البحر ليس ملكاً عاماً ولا حقاً مُكتسباً، بل امتياز يتمتع به من يملك المال حصراً. هذه هي الترجمة غير المكتوبة للإعلان الذي نشره منتجع C Flow السياحي في جبيل، على صفحته على موقع "فايسبوك"، ويُعلم فيه طلاب أغلى الجامعات الخاصّة في لبنان، عن استفادتهم من دخول مجاني إلى المنتجع طيلة الموسم الصيفي.
كاد هذا الإعلان، كما كثير من الإعلانات التي تكشف البنية الطبقية للمجتمع اللبناني، أن يمرّ دون أي ذكر، لولا الضجّة التي أُثيرت حوله نتيجة استثنائه طلاب الجامعة اللبنانيّة من لائحة المستفيدين، وهي الجامعة التي تضمّ العدد الأكبر من طلاب لبنان، وأغلبهم من الفقراء ومتوسطي الحال، علماً بأن هذا التمييز الطبقي هو الأساس الذي أقيمت عليه منتجعات خاصّة، اغتصبت الشاطئ اللبناني وتعدّت على الأملاك العموميّة وفرضت خوات مُرتفعة مقابل دخولها، فضلاً عن سجل طويل من العنصريّة المُمارسة بحق فئات مُهمّشة في المجتمع اللبناني مثل العاملات المنزليّات اللواتي لا يزلن، بحسب النموذج اللبناني المتخلّف، ممنوعات من السباحة في الحوض نفسه والبحر نفسه مع اللبنانيين.

صاحب المشروع: هيدا بيتي!

يزعم صاحب المشروع، آلان مطر، أن «هذا الإعلان وليد اتفاقيات وقّعها المنتجع مع عدد من الجامعات الخاصّة»، ويقول لـ"الأخبار" إن «هناك 16 جامعة مستفيدة، ما يعني أن هناك جامعات خاصّة أخرى غير مستفيدة، إضافة إلى الجامعة اللبنانيّة، أي ليس هناك أي استهداف للجامعة اللبنانيّة وطلابها الذين عليهم مراجعة إدارتهم المسؤولة عن عدم توقيع اتفاقيات مماثلة".

يقول صاحب المشروع:
المنتجع بيتي ويحقّ
لي إدخال من أريد إليه

ويضيف مطر "بدأنا بإبرام اتفاقيّات مع الجامعات منذ 3 سنوات، بحيث يقيمون حفلات تخرّج الطلاب لدينا مقابل السماح لهم بإمكانيّة الدخول إلى المنتجع مجاناً طوال الصيف، بدأنا مع سبع جامعات، والسنة الماضية استفادت 12 جامعة من العرض، وهذه السنة هناك 16 جامعة مستفيدة. الأمر يندرج في إطار البيزنس، وتالياً لا علاقة للطبقيّة أو العنصريّة في الموضوع". وعلى الرغم من ذلك، يختم مطر هذا "المنتجع بيتي ويحقّ لي إدخال من أريد إليه".
يتناسى صاحب المشروع، وهو ابن شقيق المطران بولس مطر، أن المنتجع المُشيّد على عقار تملكه "البطريركيّة المارونيّة"، هو أيضاً يحتل ملك اللبنانيين العام على الشاطئ، كما غيره من المنتجعات، وبالتالي ما يعتبره بيته هو حق الناس المغتصب، الذي يمنعهم من الولوج الحر والمجاني إلى الشاطئ.

جامعات تردّ: لا نعلم شيئاً!

