من بوسطن إلى دردغيا (قضاء صور)، يعود المهندس مارون سمعان الأحد المقبل ليوارى في ثرى القرية الجنوبية الصغيرة التي أحبّ. كثيرة هي «قصص النجاح» التي تُنسب إلى لبنانيين في المهاجر، وأكثر منها «قصص الطموحات» ــــ السياسية وغيرها ــــ التي يضعها هؤلاء نصب أعينهم إذا ما عادوا إلى بلدهم الأم. لكن «قصص التعفّف»، كما في حالة مارون سمعان، قليلة حدّ الندرة.
منحة دراسية مكّنت ابن العائلة الجنوبية المتواضعة من الدراسة في الجامعة الأميركية في بيروت، فتخرّج منها عام 1977 بشهادة بكالوريوس في الهندسة الميكانيكية، وانتقل إلى الخليج لمتابعة مسيرته المهنية، فشغل مناصب قيادية عدة في مجالات النفط والغاز والبنى التحتية والأشغال المدنية، وصولاً إلى الريادة العالمية في هذا المجال... لكن ذلك كله لم يشغله يوماً عن دردغيا، مرتع الطفولة، ولا عن الجامعة الأميركية، ملعب الصبا. فموّل إعادة ترميم المنازل الحجرية المتلاصقة والأزقة الضيقة في الضيعة التي تتميّز بفرادتها الهندسية البيزنطية التي تعود إلى نحو 2700 سنة، مشجعاً على عودة أهلها إليها وبقائهم فيها. أما الجامعة، فقد سجّل اسمه كمانح أكبر تبرّع حصلت عليه في تاريخها لتطوير كلية الهندسة، وصاحب أكبر منحة تقدمها جهة خاصة لجامعة في العالم العربي (قُدرت المنحة التي لم تُعلَن قيمتها بنحو 100 مليون دولار). تبرعات سمعان للجامعة كانت قد سبقت ذلك، إذ قدمت «مؤسسة سمعان» التي أسسها منحاً دراسية للطلاب وزمالات الدكتوراه والبحوث المبتكرة، وموّلت (10 ملايين دولار) بناء «مركز طانيوس وثريا سمعان» (والدي الراحل) لجراحات اليوم الواحد.
ولأنه آمن بقدرة التعليم على التغيير وبعائدات التوظيف في التعليم وبضرورة تعزيز الثروة البشرية، بنى سمعان على نفقته منشآت كلية الهندسة الكيميائية في جامعة البلمند (شمال لبنان) عام 2015، وأسس برنامج منح طلابية كثيرة، وموّل مشاريع اجتماعية في الجنوب وبقية المناطق اللبنانية.
شغل سمعان العديد من المناصب القيادية في مجالات النفط والغاز والبنى التحتية والأشغال المدنية في الخليج، وترأس مجلس إدارة «الكازار كابيتال». انضم عام 1991 إلى شركة «بتروفاك»، وأسهم في تحوّلها من شركة صغيرة إلى لاعب دولي في صناعة هندسة النفط والغاز. تقلد مناصب مختلفة في الشركة، بما في ذلك الرئيس التنفيذي للهندسة والبناء، المدير التنفيذي للعمليات في المجموعة، وكان رئيسها عندما تقاعد في 31 كانون الأول 2013. كذلك شارك في تأسيس المنتدى العربي للبيئة والتنمية، وكان عضواً في مجلس أمناء الجامعة الأميركية في الشارقة.
أول من أمس، رحل مارون طانيوس سمعان في أحد مستشفيات بوسطن الأميركية عن عمر ناهز الـ61 سنة بعد صراع مع المرض وحياة حافلة بالإنجازات. وقد نعت الجامعة الأميركية أمس عضو مجلس أمنائها، وقال رئيسها فضلو خوري في بيان النعي إنَّ الراحل «ميراث يستمر من جيل إلى جيل (...) سخاؤه الخيري الملهم غيّر حياة أعداد لا تُحصى من البشر (...) وعمله وأثره سيتردد صداهما عبر العصور».
كذلك نعته جامعة البلمند وجامعة سان جوزف ــــ دبي وجامعة القديس يوسف في بيروت التي اعتبرت رحيله خسارة لـ«نصير لرسالتها الأكاديمية والاجتماعية».
يصل جثمان الراحل إلى بيروت آخر الأسبوع، على أن يقام الجناز والصلاة على جثمانه الأحد 7 أيار في كاتدرائية مار جرجس للموارنة في قلب بيروت، الواحدة بعد الظهر، ويدفن في مسقطه بلدة دردغيا في الجنوب.
(الأخبار)