يصعب تحديد الصورة الأهم: التجمع الشعبي الذي سيكون في انتظار نائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس حول منزله في عكار الأسبوع المقبل أم وقوف البطريركَين الماروني والأرثوذكسي أحدهما قرب الآخر لتكريم فارس، أم حضور ممثلي الرؤساء الثلاثة ومعظم القادة الأمنيين وحشد رؤساء البلديات الذي سيتجاوز عكار، وفق المنظّمين، ليشمل الشمال كله؟
ويصعب في السياق نفسه تحليل هذا التدافع؛ فالسياق الطبيعي أو المنطقي للأمور كان يفترض أن تحل الأحزاب محل فارس إثر مغادرته لبنان وتكمل ما بدأه من مشاريع إنمائية وتربوية، خصوصاً أن هناك بين الشخصيات السياسية من بقي وواجه فيما انكفأ فارس بهدوء وأطفأ محركات ماكينته الواحد تلو الآخر بعد إنجاز المشاريع الكبيرة، وهي أنجزت بالمناسبة بعد اعتزاله العمل السياسي المباشر ولم يتسنّ له رؤيتها بعد. واللافت أن رئيس الحكومة نفسه ونائب رئيس الحكومة الحالي يذهبان ويجيئان من دون أن يرفّ لأحد جفن، فيما تحظى حركة نائب رئيس الحكومة السابق باهتمام كبير. لماذا؟ لعل الإحباط الشعبي من أداء الممسكين بالسلطة منذ 12 عاماً هو السبب، لعله الأداء النيابي الإنمائي «العاطل»، لعله قرف العكاريين بعد اكتشافهم أن الإهمال الحريريّ لهم ثابت، سواء كانت قيادة تيار المستقبل تأتمر بأوامر السوريين أو السعوديين، ولعله يأس السياسيين من أنفسهم ما يجعلهم يحلمون بمنقذ يرفعهم من حيث يتخبّطون. ولا شك في أن فارس بتركيزه على الإنماء والتلاقي والابتعاد عن المعارك العبثية قادر على تأمين الحبال اللازمة لسحب هؤلاء.

بات «التيار الوطني الحر» بحاجة إلى رافعة
تؤمّن التوازن
التمثيلي اللازم

من هنا يمكن الانتقال إلى صلب الموضوع: جامعة البلمند التي لم يسبق لها أن منحت دكتوراه فخرية لأحد، طبعت أول نسخة لتسليمها غداً لمن تحمّل نفقات تعليم آلاف الطلاب، حتى بعد مغادرته لبنان، قبل أن يموّل إنشاء فرع للجامعة في عكار. ولا شك في أن لقاءات كثيرة طرقت باب البطريركية الأرثوذكسية خلال الأعوام القليلة الماضية، لكنها تمسكت بالبقاء بعيدة، فيما تقدم حماستها ومشاركتها في جميع الأنشطة إلى نظرتها لفارس وعلاقتها به، علماً بأنه يستهل حركته بزيارة للبلمند حيث يعقد اجتماعاً موسعاً مع البطريرك والمطارنة والوزراء والنواب الأرثوذكس.
البطريركية المارونية التي تقدّر وقوف فارس إلى جانبها كلما احتاجت إليه في مشروع، ترى أن قوانين الانتخاب والتسويات وغيرها لا تعوّض المسيحيين العكاريين عن غياب المرجعية، وهي تعلم أهمية وجود بيت سياسي مفتوح لجميع الناس 24 ساعة في اليوم. ولذلك تضع نفسها في مقدمة المرحّبين، ويذهب البطريرك الماروني إلى حدّ الصعود إلى عكار للمشاركة في استقباله.
رؤساء المجالس البلدية تعبوا بدورهم من النواب والوزراء الذين يتقنون الأخذ بدل العطاء، ويريدون الخلاص من إصرار المسؤولين الحزبيين على أن تمر جميع المشاريع بهم.
أما تيار المستقبل فلم يكن رئيسه يعلم الكثير عن فارس قبل 12 عاماً. لكن علاقة الحريري وابن عمته نادر توطدت كثيراً مع النائب العكاري السابق، وهو لا يحلم بشيء أكثر من قول الأخير له إنه سيأخذ فوز اللائحة الزرقاء ــ البرتقالية على عاتقه، خصوصاً أن تسريبات اللواء أشرف ريفي عن تزعّم رجل الأعمال الحريريّ السابق غسان المرعبي أو أحد أبنائه للائحته في عكار ــ جنباً إلى جنب العميد المتقاعد جورج نادر ــ تقلق راحة المستقبل وتضعه في مواجهة غير محسوبة مع ملياردير ينحدر من أكبر عائلات عكار وأكثرها تأثيراً في صناديق الاقتراع.
بدوره، أجرى التيار الوطني الحر كل الدراسات اللازمة وفق جميع قوانين الانتخاب، وبات شبه متيقن من استحالة فوزه بأكثر من مقعد نيابيّ واحد في حال اعتماد النسبية طبعاً، وبات يحتاج إلى رافعة تؤمن التوازن التمثيلي اللازم، بصرف النظر عن قانون الانتخابات، علماً بأن كثيرين يقولون إنهم يحبون فارس، لكن فارس نادراً ما يفصح عن حقيقة مشاعره، لكنه يتحدث بإيجابية كبيرة عن رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل.
ماذا عن المحتفى به؟ حتى مساء أمس، كان المقرّبون فعلاً من فارس يؤكدون عدم معرفتهم البتة بخططه. كل ما يعلمونه أنه يتحدث منذ سنوات عن «الظرف المؤاتي» لزيارته بلدته مجدداً، وهو تحمّس كثيراً عند انتخاب عون رئيساً، لكن ظروف الزيارة السريعة حالت دون إطالتها. أما هذه المرة فهو سيلتقي الرسميين والإكليروس والفعاليات الشعبية، من دون أي قرار مسبق، ليسمع وجهات نظرهم ويقرر لاحقاً ما ينوي فعله، علماً بأن موعد الزيارة تأجّل بسبب تعرّض فارس لكسر في رجله، لكنّ المنظمين كانوا يأملون أن يقرّ قانون الانتخاب قبل تحديد موعد آخر، إلا أن القانون لم يقر.
وتجدر الإشارة إلى أن فارس لم يصدر أيّ مواقف سياسية منذ أكثر من عشر سنوات، إلا أن عارفيه يعلمون أنه يتابع التفاصيل السياسية، وأنه على تواصل شبه يومي مع عدد من السياسيين.