تتفاوت النظرة السياسية الى مجلس الشيوخ، بحسب رؤية من يطرح إعادة إحيائه، والأهم درس الغاية من تشكيل هذا المجلس وأي حسابات سياسية وطائفية ترتجى منه.ليست قصة مجلس الشيوخ حديثة العهد ولا هي حكماً مرتبطة باتفاق الطائف. لكن إعادة الرئيس نبيه بري طرحها حالياً تثير أسئلة عن المنحى الذي يراد لمجلس الشيوخ أن يسير فيه، خصوصاً لجهة الصلاحيات التي يمكن أن تعطى للمجلس المستحدث، لأن ثمة نظرة نقدية لرغبة بري في نقل بعض الصلاحيات من مجلس النواب إلى المجلس الشيوخ.

يعيد سياسي مطلع على محادثات روما في آذار 2013 بين البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي والرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي، والتي خصّصت للبحث في قانون الانتخاب والخروج من المأزق السياسي الذي كان قائماً حينها، تصويب الانظار الى الورقة التي قالت مصادر سياسية آنذاك إن بري طرحها في اللقاء. حينها التقى الراعي وبري وميقاتي واتفقوا على آلية للحل، وأن النقاش تقدم حول مشروع بري المختلط القائم على انتخاب 64 نائباً بالأكثري و64 بالنسبي، وعدم السير بمشروع «اللقاء الأرثوذكسي» الذي كان قد أقرّ في اللجان المشتركة، وتشكيل مجلس شيوخ وتمديد تقني للمجلس النيابي، وحكومة جديدة للإشراف على الانتخابات.

الصلاحيات المقترحة: الحرب والسلم، الأحوال الشخصية، حالة الطوارئ، الخطط الإنمائية الشاملة



لكن، بحسب السياسي نفسه، فإن الأهمية الأبرز ليست في «الاتفاق الثلاثي» الذي عقد في روما والذي لم يبصر النور، لأسباب متنوعة، بل في الورقة التي قدمها بري في ذلك اللقاء بحسب ما كشفته المصادر السياسية، إذ إن الورقة التي كتبت بخط اليد قدمت اقتراحاً بالسير بمجلس نيابي وآخر للشيوخ وفق المادة 22 من الدستور، والتي تنص حرفياً على الآتي: «مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي، يستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته بالقضايا المصيرية».
وفي الورقة يرد الآتي: «لذا، وبما أنه لم يُصر حتى الآن، وفي أي وقت من الاوقات، إلى إقرار قانون وفقاً للدستور، وبالتالي في كل دورة انتخابية يتعرض لبنان لاختلاف يطال أو يلامس مصيره أحياناً، لذا نرى ذلك هذه المرة أيضاً، ولعلها إذا صحت تكون آخر المرات، وتوجد الاستقرار الانتخابي وبالتالي السياسي في البلد، لا بل تغني عن المطالبة بإلغاء الطائفية لعدم الضرورة».
تشير الورقة الى الآتي:
1ــ لمجلس الشيوخ صلاحيات مستقلة لا يتشارك فيها مع أحد، مثلاً الحرب والسلم، الاحوال الشخصية، إعلان حالة الطوارئ، الخطط الانمائية الشاملة لكل لبنان.
2ــ باقي الصلاحيات لمجلس النواب.
3ــ يتألف مجلس الشيوخ من 80 شيخاً على سبيل المثال، ينتخبون بموجب القانون الأرثوذكسي الذي أقرّته اللجان المشتركة.
4ــ مجلس النواب ينتخب على أساس المناصفة بين المسلمين عامة والمسيحيين عامة (تفسير لكلمة وطني الواردة في الدستور)، ويمكن أن يكون على أساس لبنان: دائرة واحدة أو خمس محافظات أو 8 محافظات أو 13 محافظة، وأنا أرجّح هذا الامر لوجود القانون في المجلس على أساس النسبية (مشروع الحكومة الأخير)»، أي حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
لم يكتب لهذه الورقة حينها أن تترجم عملياً، وكذلك فإن الاتفاق الذي أبرم في روما لم يكتب له النجاح، وظلت النقاشات حول قانون الانتخاب عالقة، قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان وبعدها، الى أن عاد بري بعد أربعة أعوام الى إحياء اقتراحه الذي يعيد التذكير بما سبق أن طالب به، علماً بأن من يتعامل سياسياً مع هذا الاقتراح، لا يفصل بين دمجه مع نقطتين، مجلس نواب وفق النسبية والدوائر الموسعة، وهو الأمر الذي يعود الى واجهة البحث حالياً وفق مشروع حكومة ميقاتي. والنقطة الثانية الأبرز هي الصلاحيات التي تعطى لمجلس الشيوخ.
فالطائف لم يحدد ما هي الصلاحيات التي تعطى لهذا المجلس، ولكنه حصرها بالقضايا المصيرية من دون أن يحددها.
لكن الصلاحيات التي يعود بري الى التذكير بها اليوم وإعطائها لمجلس الشيوخ، ويعتبر أنه تخلى عنها من ضمن صلاحيات مجلس النواب، ليست حديثة العهد. فالعودة الى الاتفاق الثلاثي الذي وقّع عام 1985، وسبق الطائف، وكان بري والنائب وليد جنبلاط مشاركين في صياغته، الى جانب الراحل الياس حبيقة ممثلاً للقوات اللبنانية، تشير الى توسع في وصف الصلاحيات التي تعطى لمجلس الشيوخ في طريقة مشابهة لما ورد في ورقة بري في روما. ففي الفصل الثاني من الاتفاق بعنوان مبادئ النظام السياسي ورد في الفقرة 9 الآتي: «استحداث مجلس للشيوخ يتولى مع مجلس النواب السلطة الاشتراعية في القضايا المصيرية، وهي على وجه الحصر: تعديل الدستور، الحرب والسلم، المعاهدات والاتفاقات الدولية، أنظمة الاحوال الشخصية المذهبية، قانون الجنسية، ونظام انتخابات مجلس الشيوخ».
هذه الصلاحيات هي جوهر الحديث اليوم عن مجلس الشيوخ، ودوره مستقبلاً، وتفسير المغزى من نقل هذه الصلاحيات من مجلس النواب الى المجلس المقترح. لكن هذا الأمر يحتاج الى قراءة أخرى متأنية وهادئة.