قد يكون الرئيس نبيه بري من قلة من السياسيين لهم مواقف يومية تقريباً عندما يتحدث الى زواره في عين التينة، ومن قلة ايضاً من السياسيين الذين يعقدون مؤتمرات صحافية في الغالب نادرة. عندما يتحدث في مؤتمر صحافي ثمة حدث او ان الرجل يقود معركة سياسية ما. فعل ذلك في حرب تموز 2006 عندما اضحى مفاوضاً باسم المقاومة حينما كان حزب الله يخوضها على الارض.
عقد ايضاً مؤتمراً صحافياً في 29 حزيران 2013 معلناً حق مجلس النواب في التشريع بلا قيود، ومن قبل في 8 حزيران 2011 مدافعاً عن وجهة نظره من الميثاقية، وفي 13 كانون الثاني 2010 داعياً الى تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية، والسلسلة طويلة.
ما عناه توقيت المؤتمر الصحافي البارحة، المفاجىء، انه وجه اكثر من رسالة في اكثر من اتجاه:
1 ــــ في موقف غير مسبوق وغير مألوف، تحدث عن حق انعقاد المجلس خارج المواعيد القانونية التي حددها الدستور في العقود العادية والاستثنائية. ومع ان من المبكر التحدث ــــ وان على مسافة ايام قليلة ــــ عن التئام البرلمان خارج العقد العادي ومن غير ان يسبقه مرسوم عقد استثنائي في الجلسة التي حدد موعدها 5 حزيران، الا ان فحوى ما اثاره البارحة عن المادة 59 انها تقيّد المجلس بالزامه تجميد اجتماعه خلال شهر، من غير ان تحرمه من استرجاع حق الالتئام بعد انقضاء الشهر في عقد عادي او استثنائي او خارجهما.

رد بري بعدما
استخدم عون ثلاث صلاحيات قيدت الحكومة والبرلمان

وهي وجهة نظر مغايرة تماماً لفلسفة استخدام المادة 59، اذ ترمي في الغالب الى «معاقبة» المجلس بمنعه من الانعقاد اذا تبدّى لرئيس الجمهورية ان ثمة خلافاً بين السلطتين التشريعية والاجرائية، فيحول دون تفاقمه بتأجيل انعقاد المجلس، او تعطيل اعماله اذ تبين ان الغلبة له.
ومع ان رئيس الجمهورية لم يشأ، وهو يستخدم المادة 59 للمرة الاولى، «معاقبة» البرلمان مقدار اتاحة الفرصة امامه للتوافق على قانون جديد للانتخاب، الا ان مقاربة رئيس المجلس لامتناع رئيس الجمهورية عن اصدار مرسوم عقد استثنائي يصب في خانة «الاقتصاص». بل ينظر الى امتناع الرئيس عن توقيع مرسوم العقد الاستثنائي ــــ ويعد اجراء طبيعياً وحتمياً عندما يتطلبه المجلس ــــ على انه مكمل لامتناعه عن توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة. الامر الذي حمل بري، وهو يشرح المادة 33 من الدستور، على القول انه ينتظر مرسوم العقد الاستثنائي، ولا يميل في الوقت نفسه الى فرضه على رئيس الجمهورية من خلال عريضة الاكثرية النيابية المنصوص عليها في المادة نفسها، ويضع سوى ذلك كله المبادرة بين يديه: بسبب تأجيل انعقاد المجلس ما بين 13 نيسان و13 ايار، في وسع المجلس تمديد حق انعقاده شهراً اضافياً وإن بعد انقضاء العقد العادي الاول.
2 ــــ اياً تكن الاجتهادات الدستورية التي يتسلح بها رئيسا الجمهورية والمجلس حيال العقد الاستثنائي، على ان المشكلة سياسية اولا واخيرا. الواقع ان العقد الاستثنائي ليس كافيا لانعقاد البرلمان ما لم يكتمل نصابه القانوني، كذلك الامر بالنسبة الى التلويح بعقد جلسة عامة خارج مظلتي العقدين العادي او الاستثنائي. تالياً وحده النصاب القانوني هو المعبر السياسي الى التئام الهيئة العامة.
ولأن الامر كذلك، تأتى رد فعل بري من واقع تلويح رئيس الجمهورية اكثر من مرة بامتلاكه كماً من الصلاحيات تمكنه من الحؤول دون اتخاذ قرارات او اجراءات لا يؤيدها. سرعان ما ترجم هذا التلويح مرتين على التوالي في ثلاثة اشهر قبل الوصول الى المرة الثالثة الآن: اولاها رفضه توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة فأحجمت الحكومة عن الدعوة الى الانتخابات النيابية، الثانية لجؤوه الى المادة 59 للحؤول دون اقرار تمديد ولاية المجلس في 13 نيسان، ثم اتت الصلاحية الثالثة في المادة 33 التي تمنح رئيس الجمهورية حق دعوة البرلمان الى عقد استثنائي فتريث في استخدامها. كلتا صلاحيتي المادتين 59 و33 ابرزتا مقدرة رئيس الجمهورية على تقييد انعقاد المجلس ومنعه وشل دوره. بذلك توخى رئيس المجلس ابراز اوراق قوة مضادة بين يدي المجلس مرتبطة بمآل المادتين 59 و33.
ولأن اصل المشكلة في الرجلين، ومقاربة كل منهما صلاحياته الدستورية كما صلاحيات الآخر، يصبح الخلاف السياسي اكثر تعقيدا كون كلا منهما يقارب الايام القليلة من المتبقية من الولاية على نحو مناقض للآخر: لا يريد رئيس الجمهورية انعقاد المجلس، في ظل عدم التوافق المسبق على قانون جديد للانتخاب، كي لا يذهب الى تمديد مجاني للولاية قد يطول الى سنة للسبب نفسه. في المقابل يصر رئيس المجلس على التئام الهيئة العامة في عقد عادي او استثنائي او خارجهما حتى بغية تفادي فراغ كامل في السلطة الاجرائية وشيك في ظل تعذر الاتفاق على القانون الجديد. ما يؤول اليه انعقاد المجلس من الآن حتى 19 حزيران احد خيارين: تمديد الولاية او تعديل المهل المنصوص عليها في القانون النافذ توطئة لاجراء الانتخابات النيابية وفق احكامه.