أفضت الحرب التي عاشها مخيم البداوي، الأسبوع الماضي، والتي دارت بين القوى الأمنية وعدد من تجار المخدرات ومروجيها إلى نتائج «ملتبسة». تُفيد المعطيات عن تسليم أكثر من 10 مطلوبين للجيش اللبناني بتهم مختلفة، أبرزها الإتجار بالمخدرات وترويجها، إلا أن معظم «الرؤوس الكبيرة» المطلوبة للسلطات اللبنانية توارت عن الأنظار، وسط أجواء أوحت بأنَّ هناك من يعمل للفلفة القضية عند هذا الحد.
وأدت الاشتباكات إلى سقوط قتيل من أبناء المخيم، كان موجوداً بالصدفة في موقع الاشتباك. وشهد المخيم فورة غضب عقب سقوط القتيل، الأمر الذي دفع الأهالي إلى التجمّع ونصب خيمة اعتصام وسط الشارع الرئيسي، وإلى إبداء استعدادهم «لحمل السلاح ومحاربة تجار المخدرات ومروّجيها إلى جانب الفصائل إذا لزم الأمر»، وفق ما أبلغوا مسؤول الجبهة الشعبية ــ القيادة العامة في الشمال وأمين سر الفصائل في المخيم أبو عدنان عودة، الذي التقوا به في مكان الاعتصام.

وكان عودة قد تعرّض لإطلاق نار داخل المخيم، بهدف اغتياله، من قبل أحد أقرباء الذين سُلِّموا للجيش اللبناني، لكنه لم يُصب بأذىً بعدما أخطأ القاتل الهدف.
اللافت أنَّ هذه الاشتباكات كشفت بعضاً من إمكانات شبكات تجار المخدرات ومروجيها، إذ صودِرَ مكبس لصنع حبوب الكبتاغون من منزل أحد الموقوفين الذين سُلموا للجيش اللبناني، والذي كشفت معلومات أن «صاحبه اشتراه من منطقة البقاع بنحو نصف مليون دولار»، كذلك كشفت وجود لبنانيين ينسقون ويتعاونون مع فلسطينيين في تجارة المخدرات وترويجها.
تواري «الرؤوس الكبيرة» والاقتصار على توقيف عدد من المطلوبين «الصغار»، أمر يتكرر عند كل عملية دهم يقوم بها الجيش والقوى الأمنية. ففي كل مرة كانت تقوم فيها القوى الأمنية المشتركة بحملة توقيف كبار المُشتبه فيهم، كان خبر عملية الدهم يتسرّب مسبقاً إلى المشتبه فيهم، فيغادرون أماكن وجودهم قبل وصول القوة الأمنية بوقت قليل.
عمليات الدهم هذه لا تقتصر على المخيم، ولا تتوقف عند حدوده، بل تمتد إلى جواره. وقد أقدم الجيش منذ أيام على دهم أحد المنازل يقطنه لبنانيون في بلدة وادي النحلة المحاذية للمخيم، ما يُثبت امتداد شبكة تجارة المخدرات وترويجها إلى خارج المخيم.

غالبية «الرؤوس الكبيرة» المطلوبة للسلطات اللبنانية توارت عن الأنظار

من جهته، استمهل أبو عدنان عودة الأهالي 24 ساعة «وستسمعون بعدها أخباراً طيبة، منها تصفية المطلوبين إذا اضطررنا إلى ذلك»، وفق ما قال للأهالي المعتصمين، متهماً بعض المطلوبين الذين اختفوا عن الأنظار (تحديداً ش. ح. الذي سلم للجيش اللبناني وشريكه ح. خ.) بأنهم من كبار تجار المخدرات ومروجيها في المخيم وخارجه، و«أنهم اغتالوا جهاد جبريل»، نجل الأمين العام للجبهة أحمد جبريل، موضحاً أنه «نحن لا نستهدف زعراناً، بل نحارب الإسرائيلي الذي يقف وراء كل ما يجري، وهناك استهداف للمخيمات الفلسطينية في لبنان».
في موازاة ذلك، رأى المسؤول الإعلامي لحركة فتح في الشمال، مصطفى أبو حرب، أنَّ «من يروّجون الحبوب المخدِّرة هم خارجون عن القانون»، مشيراً إلى أنَّ «من يقوم بذلك أو يحمل سلاحاً غير شرعي يحتمي بعائلته، ما يجعل توقيفه صعباً، مع أنَّ الفصائل أبلغت المطلوبين أنه إما أن يسلموا أنفسهم للسلطات اللبنانية، وإما أن يتحملوا ومن يحميهم النتائج».
وردّ أبو حرب انتشار ظاهرة المخدرات في المخيم إلى «ارتفاع معدلات البطالة، وهي ظاهرة نعتبرها مؤامرة على المخيمات لإسقاطها من الداخل، تحت شعار بدلاً من أن تطلق عليه النار أعطه حبة مخدر».
بدوره، أكد مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الشمال أحمد غنومي، أنَّ «من يروجون ويتعاطون الحبوب المخدرة يسببون مشاكل في المخيم»، عازياً السبب أيضاً إلى «البطالة، وعدم وجود حقوق مدنية واجتماعية للفلسطينيين في لبنان»، ومحذراً من أنه «إذا لم تعالج الأسباب، فإن الوضع سيستمر على ما هو عليه، وإنَّ البعض سيستغل هذا الوضع لتحقيق مآربه».