في الحلقة الثانية من البحث في خلاصات التحقيق الأميركي بحق أشخاص، زعم مكتب التحقيقات الفيدرالي أخيراً أنهم يعملون لمصلحة «حزب الله» المصنف أميركياً تنظيماً إرهابياً منذ 1997 (بحسب القسم 219 من قانون الهجرة والجنسية الأميركي)، نعرض مضمون الشكوى القضائية والقرائن التي استخدمت ضد رجل من مواليد عام 1984 يحمل الجنسيتين الأميركية واللبنانية يدعى علي محمد كوراني.
سافر كوراني الى الولايات المتحدة عام 2003 حيث نال شهادة جامعية في «الهندسة البيوميترية» عام 2009، وشهادة ماجيستير في التجارة (ام بي آي) عام 2013.
المحقق الفيدرالي الأميركي جوزيف كوستيلو، الذي التحق بمكتب التحقيقات الفيدرالي عام 2014 بعد عمله لمصلحة وزارة الخارجية لخمس سنوات، قام بصياغة نص الشكوى وعرضها على مساعدي المدعي العام الأميركي إميل بوفي وأماندا هول للتصديق على مضمونها وإحالتها على القاضية كاثرين باركر يوم 31 أيار الفائت.
وتضمنت الشكوى ثماني تهم يقترح كوستيلو توجيهها ضد المهندس كوراني؛ منها مساعدة تنظيم إرهابي والانضمام الى صفوفه والمشاركة في تحضير هجوم إرهابي من خلال مراقبة مواقع عسكرية وأمنية ومطارات في نيويورك، والتدريب على استخدام أسلحة ومتفجرات والقيام بتداولات مالية لمصلحة منظمة الجهاد الإسلامي (الذي يدعي أنها تشكل الوحدة 910 التابعة للحزب).

من «الأدلة»
المستخدمة ضد كوراني أنه تمكّن من التعرف إلى صورة كلاشنيكوف و«أر بي جي»


زعم كوستيلو أن منظمة الجهاد الإسلامي كانت قد جندت كوراني ليجمع معلومات لمصلحتها وليكون جزءاً من «خلية نائمة» في الولايات المتحدة. لكن في ملف التحقيق العديد من الأمور التي تدل على «كابوس» مفبرك بواسطة ملاحظات ظرفية وتحليلات سطحية، لا الى إثباتات تؤكد ضلوع علي كوراني في جرائم إرهاب.
نعرض في ما يلي بعضاً من تلك الملاحظات:
اللافت في خلفية الشكوى القضائية هو الإشارة الى تلفزيون «المنار»، المصنف أميركياً مؤسسة إرهابية منذ 2006، من خلال الزعم أنه يُستخدم لتجنيد إرهابيين لمصلحة الوحدة 910 الخاصة بالعمليات الخارجية لحزب الله. لكن، هل يعقل أن يستخدم الحزب جناحه الإعلامي في العمل الاستخباري والأمني من دون أن ينكشف؟
يدعي المحقق الفيدرالي الأميركي أن الشيخ حسين كوراني، وهو من أقارب علي، قام بتجنيده لمصلحة منظمة الجهاد الإسلامي عام 2008 «بسبب إقامته في الولايات المتحدة». ويضيف أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يشرف مباشرة على هذه المنظمة، بغض النظر عن صحة ذلك أو عدمه، هل يعقل أن يطلب قائد يعترف الجميع (بمن فيهم الإسرائيليون أنفسهم) بأنه يتمتع بذكاء وبحسّ أمني واستخباري، من شيخ معروف بعلاقته بحزب الله، تجنيد أحد أقاربه المقيمين في أميركا في عمل أمني واستخباري من دون أن ينكشف؟
في الفقرة «19 الف» من النص القضائي الأميركي ورد أن المسؤولين في منظمة الجهاد الإسلامي أخضعوا علي كوراني، بعد تجنيده، لاستجواب عن خلفيته ومعتقداته الدينية. يتناقض ذلك مع التوصيف الأميركي لحزب الله، حيث إن الأميركيين يقولون إنه حزب شيعي يأتي الدين بالنسبة إليه فوق كل اعتبار، فكيف يمكن أن يجند شخص في إحدى أهم وحداته قبل أن ينتهي من استجوابه بشأن معتقداته وخلفيته؟
ورد في نص الشكوى القضائية أن كوراني خضع لتدريبات عسكرية لدى حزب الله قبل سفره الى الولايات المتحدة عام 2000 (كان عمره لا يتجاوز 16 سنة) وأثناء زيارته لبنان عام 2011. أما الدليل على ذلك، بحسب ملف التحقيق، فهو أن كوراني تمكن من تحديد أسماء ومواصفات الأسلحة التالية عندما عرضت صورها عليه: كلاشنيكوف (أ ك 47)، رشاش ام بي 5، بي كا سي، وقاذف صواريخ ار بي جي، علماً بأن هذه الأسلحة غير المتطورة موجودة بكثرة في لبنان، وتحديد نوعها ومواصفاتها لا يتطلب تدريباً بل مجرد مشاهدات وأحاديث مع أصدقاء أو بحث سريع عبر الإنترنت...
