هل تذكرون فاطمة حمزة؟ الأم التي سُجنت بتهمة أمومتها؟ فاطمة حمزة، اليوم، لا تزال تناضل في وجه حكم «الشرع» الذي حرمها من الحضانة وقضى بإجبارها على «ردّ» ابنها علي إلى والده، لأن قدرها ببساطة أنها «امرأة» محسوبة على الطائفة "الشيعية"، التي ينصّ "قانونها" على انتهاء فترة أمومتها مع فطام طفلها على عمر العامين فقط. فاطمة التي أثارت قضيّة حبسها الرأي العام (وإن اقتصر التفاعل على ردّ فعل سرعان ما انتهى)، لأنها رفضت تنفيذ حكم المحكمة الجعفرية، ليست هي الأم الوحيدة التي تُحرم من طفلها بسبب حكم قوانين الطوائف، فقد مرّت قبلها الكثيرات من الأمهات، واليوم تلحقها قصّة رينا شبلي شحادة، التي استسهل القضاء سجنها لانتزاع طفليها منها وإعادتهما إلى عائلة زوجها المتوفى وسيم شحادة.
سُجنت ريتا «الكاثوليكية» 3 أيامٍ بسبب عدم تنفيذها حكماً صادراً عن محكمة شمسطار الجعفرية، يقضي بتسليم ولديها يوسف وماريا للجدّ من جهة الأب المتوفى. حكم كان يمكن أن يستكمل كغيره قصص حرمان الأمهات من أبنائهنّ، لولا تفصيل صغير قلب الأمور رأساً على عقب وأدى إلى عودة المحكمة الجعفرية عن قرارها عن تنفيذ قرار الحضانة وإطلاق سراح ريتا.
هذا التفصيل يتعلق بقضيّة تزوير قامت بها عائلة شحادة في ما يخصّ «ديانة ابنها»، وحصلت بموجبها على قرار المحكمة الجعفرية. تبدأ القصّة مع زواج ريتا من وسيم. يومذاك، اعتنق وسيم الديانة الكاثوليكية (روم كاثوليك) وتعمّد باسم جورج، مع توقيع تعهّد يقضي بموجبه العودة في كل ما يخص أمور هذا الزواج وآثاره إلى محكمة الروم الكاثوليك. توفي وسيم وبدأت معاناة أرملته ريتا مع عائلته، التي كانت تريد «انتزاع» حفيديها من أمهما، بكلّ الطرق، حتى بالقوة. ولما لم تفلح تلك المحاولات، لمعت في رأس العائلة فكرة ردّ المعمّد باسم جورج إلى مذهبه الأصلي الشيعي ليعود وسيم عبد الحسن شحادة. ولكن، الطامة الكبرى كانت بإعادته إلى خانة المذهب الشيعي بعد مرور سبعة أيامٍ على وفاته! والاستناد إلى الشهادة المزوّرة «الرسمية» للاستحصال على قرار من محكمة شمسطار الجعفرية يقضي بحرمان ريتا من طفليها وإصدار مذكرة بحث وتحرّ بحق "الأرملة" غيابياً. لم ترضخ ريتا للقرار، وفيما كانت تحضر دعوى في المحكمة الروحية للروم الكاثوليك، وهي الجهة المخوّلة أصلاً البتّ في موضوع الحضانة، كانت «عائلة زوجها تنتظرها في الأسفل، وعندما خرجت ريتا طاردوها ووكيلتها القانونية، فلم يكن أمام الأخيرة سوى تسليم نفسها لأقرب مخفر خوفاً من الموت قتلاً»، تقول المحامية ليلى عواضة من منظمة كفى.

سُجنت ريتا «الكاثوليكية» بسبب عدم تنفيذها حكمً محكمة جعفرية

سُجنت ريتا 3 أيام، وكان يمكن أن تبقى أكثر من ذلك، لو لم تستجب محكمة شمسطار الجعفرية لنصّ الاعتراض الذي تقدمت به وكيلتها القانونية، سامية أبي نادر، والذي ينص على استناد أهل الزوج المتوفى إلى وثيقة نقل مذهب مزوّرة يعود تاريخها لما بعد وفاة الزوج. وإن كانت عائلة شحادة تتذرّع بأن ابنها قد تقدّم بهذا الطلب قبل وفاته بعشرين يوماً إلى مفتي بعلبك والبقاع الشيخ خليل شقير «إلا أن القرار لم يصدق في الدوائر الرسمية والوثيقة التي قدمت لا يمكن تثبيتها إلا بحضور صاحب العلاقة شخصياً وليس من أفراد العائلة»، بحسب ما ردّت به ريتا شبلي.
اليوم، تنتظر ريتا بتّ دعوى حضانة طفليها من المحكمة الروحية للروم الكاثوليك. انتظار محفوف بالمخاطر ولكن لا مفرّ منه. لكن، القصّة لم تنته هنا، فريتا لن تكون الأخيرة في لائحة الأمهات اللواتي يُحرمن أطفالهن بسبب قانون أحوال شخصية جائر. قانون يحرم أماً من حقّها بالأمومة لاعتبارات ذكورية.
المشكلة في قصّة ريتا وقبلها فاطمة حمزة وسواهما الكثيرات ليست في «قاضٍ شرعي يكتب حكماً بحرمان أمّ من طفلها»، وإنما بقانونٍ بالٍ يحكم النساء. قانون «أحوال شخصية تمييزية ذكورية تضع المرأة في موقع التبعية والخضوع للرجل وإلا اعتبرت ناشزاً»، بحسب ما يقول بيان جمعية «كفى». هذا القانون الذي يحرم أماً من طفلها الذي هو «امتياز» للرجل «الذي له حقّ الولاية وإن كان ليس أهلاً لها أو للوصاية، فلو كان سيئ السمعة أو معنّفاً لأطفاله، تبقى لديه الحصانة التي لا يمكن المسّ بها في قوانين الأحوال الشخصية إلا في حالات نادرة واستثنائية ومن قضاة استثنائيين». وهؤلاء الأخيرون ليسوا موجودين إلا في حالات نادرة جداً تنظر إلى الأم بوصفها صاحبة حق، وليس بوصفها قاصراً.
المشكلة أولاً وأخيراً في القانون «الفحل»، إذاً. وهذا إن عنى شيئاً، فهو يعني استمرار النضال من أجل دفع الدولة لوضع قانون مدني للأحوال الشخصية يساوي بين جميع المواطنات والمواطنين ويكون إلزامياً.