يربط نظام الكفالة "وضع العامل المهاجر بكفيل فردي طوال مدّة عقده"، وفي ظل هذا النظام يعجز العامل المهاجر عن «دخول البلد، أو الاستقالة من عمله، أو تغييره، أو مغادرة البلد، دون الحصول على إذن صريح من صاحب العمل أولاً»، هكذا يلخص تقرير صدر حديثاً عن منظمة العمل الدولية آليات عمل هذا النظام "الاستعبادي"، الذي يجري تطبيقه في لبنان والأردن والخليج.
يشرح التقرير أن "نظام الكفالة يخوّل الكفيل، بحكم أنه مالك التصريح، فرض سيطرة واسعة النطاق على حياة العمّال المهاجرين الذين يوظفهم»، ما يجعل العلاقة بين الطرفين «أكثر اختلالاً ممّا هو شائع في سوق العمل في الحالات الطبيعية».
يحمل التقرير عنوان "علاقات أصحاب العمل بالعمّال المهاجرين في الشرق الأوسط"، وهو يعتبر أن أكثر سمات نظام الكفالة إشكاليةً «تكمن في تفويض المسؤولية أو تعهيدها من قبل الدولة إلى صاحب عمل من القطاع الخاص، للإشراف على وضع الهجرة ومركز العمالة للعامل المهاجر»، بحيث يرهن «وضع الهجرة الخاص للعامل المهاجر بالعلاقة التعاقدية التي تربطه بالكفيل»، فإذا ما انتفت هذه العلاقة (أي إذا ما فك الكفيل العقد لما يشاء من أسباب، بحكم أنه لا يحق للعامل فكّها) «ينتفي الأساس القانوني لبقاء العامل المهاجر في البلد».
في هذا الإطار، يصبح من السهل فهم كيف تصبح انتهاكات حقوق الإنسان أمراً طبيعياً، بل نمط حياة يُفرض على هؤلاء العمّال (ولا سيما العاملات في المنازل اللواتي يتم التحكم بجميع تفاصيل حياتهن بحكم أنهن يعشن في منازل الكفلاء). وتبدأ هذه الانتهاكات بساعات عمل لا تنتهي مقابل أجور تكاد لا تصل إلى ثلث الحد الأدنى للأجور في لبنان (أو حرمانهم من الأجر، أو ابتزازهم به، أو تنظيم كيفية دفعه كما يحلو للكفيل)، فضلاً عن حرمانهم من العطل الأسبوعية، وممارسة العنصرية ضدهم وتعنيفهم جسدياً ونفسياً وجنسياً، وصولاً إلى القتل في الكثير من الأحيان (ويتم عادةً تغطية الأمر باتهام العامل بالاعتداء أولاً، أو بالانتحار).

الوضع غير النظامي يجبر الكثير من العمّال المهاجرين على تحمّل ظروف صعبة واستغلاليّة

انطلاقاً من ذلك، أعلنت لجنة الخبراء بشأن تطبيق الاتفاقيّات والتوصيات التابعة لمنظّمة العمل الدوليّة في ملاحظاتها المتّصلة باتفاقيّة العمل الجبري 1930، (رقم 29) أن «ما يُسمّى نظام الكفالة المتّصل بتأشيرة الدخول قد يشكّل في بعض بلدان الشرق الأوسط أرضاً خصبةً للعمل الجبري». وتعرّف الاتفاقية العمل الجبري على أنه «كل عمل أو خدمة تفرض عنوة من أي شخص تحت التهديد بأي عقاب والذي لا يقدم عليه الشخص نفسه طواعية»، أي بمعنى أوضح، الاستعباد.
على الرغم من فظاعة تعريف نظام الكفالة الذي يتبناه التقرير، إلا أنه يعتمد اللطافة في التحذير من مخاطر هذا النظام، انطلاقاً من موقف أيديولوجي ورغبة في جذب اهتمام الحكومات وأصحاب الأعمال. إذ يعرض التقرير كيف أن إلغاء نظام الكفالة، بحكم أنه يسمح بحرية التنقل في سوق العمل، يعود بفوائد على الحكومات وأصحاب العمل. وهذا يحدد طبيعة اهتمام المؤسسات الدولية بحقوق العمّال (كما باللامساواة في الأجور في السنوات الأخيرة) بأنه لخدمة الرأسمالية، لا حقوق العمّال ذاتهم.

شركات توريد اليد العاملة

يحدد التقرير أربع فئات من العمّال المهاجرين تحت نظام الكفالة: الأولى هي العمّال المكفولون من قبل «شركة تورّد اليد العاملة». وفي هذه الحالة، يقول التقرير، يكون العامل المهاجر موظفاً من قبل «صاحبَي عمل» بحيث إن «أحدهما يُوظّفه من خلال تصريح العمل والإقامة، والآخر يستفيد من عمله». وتؤدي هذه الآلية لتوريد العمل عبر الكفالة إلى «ضبابية في علاقات العمل»، إضافةً إلى «التباس حول هويّة صاحب العمل الذي يتحمّل المسؤولية عن رواتب العامل المهاجر، وظروف معيشته، والضمان وغيرها». وقد ينجم عن ذلك مجال إضافي لاستغلال العامل المهاجر من قبل «صاحب العمل الثاني». لذلك يحذر التقرير أنه في حال حصول خروقات، سيحاسب صاحب العمل الأوّل بصفته الكفيل الفعلي.

