لا يمكن المؤتمر الصحافي لوزراء القوات اللبنانية، أول من أمس، حول عدم قانونية المناقصات التي أجراها وزير الطاقة سيزار أبي خليل في تلزيم بواخر الكهرباء، أن يمرّ كأي مؤتمر أو تصريح آخر. أن يهاجم رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل التيار، رافضاً الصفقة الكهربائية شيء، وأن يأتي النقد من حليف التيار الرئيسي اليوم، شيء مختلف تماماً.
وأن يتحدث رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط عن «البواخر المعوِّمة للجيوب» و«السفن والسمسرة» شيء، وأن تأتي الأسهم مباشرة من القوات بالحديث عن مخالفة في دفتر الشروط وتحرك وزراء معراب بذريعة الحفاظ على المال العام أمر مختلف تماماً. فوحده حزب القوات، اليوم، قادر على التأثير في صورة التيار الوطني الحر لدى «الرأي العام المسيحي».
القصة لم تبدأ من المؤتمر الصحافي، بل تعود إلى يوم طرح الملف في مجلس الوزراء وتسجيل وزير الصحة غسان حاصباني عدداً من الملاحظات عليه. تلا ذلك تقديم حاصباني كتابين إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، تضمنا ملاحظات مماثلة حول خطة الكهرباء مع التشديد على «ضرورة عودة وزارة الطاقة والمياه في كل مرحلة من الخطة إلى مجلس الوزراء لاتّخاذ القرارات، ولا سيما دفاتر الشروط لكل مرحلة وتعديل الأسعار وتمويل أي جزء من الخطة، ونتائج المناقصات»، وهو ما لم يحصل. إذ إن وزير الطاقة أجرى المناقصات «وفق دفتر شروط قديم أقرته الحكومة السابقة، واستدراج العروض لم يراعِ القوانين المرعية ولا قوانين مؤسسة كهرباء لبنان»، وفقاً لحاصباني.

