لو كانَ الأمر بيد الرئيس سعد الحريري وحدَه لفضّل التمديد النيابي. فليس سرّاً أن إجراء الانتخابات سُيلغي واقعاً فرضه قانون الستين، واستفاد منه تيار المُستقبل منذ عام 2005، وهو جعل الأصوات المسيحية في كثير من المناطق «شرّابة خرج»، الأمر الذي سهّل للحريري «الاستيلاء» على مقاعد نيابية مسيحية في أكثر من منطقة، واستثمار «الوديعة» المسيحية في كتلته للقول بأنه تيار عابر للطوائف من صيدا الى الشمال. لكن التيار، هذه المرة، واقع بين مرّين: الأول، إصرار التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية على استرجاع المقاعد المسيحية (المسلوبة).
والثاني، تراجع شعبيته داخل البيئة السنية. الرجل مأزوم، وأزمته لم تعُد محصورة في مناطق تشهد معارك انتخابية، بل انسحبت حتى في تلك التي اعتاد الحريري وضعها في جيبه، كبيروت مثلاً. والآن، وفي سياق الحديث عن انتخابات قادمة عاجلاً أو آجلاً، وفق القانون النسبي على أساس 15 دائرة كما يتردد، يُطرح سؤال حول مستقبل «المستقبل» في بيروت بعد تقسميها إلى دائرتين.
قبل عام 2009، كانت الدائرة الانتخابية الثالثة في بيروت، عرفاً، تعني تيار المستقبل، لا يستطيع «إبن مرا» اختراق لائحته فيها (كانت تضمّ 5 مقاعد سنية، مقعداً شيعياً، مقعداً درزياً و3 مقاعد مسيحية). أما اليوم ومع الاتجاه إلى تقسيم بيروت دائرتين (الحريري معني بالدائرة الثانية التي باتت تضم 11 مقعداً)، فإن النسبية ستدفع أحزاباً وتيارات كثيرة إلى أن تلعب في هذه الساحة. منها أصحاب الوزن الثقيل، ومنها بعض الملحقين الذين يستطيعون جمع صوت من هنا أو هناك، ومنها أيضاً أصحاب الأوزان المتوسطة الذين لا يُمكن الاستغناء عن «قوتهم التجييرية» في معركة يكاد يكون فيها الصوت بألف.
طبعاً، ليس صندوق الاقتراع وحده الذي يحسم نتائج المعارك الانتخابية، الأمر له علاقة بالتحالفات وأسماء المرشحين، بحسب مصادر تيار «المستقبل» التي لا تبدو متفائلة، وتتحدث عن «خسارة 4 مقاعد على الأقل من هذه اللائحة». لا تخفي المصادر نقمة الناس على التيار الذي لم يقدّم لهم شيئاً في بيروت. تتحدّث عن هموم البيروتيين، بدءاً من فرص العمل المعدومة، مروراً بتقاعس التيار عن تأمين شبابه في وظائف الدولة، وصولاً إلى مشكلة أكبر تتعلق بالتعيينات التي يرى أهل بيروت «أننا لا ندافع عنها». على سبيل المثال، موقع المدير العام لوزارة الداخلية الذي يفترض بأنه منصب للسنّة، يشغله موظف مسيحي. مثال آخر على التعيينات، ما هو حاصل في مركز ضمان بيروت، الذي لا يزال منصب المدير فيه شاغراً.
تقول المصادر «صرخة الناس طلعت علينا»، وكأنها «لم تعُد تقبل بإرث الرئيس رفيق الحريري. هي تنظر إلى ما يستطيع الشيخ سعد أن يقدّمه لها». حتى إن «شكاوى كثيرة تصل إلى مسامعنا، تتحدث عن أن الخيارات التي اتخذها الحريري منذ عودته لم تكُن في مكانها».
