ليس أمراً عابراً أن تجاهر اسرائيل بالدعوة الى فرض عقوبات على حزب الله لـ «شلّه». فالعمل على فرض مثل هذه العقوبات خيار اسرائيلي له سياقه وأهدافه. لكن المجاهرة بالسعي لتحقيقها، عبر البوابة الاميركية، له دلالات اضافية تتصل بالنظرة الاسرائيلية الى الواقع اللبناني والعربي.
الدعوة الاسرائيلية أتت في سياق طرح متكامل يتناول ايضاً الساحتين السورية والايرانية، قدمه وزير الاستخبارات الاسرائيلي اسرائيل كاتس، خلال محادثاته مع الادارة الاميركية، وكرره في كلمة أمام مؤتمر «جيروزاليم بوست» في نيويورك. وتكشف هذه المساعي، وغيرها من المواقف الاقليمية والدولية، عن تراجع الرهان في تل أبيب وغيرها على إمكان اعادة تغيير المعادلة جذرياً في الساحة السورية من خلال الجماعات المسلحة والتكفيرية، في المدى المنظور على الاقل. وبالتالي، يندرج سعي اسرائيل لتحقيق أهدافها المتعلقة بحزب الله، عبر القناة الاميركية تحديداً، ضمن محاولة تعويض بعض ما فشلت الحرب السورية في تحقيقه.
وفي هذا الاطار، شدّد كاتس على ضرورة بلورة تفاهم بين واشنطن وتل ابيب يتعلق بسوريا وايران، يشمل أيضاً اعترافاً أميركياً بالسيادة الاسرائيلية على الجولان، والمعارضة المشتركة لوجود عسكري ايراني دائم في سوريا ولبنان.

خيار العقوبات يأتي كنتيجة لفشل رهانات اسرائيل في سوريا، ولقوة ردع حزب الله

ومن الواضح أن الخطة الاسرائيلية لتطويق حزب الله وإضعافه عبر مسارات متعددة تبلورت في ضوء القلق من مفاعيل انتصار محور المقاومة في سوريا، وانعكاسه بالضرورة تعزيزاً لمكانة الحزب محلياً واقليمياً. ويحضر في خلفية هذه الدعوة، ايضاً، فشل انتزاع تنازلات ايرانية تتعلق بالموقف من دعم قوى المقاومة في لبنان والمنطقة خلال المفاوضات النووية. وهو ما عبّر عنه كاتس بالقول إن «وقف ايران لدعم حزب الله والمنظمات الارهابية الاخرى، هو الامر الناقص في الاتفاق النووي».
ويندرج العمل على فرض هذه العقوبات، ضمن استراتيجية عامة تعتمدها الدول المعادية، بهدف تأليب الشعب الايراني على السياسات الاقليمية التي تعتمدها طهران. على أمل أن يحقق هذا الخيار إما ردع ايران عن مواصلة هذا المسار، أو انتفاض الشعب الايراني ضد النظام، أو على الاقل اضعاف الدولة وعرقلة تقدمها.
ويبدو أن اسرائيل حريصة على تأكيد أنها لن تقبل بالاكتفاء بعقوبات محدودة التأثير على حزب الله. من هنا كان تشديد كاتس على أن تكون العقوبات «شالّة» تؤدي الى اضعاف الحزب. وهو ما يعني أن ما يتم التخطيط له في المرحلة المقبلة، على مستوى العقوبات من البوابة الاميركية، يتجاوز ما شهدته الساحة اللبنانية حتى الآن من اجراءات وخطوات مشابهة.
والأكثر دلالة في الكشف عن المساعي الاسرائيلية لفرض عقوبات على حزب الله، وعلى ايران بهدف وقف دعمه، أن اسرائيل لا تكترث للكشف عن حقيقة وقوفها وراء هذا المسار. وليس هناك تفسير لهذه اللامبالاة إلا لكونها مطمئنة إلى أن ذلك لن يؤثر سلباً على فرص تنفيذ هذه العقوبات في الساحة اللبنانية. وتنطلق اسرائيل في هذه الرؤية من قناعة تجاهر بها بأن ما يجمع بينها وبين الكثير من القوى الاقليمية هو العداء لحزب الله، الامر الذي يستوجب تكاملاً في الجهود، على أمل أن ترتقي العلاقة إلى مرحلة التحالف العلني. ويبدو أن هناك رهاناً اسرائيلياً على أن الدور الاسرائيلي المباشر والعلني، في هذا المسار، لن يدفع العديد من هذه القوى للوقوف الى جانب حزب الله ضد هذه العقوبات الاسرائيلية الاهداف والتحريك، بغض النظر عن أدوات التنفيذ والبوابة التي ستعبر من خلالها... وليس من الصعوبة التقدير بأنها تراهن ايضا على اداء سياسي واعلامي يتناغم ويتكامل مع تنفيذ هذه الخطة الاسرائيلية المتجددة.
ويبدو أن الصيغة الاسرائيلية المطروحة للترويج لهذه المعادلة هي الزعم بأن لبنان أمام خيارين: اما «عقوبات تشل حزب الله» أو عدوان اسرائيلي واسع. وهو ما برز في كلام كاتس نفسه الذي اعتبر أن الحاجة الى فرض العقوبات هو من أجل «الا تضطر اسرائيل للرد بقوة كبيرة على لبنان في المستقبل».
لكن «الخدعة» الكامنة في هذه المعادلة تتمثل بأن العقوبات أتت كبديل عن فشل الرهانات على الحرب السورية، ونتيجة ارتداع صنّاع القرار السياسي والامني في تل ابيب عن اتخاذ قرار بالعدوان الواسع على لبنان، بفعل معادلة الردع التي ارساها حزب الله وتلمَّس الشعب اللبناني نتائجها خلال أكثر من عقد حتى الآن. ولو أن اسرائيل قدّرت طوال السنوات الماضية أنها بإمكانها شن عدوان واسع يؤدي الى التخلص من حزب الله وبكلفة لا يصعب تحملها، لما كانت لتلجأ الى خيارات سياسية واقتصادية بديلة. وهكذا يبدو أن اسرائيل ستواصل سياسة التهويل والتلويح. وعلى خط مواز، ستواصل العمل عبر القنوات الاميركية والدولية والاقليمية لتطويق حزب الله واضعافه على المستويات الاقتصادية والشعبية والسياسية، الى جانب ما تقوم به من مساع للحؤول دون تنامي وتطور قدراته العسكرية الدفاعية والردعية التي تستهدف حماية لبنان والمنطقة.