بعدما راحت سكرة قانون الانتخاب، جاءت فكرة التداعيات السياسية التي أحدثها القانون والمداولات حوله. لكن في مقابل تداعيات القانون من الناحية الانتخابية، لا يمكن التقليل من أهمية النتائج السياسية التي أسفر عنها، لأن البلاد ستكون مجدداً أمام واقع مأزوم، تجاه حكومة ومجلس نيابي ممدد لهما.
والكلام عن تمديد عمر الاثنين ليس ترفاً، لأن هذا التمديد يعني عملياً استمرار الجمود السياسي الداخلي على حاله. وما الكلام عن محاولة الرئاسة الأولى جمع رؤساء الكتل النيابية للبحث في أطر سياسية، إلا محاولة لضخ بعض الحياة في هذا المسار المتوقف عن العمل. لكن ما استحال تحقيقه في خضم نقاش القانون، هل يمكن أن يتحقق خارج أي حدث ضاغط، وهل يمكن فعلاً لهذا النقاش أن يساهم في التخفيف من حدة الاهتراء الحالي وتعويم الحكومة، فلا تبدو كأنها حكومة تصريف أعمال؟ في وقت سيحاول فيه الرئيس نبيه بري الإفادة الى الحد الأقصى من التمديد للمجلس، في عرض عضلات تشريعي، بعد حالة الحرد السياسية مع العهد، لتمرير مجموعة من القوانين التي كانت تراوح مكانها.
وإذا كان قانون الانتخاب قد مر في لحظة تقاطعات محلية، في غفلة عما يجري إقليمياً، فإن ذلك لا يعني أن الأزمة الإقليمية المرشحة للتفاقم، وأن العقوبات الأميركية المفترضة على حزب الله وعلى شخصيات لبنانية، ستبقي لبنان في منأى عن التوتر الإقليمي. ومشكلة التمديد الذي يرخي جواً سياسياً ثقيلاً على البلاد، أنه بقدر ما يحرر القوى السياسية، ولا سيما المستقبل وحزب الله (وكل منهما لسبب خاص به)، من همّ الدخول في معمعمة داخلية في غنى عنها، فإنه يضعف الإطار السياسي للحكم الذي يفترض أن يواجه ما يقبل عليه لبنان والمنطقة، ويضعه أمام تحديات خطرة، ستبدأ بالظهور تباعاً. ولا يفترض تالياً الركون الى هذا الهدوء الذي يسبق عادة أي عاصفة، لأن ما سيكون أمام الحكومة لتواجهه لاحقاً، سيتعدى محاولتها الآنية للقفز فوق الألغام الإقليمية والدولية، بتحييد نفسها.

الأزمة الإقليمية المرشحة للتفاقم قد لا تبقي لبنان في منأى عن التوتر


أما بالنسبة الى تداعيات القانون، فهناك أكثرمن نقطة للتوقف عندها:
أولاً: لا يمكن أن تنتهي النقاشات حول قانون الانتخاب بمجرد إقراره في مجلس النواب. فحتى صانعوه يعترفون بأن ثغراً عدة تشوبه، وأن المجال مفتوح للنقاش حوله من الآن وحتى أيار عام 2018. وللتذكير، فإن قانون الدوحة الذي أقر في 8 تشرين الأول عام 2008 عدل في مجلس النواب في 18 كانون الأول من العام نفسه، أي بعد شهرين من إقراره، لتصحيح «أخطاء مادية» في بعض مواده بناءً على اقتراح وزارة الداخلية آنذاك. وهذا يعني أن قانون الانتخاب العاشر بعد الاستقلال، قابل أيضاً للتعديل، منذ اللحظة الأولى لإقراره، وخصوصاً أن المهلة المتبقية تسمح بكثير من النقاشات التي يمكن أن تدخل عليه تعديلات أساسية، وقد بدأت الكتل السياسية التي وافقت عليه تتبرأ من بعض تفاصيله.
ثانياً، ما أحدثه قانون الانتخاب من نقاشات وتباينات سياسية، لم ينتظر إقرار القانون حتى يطفو مجدداً على سطح النقاش السياسي. فالخلاف بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية حول مسائل كهربائية وصحية، واحد من أوجه المماحكات قبل الجلوس على طاولة التفاوض الجدي، لأنهما يواجهان استحقاقاً أساسياً بعد الرئاسة وتشكيل الحكومة والانتخابات البلدية. ورغم أنهما بكرا في السجال الانتخابي من خلال طرح ترشيحات عونية وقواتية في شكل منفرد، إلا أنهما مع إقرار القانون القائم على النسبية سيكونان أمام امتحان جدي، في تحديد الدوائر التي سيخوضان فيها معاركهما معاً أو ضد بعضهما البعض، والتفاهم على المرشحين. وقد سلطت نقاشات الأيام الأخيرة الضوء على أشكال التحالفات التي يراهنون عليها، وخصوصاً ما برز لجهة التقاطع القواتي ــــ الاشتراكي من جهة، وإعادة إحياء اللقاءات بين المستقبل والقوات انتخابياً. ورغم أن هناك تعويلاً قواتياً على العلاقة مع الرئيس نبيه بري التي أفرزت أخيراً قانون انتخاب، لكن المبالغة في الرهان على حلف انتخابي مع بري خارج إطار تفاهم شامل مع التيار وحزب الله يبدو في غير محله.
ثالثاً، رغم أن الأشهر الفاصلة عن موعد الانتخابات طويلة نسبياً، فإن جميع الأطراف السياسيين يحاولون الاستفادة من هذه الأشهر الصيفية، لتزخيم حضورهم وتمتين القاعدة الشعبية لأحزابهم. ومن البديهي أن يكون الحريري في مقدمة الذين بدأوا هذا التحضير لحاجته الماسة الى استنهاض قاعدته، قبل إقرار القانون، وهو أول المطالِبين بتأجيل الانتخابات. وهو يستنفر وضعيته كرئيس للحكومة ومشارك في مشاريع وصفقات داخلية عدة، لتعزيز وضعه. وقد بدت زيارته الشمالية أخيراً لافتة، وتحديداً الى منزل النائب أحمد فتفت، المبتعد عن الأضواء في المرحلة الأخيرة، في محاولة للمّ العصب شمالاً، وخصوصاً في ضوء كتلة سنية مناهضة بدأت ترتسم معالمها مع الوزير أشرف ريفي وخطوطه المفتوحة مع فاعليات شمالية أساسية، علماً بأن الحريري المنصرف الى إعادة هيكلة سياسته المالية وترتيب بيته الداخلي، في حاجة الى أشهر طويلة، لا لشد عصب قاعدته فحسب، بل أيضاً كتلته وهو يعرف أن بعض من فيها يعارض قانون الانتخاب وسياسة المستقبل العامة وتحالفاته، علماً بأن أسماء الذين باتوا على لائحة «المصروفين من الخدمة» من نواب حاليين، باتت شبه معروفة.