وضعت سياسة المملكة العربية السعودية في العامين الأخيرين الرئيس سعد الحريري على حافة خيارات صعبة. مُغامرة تلوَ أخرى خاضها رئيس تيار المستقبل. تنبّأ له كثيرون بأن ينهار نتيجة اليُتم السياسي والشحّ المالي. لكنهم فوجئوا بعودة «محمودة» إلى السلطة رئيساً للحكومة، قبل أشهر على تدشين المملكة مرحلة يبدو أنها ستفرض بناء توازنات إقليمية على أسس جديدة.
ويبدو أن الحريري لن يكون بعيداً عن هذا التحوّل، في ظلّ تقاطع معلومات بدأت تتسرب منذ فترة عن «عودة فتح حنفية المال السياسي والانتخابي». فهل سمِع الحريري كلمة «أبشِر» هذه المرّة، بدلاً من «إن شاء الله»؟
قبل حوالى ثلاثة أشهر، وخلال ترؤّسه اجتماعاً للمكتب السياسي لتيار المستقبل، أجاب «الشيخ سعد» عن سؤال أعضاء المكتب عن إمكانية خوض الانتخابات النيابية في ظل توقّف التيار عن دفع الرواتب والمستحقات والمساعدات، بجملة: «ما تعتلوا همّ... قرّبت». منذ ذلك الحين، استأنف التيار دفع الأجور وتسديد جزء من الديون، ما دفع كثراً إلى الاستيضاح عمّا إذا كان مصدر الأموال تجارياً أم سياسياً، خصوصاً أن الأخبار التي كانت تصِل من الرياض في شأن شركة «سعودي أوجيه»، كانت تؤكد أن «إفلاسها بات وشيكاً».
أكثر من مصدر سياسي تحدّث أخيراً عن وعود «تلقاها الرئيس الحريري بدعمه مالياً في حال إجراء الانتخابات النيابية». وتشير الترجيحات الى ارتباط هذه الوعود بوقائع تصبّ في مصلحته، منها:
ــــ «الانقلاب الناعم» الذي قاده مؤخراً وليّ وليّ العهد محمد بن سلمان بهدف تحجيم ولي العهد محمد بن نايف. إثر هذا الانقلاب، لمس كُثر ممن يلتقون الحريري ارتياحاً واضحاً لديه، وهو الذي تجمعه بابن سلمان علاقات طيبة، على عكس ابن نايف.
ــــ أن الحريري الذي علّق وزير الخارجية السعودي خالد الجبير على دعمه ميشال عون للرئاسة بالقول إنه «حرّ في خياراته وهو يتحمّل مسؤوليتها»، لم يُخيّب آمال السعوديين. فمنذ تأليفه الحكومة، وهو يحاول أن يثبت لهم صحة نظرية سوّقها أمامهم قبل ترشيح عون مفادها أن «دعم تيار المستقبل لعون سيُحدث فجوة بين التيار الوطني الحرّ وحزب الله». وقد ساعده في ذلك الخلاف الحاصل اليوم حول قانون الانتخابات، والخطاب المذهبي المستعر. ويظهر، بحسب المصادر، أن «المملكة مقتنعة إلى حدّ ما بأن الحريري نجح في تحقيق مسعاه، عبر مسايرته للعونيين والتقرّب منهم».
ــــ أن الحريري لم يظهر، منذ تكليفه بتأليف الحكومة، بمظهر المهزوم أمام الحزب. فهو لم يسلّفه موقفاً، و«لم يبعه» ملفاً في الحكومة. بل على العكس، «يستثمر في تحالفه الجديد مع التيار الوطني الحرّ للتصدي للحزب في أي تفصيل، ويقطف ثمرة وقوفه خلف التيار ورئيسه الوزير جبران باسيل في ملف قانون الانتخابات وغيره».
هذا في الشق الخاص. أما أمر التمويل السياسي في شقّه العام، فيرتبط، بحسب أوساط سياسية، «بعودة المملكة إلى الساحة الإقليمية من جديد وبدور محدّد هو المواجهة مع إيران وحلفائها». وهذا يعني أنها «ستهتّم بكل موطئ قدم لها في أي ساحة عربية، ومن ضمنها لبنان». وبناءً عليه «يهمّها تعزيز وضع الرئيس الحريري في الحكومة وأمام الجمهور». وهي «تتعاطى اليوم بواقعية، وتعلم أن ما يستطيع فعله رئيس حكومة يتخطّى بأشواط ذلك ما يُمكن أن يحققه زعيم محدودة قدراته داخل منطقة معينة». وتعلم المملكة بأن ما أصاب الرئيس الحريري نتيجة تجميد المساعدات المالية السياسية عاد عليها بنتائج سلبية، وخاصة شعبياً. وبناءً على ذلك، ترى المصادر أن هذه الأسباب قد تكون وراء «عودة دعم مالي سيكون مدروساً»، يهدف فقط إلى «تعزيز مكانة الحريري السياسية»، والإيحاء بأنه «غير متروك إقليمياً، كي لا يستخفّ أحد من خصوم المملكة في أي معركة مقبلة معه». في المقابل، تؤكّد مصادر مستقبلية أن هذا الكلام «غير مبني على معلومات»، لكن يُمكن اعتباره «تحليلاً منطقياً لواقع الحال الذي نراه اليوم في المنطقة، ليس إلا». أما تيار المستقبل «فلن يصدق هذا الكلام وهذه الوعود إلا حين يرى بأم العين الأموال التي يتحدثون عنها»!