همّش باسيل معراب وأبعدها عن دائرة القرار سياسياً وإدارياً ونيابياً

هناك من لا يقف عند انتقاد وزراء القوات لوزير الطاقة، ومن ورائه التيار الوطني الحر. القصة برأي البعض، قصة «قلوب مليانة» وجدت الظرف المناسب لتفجر كل غضبها وملاحظاتها على التيار العوني ككل. فمعراب، منذ صياغة ورقة النوايا، تبلع الموسى تلو الأخرى بدءاً بالتعيينات الأمنية التي أتمّها التيار جميعها دون حتى الوقوف على خاطرها، مروراً بتعيينات مستشفى البوار الحكومي التي لا تزال متوقفة لرفض التيار مراعاة مطالب القواتيين، وصولاً إلى انتخابات نقابة المهندسين في بيروت، حيث أبلغ التيار حليفه القواتي فجر يوم الاقتراع بمنحه عضواً واحداً فقط، ما أدى إلى فرط القوات للتحالف. تلا ذلك حصر حصة معراب في كازينو لبنان بعضو واحد من أصل خمسة في مجلس الإدارة، فيما غالباً ما لا يعلم القواتيون بما يدور في كواليس البحث في قانون الانتخابات، لأن التيار يفضل التغريد منفرداً. المسار التصاعدي لكل هذه النكسات أسهم في ملء كأس القوات والتصعيد إعلامياً بشكل واضح لا يحتمل التأويل. وتردّ المصادر المطلعة رفع سقف الاعتراض إلى الضغط على رئيس التيار جبران باسيل، لدفعه نحو تبديل سلوكه تجاه القوات. والواضح أنّ القوات اليوم وصلت إلى حائط مسدود نتيجة استراتيجيتها الخاطئة وسوء تقديرها للتطورات السياسية. فتهميش التيار لمعراب وإبعادها عن دائرة القرار السياسي تبعه فقدان القوات لحليف رئيسي اسمه تيار المستقبل، نتيجة استبدال الحريري باسيل بجعجع وتأسيسهما معاً لتحالف وثيق. فيما، على الضفة الأخرى، استطاع الكتائب كسر عزلته بخرق جدار المجتمع المدني، وباتت صورة التحالفات واضحة بين بري وجنبلاط من جهة، وحزب الله من جهة أخرى. وفي محصلة المشهد، تقف القوات من دون حليف حقيقي ومن دون مكاسب آنية أو مستقبلية. أما حصتها النيابية فمهددة في أي قانون أكثري نظراً إلى أنها سمعت من التيار كلاماً يوحي بأن حجمها في جبل لبنان لا يتعدّى نائباً في المتن الشمالي ونصف نائب في كسروان. وكان لا بدّ تالياً من محاولة توسيع الحبل الذي لفه باسيل حول رقبة الحزب.
على المقلب العوني، ليست الأمور في أفضل أحوالها على ما يقول أكثر من مصدر في التيار الوطني الحر. ولا يمكن التغاضي عن التخلخل الذي أحدثه مؤتمر القوات في جدار الجمهور العوني. فاتهام التيار اليوم بهدر المال العام والتشديد على لاقانونية المناقصات التي أجراها بو خليل، من شأنهما أن ينعكسا على القاعدة العونية والمشتركة بين العونيين والقوات في أي استحقاق انتخابي مقبل، ولا سيما أن العهد، حتى الساعة، لم يسجل إنجازاً حقيقياً لرفعه، وما ضربة القوات إلا إمعان في إضعافه. ويرى العونيون أن هناك توجهاً إلى عدم السماح للتيار بتسجيل أي إنجاز، وخاصة في مجال حل أزمة الكهرباء، وتحجيم صورة رئيس الجمهورية التي راهن عليها اللبنانيون منذ التسعينيات، «لذلك نقف اليوم ونحارب لأننا نعرف أن الموضوع ليس موضوع باخرة أو قانون أو مقعد نيابي، بل يتعداه إلى الرغبة في إفشال عهد الرئيس ميشال عون». أما تغيُّر المزاج القواتي من التأهيلي إلى النسبي والوقوف إلى جانب بري، فيحرج التيار ويضعف موقفه. فالناخب وفقاً للنظام النسبي، تقول المصادر العونية، يتأثر بالأداء العام والانطباع السياسي، لا بالخدمة الشخصية. لذلك يصب تمايز القوات عن التيار بادعاء الأداء النظيف ومحاربة الفساد والصفقات ضد صورة العونيين، ويفقدهم الأصوات التي طالما جذبها شعار «التغيير والإصلاح» والصدقية. وفي أي نظام نسبي مفترض، لن يحتاج القواتيون للتحالف مع التيار، وهو ما دفعهم إلى تفجير الوضع بعد أن مالت كفة القانون نحو النسبية الكاملة. وتضيف مصادر التيار أن ما تقوم به القوات «همروجة. فالاتفاق حصل في مجلس الوزراء وبموافقة الجميع مع تعهد وزير الطاقة بالعودة إلى الحكومة في كل التفاصيل. فما على المعترض فعلاً إلا رفض هذا المشروع من أساسه»، بدل تأييده في مجلس الوزراء ثم مهاجمته خارجه. ولكن يبدو أن هناك قراراً «بتنفيس العهد والتيار معاً وعدم السماح بحل أزمة الكهرباء، لا في البرّ ولا في البحر». وفيما ترى مصادر عونية أن المؤتمر القواتي «لن يزعزع التفاهم، فمن جانبنا ننظر إلى التفاهمات أكان مع حزب الله أم القوات من ناحية استراتيجية بعيدة المدى ونفسنا طويل ولن ندع الأمور تصل يوماً إلى الحد القطيعة أو الانهيار»، تلفت المصادر إلى «ضرورة انتباه الطرف الآخر إلى الخيط الرفيع الذي يسند سقف الاعتراضات، إذ لا يمكن احتواء الرأي العام في كل مرة. ومن الممكن جداً أن يقطع سقف الاعتراضات والانتقادات العالي هذا الخيط، وعندها يصعب على أي طرف لملمة تداعيات اللعب على حافة الهاوية».




‎شعلة الخلاف العوني القواتي تنطلق من الأشرفية




ما كاد ينتهي مؤتمر القوات الذي انضمّ إليه وزير الدولة لشؤون التخطيط ميشال فرعون، حتى عادت صفحات التواصل الاجتماعي بالعلاقة العونية ــــ القواتية سنوات إلى الوراء.
أول التجليات أتى من مسؤول العلاقات مع الأقضية في التيار الوطني الحر والمستشار الإعلامي لوزير الدولة لمكافحة الفساد نقولا تويني، مارك بخعازي، الذي كتب على صفحته: «فهمتو شو بدن وزراء القوات، أنا بقول رح يسلمو فرعون قسم الرميل ويحلف يمين». لتنطلق بعدها التعليقات من قواتي يدافع عن فرعون «الذي رفض أن يكون شاهد زور» و«ضرورة تحقيق الإصلاح فعلاً لا قولاً»، إلى مختار مؤيد لفرعون يعيب على بخعازي ما صدر عنه بحق وزير الأشرفية. فيجيبه بخعازي بأنه لا يمكنه السكوت عمّن عقد مؤتمراً صحافياً في وجه وزير عوني. هكذا تكهربت الأوضاع بين عونيي الأشرفية وقواتييها لتكرّ لاحقاً السبحة إلى مختلف الأقضية، حيث صبّ العونيون غضبهم على المؤتمر القواتي، ولو بمنحى خجول، بانتظار ما ستؤول عليه الأوضاع بين الحزبين في الأسابيع المقبلة.