محاولات صاحب المنتجع تبرير التمييز ضد طلاب الجامعة اللبنانية تحت عنوان «البيزنس» و«إبرام عقود تجاريّة»، تنفيه جامعات مذكورة في الإعلان نفسها، في اتصال مع «الأخبار». يقول المسؤول الإعلامي في «الجامعة اللبنانيّة الأميركيّة – LAU» كريستيان أوسي، إن «حفلات تخرّج طلابنا تقام في الجامعة، ونحن لا نجري أي اتفاقيّات مماثلة مع منتجعات سياحيّة، كما أننا لم نسمع بالخبر إلّا الآن»، وهو ما يؤكّده قسم شؤون الطلاب في الجامعة، مشيراً إلى «عدم وجود أي اتفاقيّات أو عقود مع المنتجع المذكور». الأمر نفسه في «الجامعة الأميركيّة في بيروت – AUB»، تؤكّد مسؤولة قسم شؤون الطلاب فيها تيريز مرعب «عدم توقيع أي اتفاقيات إعلانيّة أو تجاريّة مع المنتجع المذكور، ولا علاقة لنا بالموضوع».
إذاً نحن أمام وقاحة متمادية ذات أبعاد اجتماعيّة خطرة، وشعور فائض بالقوّة يسمح لطبقة تملك رأس المال، وبالتواطؤ مع كلّ إدارات الدولة وأجهزتها الرسميّة والمؤسسات الطائفية، باغتصاب حقوق وأملاك الناس، عدا عن تنفيس أمراضها الاجتماعيّة التمييزيّة العنصريّة والطبقيّة، لحماية مصالحها وتأمين استمراريتها، فيما الدولة تصمُّ أذنيها طوعاً، واضعة نفسها في خانة حامي هذه المصالح.
حاولت "الأخبار" الاتصال بالوزارات المعنيّة، لكن دون نتيجة. فوزارة السياحة صاحبة السلطة الرقابيّة على هذه المنتجعات، والمسؤولة عن ضبط أي سلوك يتنافى والمعايير المرعية، امتنعت عن الإجابة، وكذلك فعلت وزارة الاقتصاد المُفترض بها محاربة أي احتكار لسلعة معيّنة (الشاطئ) لمصلحة فئة معيّنة (الفئات الميسورة)، ووزارة الأشغال العامّة والنقل التي تعد الوصية المباشرة على الأملاك البحرية العموميّة المُغتصبة.

قاطعوا الطبقيين!

لكن ماذا عن موقف «الجامعة اللبنانيّة» من التمييز المُمارس بحقّ طلابها؟ رفض رئيس الجامعة فؤاد أيوب الحديث في الموضوع، طالباً استطلاع آراء الطلاب في ذلك، باعتبار أن موقفه المناهض للطبقيّة معروف.
أمّا قانوناً فيعدّ التمييز جرماً جزائياً يعاقب عليه قانون العقوبات. في العادة، تشمل العروض التفاضليّة المخصّصة لفئات معيّنة كلّ من تتضمّنهم هذه الفئات، فمثلاً هناك السهرات الأسبوعيّة التي تُعفى فيها الفتيات من دفع أي بدل (Ladies night) أو الأسعار المخفّضة التي يستفيد منها الجميع في ساعات محدّدة من النهار (Happy Hours) من دون تمييز بأوضاعهم الاجتماعيّة.
يقول رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان وديع الأسمر "هناك تمييز واضح بحقّ طلاب الجامعة اللبنانيّة، باعتبار أن الإعلان ذكر فقط أكبر الجامعات اللبنانيّة الخاصة وأغناها، من دون أن يشمل عرضه طلاب الجامعات الأخرى". ويتابع الأسمر "عادة عند إعطاء امتيازات محدّدة ومشروطة، يكون معيار الاختيار جغرافياً أو فئات عمريّة، مثلاً أن يستفيد طلاب الجامعات الموجودة في محيط هذه المؤسسة وحدهم من عروضها، وهو ما لا ينطبق على هذه الحالة، كون المنتجع موجوداً في جبيل والجامعات المذكورة منتشرة في مناطق لبنانيّة بعيدة جداً. ولو صحّ أن المنتجع أجرى اتفاقيات مع هذه الجامعات لماذا لا ينشرها؟ ولماذا لم يجر اتفاقيّات مع الجامعة اللبنانيّة؟ ما يقوم به يندرج ضمن إطار التجارة، ولكن حتى التجارة لديها معايير وقوانين غير احتكاريّة أو تمييزيّة".
لكن ماذا عن أشكال المواجهة المتاحة؟ يقول الأسمر "الردّ القانوني ممكن كون قانون العقوبات يجرّم كلّ أنواع التمييز، لكن مساره طويل. الحلّ الأسرع هو المقاطعة، ووفق منطقهم الخاصّ، فكما هم أحرار بتقديم العروض التي يريدون، كذلك فإن كلّ الرافضين لكلّ أشكال التمييز أحرار بمقاطعتهم هذه المؤسّسات".