذكر. فما المانع من ضبط الوضع في منتجع سياحي؟".
أما عن موضوع الترتيب، فلا يستغرب خوري الأمر، حيث يشير إلى أن اللبناني "اخترع مقاييس وسمح لنفسه من خلالها بتصنيف الناس ومنحهم توصيفات تلتقي مع اقتناعاته، ومن هذه المقاييس طراز السيارة ونوعها، الملابس، وحتى الفروقات العرقية والدينية وغيرها الكثير...".
أما رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان وديع الأسمر فيرى أن هذه الإجراءات تمييزية، حيث إنه "يمنع التمييز على أساس العرق والجنس، وما تقوم به بعض المنتجعات ليس أكثر من عشوائية في التعاطي". ويسأل "من يضمن ألا يشاغب "المرتّب"؟ وهل المشكل يفترض وجود مجموعة؟".
لا تقتصر هذه الظاهرة على بعض المنتجعات البحرية فحسب، بل إن العديد من الملاهي في لبنان ترفض استقبال الشباب في حال أتوا ضمن مجموعة، والتبرير ذاته. من حقّ أيّ مؤسسة الحرص على أمن روادها، لكن ليس استناداً إلى حكم جماعي مسبق يحاكم فيه الشباب على أساس الجنس. والسؤال الجدي هو: ما هو دور رجال الأمن المفتولي العضلات الذين توظّفهم المنتجعات؟ هل يفترض بهم حماية الناس من أشعة الشمس مثلاً؟

* [email protected]