كيف سيواجه الحريري هذا الواقع؟ في بيروت، تدخل لعبة الأسماء ضمن الشروط الأساسية للمعركة، حيث يفترض «حسن اختيار الأسماء الواردة على اللائحة». يعترف المستقبليون بأن أهل بيروت «يحتاجون إلى وجوه حاضرة في حياة الناس، وهي طبعاً سيتم اختيارها من العائلات الكبيرة». حتى الآن «هناك لوائح وأسماء كثيرة، غير أن الفرز لم يبدأ بعد، والقرار لم يتخذ لأن الحريري، بكل بساطة، لا يريد أن يستعدي أحداً، ولا أن يفتح منذ الآن أبواباً مغلقة».
المنطق يقول إن ثلاثة أسماء فقط حُسمت على لائحة الحريري في بيروت حتى الآن. هو والوزير نهاد المشنوق وفؤاد مخزومي. فيما يتم التداول باسم عماد حاسبيني (طيّار، ويستطيع تجيير عدد كبير من الأصوات إلى اللائحة بحسب التقارير المرفوعة إلى التيار). وفي الوقت الذي تبقى فيه الأسماء المرشحة عن المقاعد الأخرى مجهولة حتى الآن، فإن التوقعات ترجّح خسارة الحريري مقعدين سنيين من أصل ستة، والمقعدين الشيعيين في حال قرر كل من حزب الله وحركة أمل الذهاب إلى معركة. أما عن المقعدين المسيحيين (في حال إعادة المقعد الثالث إلى الأشرفية) فتؤكّد مصادر تيار المستقبل أن «من الصعب خسارتهما، لكن ذلك يرتبط أيضاً بالتحالفات التي ستنشأ ضدنا». ماذا عن «جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية» (الأحباش) مثلاً؟ تكشف مصادر تيار «المستقبل» عن «تواصل الرئيس الحريري معهم، وخصوصاً أن ثقلهم يُقدّر بأكثر من 4000 صوت». تاريخيّاً، هذا الفريق جزء من مكونات 8 آذار، لكن الظروف بحسب «المستقبل» تبدّلت الآن، وبالإمكان أن ينشأ تحالف بين الأحباش والمستقبل، ويصبح ترشيح «حبشيّ» عن المقعد السني على لائحة الحريري أمراً متوقعاً، في حال قرر إعطاءهم مقعداً بدلاً من الجماعة الإسلامية.
الأخيرة سبق أن أكدت أن من أولوياتها التحالف مع تيار المستقبل في أي انتخابات نيابية، لكن الأمور على ضفة التيار مختلفة. بالنسبة إلى الحريري، فإن مشكلة الجماعة «تكمن في كونها تريد مقاعد في أكثر من دائرة، ولم تعد ترتضي منحنا أصواتاً مقابل مقعد واحد في بيروت». كما أن «مشكلة الإخوان مع المملكة العربية السعودية تعيق التحالف مع التيار».
الأجواء القلقة التي يعيشها التيار نتيجة وضعه لم تدفعه حتى الآن إلى تشغيل ماكيناته الانتخابية، رغم إمكانية تشتت أصوات جزء لا بأس به من ناخبيه، واحتمال أن تصب لمصلحة خصومه، كما حصل في الانتخابات البلدية منذ عام. والآن مع النسبية، بات سهلاً على شخصيات كثيرة خرق اللائحة في ظل الحديث عن لائحة لـ«المجتمع المدني»، وترشح شخصيات من أحزاب وطنية بشكل مستقل، إضافة إلى لائحة يدعمها الوزير السابق أشرف ريفي، الذي أكدت مصادره أنه «حسم أمر المشاركة في انتخابات بيروت، لكنه حتى الآن لم يقرر الأسماء المرشحة».
لا شيء محسوماً حتّى الآن. الترشيحات والتحالفات لا تزال ضبابية. غير أن المتفائلين في تيار المستقبل يتحدثون عن أن الأمل الوحيد عندنا هو في «عدم وجود منافس حقيقي لسعد الحريري في الطائفة السنية في قلب بيروت، أو شخصية تحمل رمزية معينة». لكن التيار مضطر إلى «ترشيح شخصيات تجذب الأصوات السنية، ومضطر أيضاً إلى صوغ تحالفات موضعية، يمكن أن تسحب بعض المقاعد، لكننا سنضمن من خلالها الاحتفاظ بالمقاعد السنية الستة، وهنا أساس المعركة»!