زعم نص الشكوى القضائية أن شخصين تابعين للجهاد الإسلامي، أحدهما ملقب بـ«فادي» وآخر بـ«الحاج» كانا يشرفان على كوراني ويتواصلان معه بواسطة البريد الإلكتروني (إيميل) والهاتف الموصول بجهاز «بايجر» (جهاز اتصال يستخدمه عادة الأطباء). ويزعم المحقق الأميركي أن الـ«شيفرة» السرية التي اعتمدها فادي والحاج وكوراني قوامها تناول موضوع البحث عن زوجة لكوراني في لبنان أو موضوع الوظيفة والعمل. ومن المعروف أن هذين الموضوعين بالتحديد هما أكثر ما يتناوله الشباب اللبنانيون المقيمون في الخارج مع أقاربهم وأصدقائهم ومعارفهم في لبنان.
لم يبنِ المحقق الأميركي اقتناعه بشأن كوراني انطلاقاً من مراقبة تواصل الحزب معه عبر إيميل، بل اعتمد خلاصات أساسية توصل إليها من خلال تحليل نشاطه عبر الإنترنت بشكل عام، مدققاً في تزامنه مع وقائع محددة. فورد في نص الشكوى القضائية أن كوراني قام ببحث إلكتروني عن «تقرير فينوغراد» الإسرائيلي مباشرة بعد تجنيده في الجهاد الإسلامي عام 2008 ... كما ورد أن الرجل قام ببحث إلكتروني عن تلفزيون «المنار» (مصنفة إرهابية في أميركا) خلال ثلاثة تواريخ: أيار 2008 وتشرين الأول 2012 وآذار 2015... ويومين بعد استشهاد المقاوم ربيع فارس في كانون الثاني 2013، قام كوراني بالبحث عنه عبر الإنترنت... وفي 2013 قام كوراني بالبحث عن «لو هزم حزب الله»... ويبدو أن المحقق لم يكلف نفسه القيام ببعض التحريات البسيطة ليتبين له أن هذا مجرد عنوان لبرنامج وثائقي بثته قناة «المنار»...
زعم كوستيلو أن حزب الله طلب من كوراني مراقبة مقارّ مكتب التحقيقات الفيدرالي والحرس الوطني التابع للجيش الأميركي والاستخبارات السرية ومخزن سلاح في نيويورك، مستنداً الى فيديو لمحيط أحد هذه المواقع وجد على هاتف كوراني وصورة واحدة لأحد هذه المواقع كان كوراني قد نسخها من موقع إلكتروني عبر الإنترنت وأرسلها الى «فادي».
كما زعم كوستيلو أن كوراني كان قد راقب مطاري «جي اف كي» و«لاغوارديا» في نيويورك من خلال جمع صور وخرائط عبر «غوغل ارث». المستغرب بهذا الأمر هو تجاهل المحقق أن جمع كل هذه المعلومات ممكن أن يتم في لبنان عبر الإنترنت ولا حاجة إلى تجنيد شخص ليجمعها في نيويورك... الأمر نفسه ينطبق على زعم كوستيلو بأن الحزب طلب من كوراني جمع معلومات عن أشخاص موجودين في نيويورك على صلة بالجيش الإسرائيلي من أجل اغتيالهم رداً على اغتيال القائد عماد مغنية عام 2008 «فقام ببحث عن هؤلاء الأشخاص عبر فايسبوك»...
وفي سعي للتأكيد على علاقة كوراني بالحزب، ورد في نص الشكوى أن «فادي» طلب منه أن يتوظف في إدارة رخص السير في نيويورك، بينما تدعي السلطات الأميركية العثور على ثلاث رخص سير أميركية مزورة في مكان وقوع انفجار بلغاريا عام 2012. يضيف المحقق أن علي كوراني رفض الأمر بحجة أن شهاداته العلمية قد تثير الشكوك لأن هذه الوظيفة لا تتطلب كفاءة عالية. لكن هل يمكن لشخص يعمل لمصلحة وحدة أمنية واستخبارية متطورة مثل الوحدة 910 أن يرفض تنفيذ توجيهات صادرة عن قيادته بحجة مخاوفه من الانكشاف بسبب شهادته العلمية؟
في النهاية، لا بد من الإشارة الى سعي المحقق الفيدرالي الى ربط كوراني بهجمات إرهابية حسمت السلطات القضائية الأميركية ضلوع حزب الله ومنظمة الجهاد الإسلامي فيها. فكما في ملف سامر الدبق الذي تناولناه في الجزء الأول (راجع عدد «الأخبار» أمس) حاول المحقق ربط المشكو منه بهجوم استهدف إسرائيليين في بلغاريا عام 2012 وذلك من خلال الإشارة الى أنه سافر الى مدينة غوانغزو الصينية عام 2009 حيث يوجد أحد أهم مصانع نيترات البوتاسيوم الموضبة بطريقة محددة والتي قيل إنها تشكل المواد الأساسية التي صنعت منها عبوة بلغاريا. وبهذه الطريقة التي تبدو ساذجة، حاول كوستيلو ربط كوراني بالدبق حيث إن محققاً فيدرالياً آخر كان قد زعم أن الدبق كلف بالتخلص من كمية من نيترات الأمونيوم كانت مخبأة في تايلاند بعد انكشاف عملية منسوبة إلى حزب الله.