العمالة المنزلية

أما الفئة الثانية فهي العمّال المنزليّون المهاجرون الذين لا يحظون بتغطية كاملة من قانون العمل (في لبنان يتم استثناؤهم بالكامل)، ما يتيح لأصحاب العمل ممارسة «سيطرتهم على العمّال المهاجرين». فغياب إطار قانوني شامل لتنظيم علاقة العمل، و«الطبيعة المعزولة لمكان العمل» بما أنهم يعملون في منازل خاصة ويعيشون مع أصحاب العمل... هذه الهيكلية، بحسب التقرير، تحد «من فرص التفاعل الاجتماعي خارج مكان العمل، وتضع قيوداً وخيمةً على الحركة، إذ غالباً ما يُفرض على العمّال المنزليّين إخبار صاحب العمل أو الحصول على إذن منه قبل مغادرة المنزل، حتّى في أيّام الإجازة أو خلال ساعات الاستراحة». وبالتالي، يقول التقرير، «إنّ العمّال المنزليّين المهاجرين»، الذين يكون معظمهم من النساء، «يُعتبرون من بين أكثر فئات العمّال هشاشةً».

ريوع التاشيرة الحرة

الفئة الثالثة تضم العامل المهاجر الذي يعد بموجب آلية يشار إليها بـ«تأشيرة حرة»، عاملاً لحسابه الخاص، في حين يسدد الريع للكفيل. ويشير التقرير إلى أن هذه الفئة تتضمن شكلين فرعيين هما، إما «إحضار الكفيل للعامل المهاجر إلى البلد لتشغيل نشاط تجاري وإدارته (مثل محلّ سمانة صغير)، وعقد اتفاق غير رسمي مع العامل المهاجر لتشغيل الأعمال مقابل ريع. أو «يوافق العامل بشكل غير رسمي على أن يدفع للكفيل ريعاً مقابل الاحتفاظ بتصريح عمله ووضع إقامته». وفي كلتا الحالتين، يعتمد العامل المهاجر على الكفيل لضمان استمراريّة الإقامة القانونيّة، «ما يُعرّضهم للاستغلال وعبوديّة الدين، ويحدّ من قدرتهم على التنقّل». ويضيف التقرير أن "هذه الأنشطة الريعيّة التي يمارسها الكفلاء تتسم بأنها مربحة جدّاً، ويُعتقد أّنها تمثّل قطاعاً يُقدّر بمليارات الدولارات».

الإقامة غير الشرعية

أما الفئة الأخيرة فهم العمّال المهاجرون الذين باتوا في وضع غير نظامي لأسباب خارجة عن سيطرتهم، ما يفاقم من تعرّضهم للاستغلال. من هذه الحالات على سبيل المثال، «انتهاء مدّة العقد ورفض صاحب العمل أن يدفع تذكرة الطائرة للعودة، كما يلزمه القانون في بعض القطاعات في بعض بلدان الشرق الأوسط»، إضافةً إلى «عدم إعادة صاحب العمل جواز سفر العامل المهاجر إليه؛ وعدم قيام صاحب العمل بتجديد التأشيرة لضمان الإقامة القانونيّة للعامل المهاجر». هنا يخسر العمّال الذين اختبروا الاستغلال، والموجودون في الملاجئ، أو العمّال الذين ينتظرون نتيجة دعوى قضائيّة قانونيّة، وضعيتهم القانونية، ويُصنّفون ضمن فئة غير النظاميين». كما يمكن أن يقوم صاحب العمل بالتبليغ عن "هروب» عامل مهاجر يحمل رخصة عمل صالحة، "من دون أن يكون العامل قد فرّ فعلاً"، أي ما يسمّى «الهروب الزائف»، ما «قد ينجم عنه ترحيل إداري بدون محاكمة». كما يمكن أن يعمل العامل المهاجر «لدى صاحب عمل غير صاحب العمل الأساسي. وقد يتمّ ذلك بطلب من صاحب العمل الأساسي وبإذن منه، ولكن في حال تقاعس الكفيل الأوّل أو الثاني عن اتّباع الإجراءات القانونيّة المحدّدة التي تنطوي عليها هذه العمليّة، يصبح العامل في وضع منتهك لمتطلّبات تأشيرته». ويضيف التقرير أنه في جميع هذه الظروف، يُصنّف العامل المهاجر على أنه «غير نظامي». وفي معظم البلدان، يُعتبر العمّال ذوو أوضاع الهجرة غير النظاميّة «غير قانونيّين»، بحكم كون وضع العامل يُعدّ نتيجة خرق للقوانين المرعيّة، ما يعرّضه للتوقيف، والاحتجاز، والترحيل، «حتى إن لم يكن الوضع غير النظامي قد نشأ عن ذنب ارتكبه العامل المهاجر بنفسه». يحذّر التقرير من أن «خطر الوضع غير النظامي يجبر الكثير من العمّال المهاجرين على تحمّل ظروف صعبة واستغلاليّة بسبب الاختلالات الكامنة في نظام الكفالة، ما يحدّ فعلياً من قدرتهم على التنقّل في سوق العمل». يضيف أنه «ما إن يصبح العامل في وضع غير نظامي، قد يصعب عليه تسوية وضعه أو مغادرة البلد بشكل قانوني. وقد يُردّ ذلك جزئيّاً إلى تراكم مبالغ كبيرة من غرامات تجاوز مدّة الإقامة». وفي حال احتجازهم، قد يُمنعون من مغادرة البلد قبل تسديد الغرامات المتراكمة.