«زحلة هي شريان البقاع والانفتاح على السهل. كيف يطرح البعض سحبها من محيطها؟». السؤال لرئيسة الكتلة الشعبية ميريام سكاف، بعد دعوة المطران عصام درويش القوى السياسية والبلدية في مدينة زحلة في ١٩ نيسان الحالي، إلى اجتماع من أجل البحث في قانون الانتخابات.
ليس من المتوقع أن يؤدي الاجتماع (عُقد اجتماع ثانٍ في ٢٧ نيسان) إلى أي نتيجة جدية، ولكن الخطير هو الطرح المُقدَّم المواكب لحفلة الجنون السياسي في البلد. في زحلة، دُقت الأجراس للتحذير من «خطر الشريك» في المدينة، في خلال الانتخابات البلدية. واليوم أيضاً، يُدَقّ «ناقوس الخطر» بأسلوب آخر عبر الدعوة إلى سلخ المدينة عن محيطها عبر جعلها دائرة انتخابية «مستقلة»، و«حل أزمة المجنّسين» في البقاع الأوسط. يبدو أنّ البعض يريد إحياء مفهوم «جمهورية زحلة»، الذي برز في منتصف القرن التاسع عشر، خاصة بعد أن سلّم درويش الوزير ملحم رياشي مشروعه للقانون، القاضي باعتماد طريق الشام لوضع حدود جديدة لدائرة زحلة الانتخابية.
الكتلة الشعبية كانت الطرف الوحيد المُغيَّب عن الاجتماع «ربما لأنهم ينوون اتخاذ قرارات لا يريدون أن نطّلع عليها». وتنفي سكاف أن يكون وجود ابن عمّ زوجها ميشال سكاف، الذي لا تربطها به علاقة ثابتة، في اللقاء دليلا على تمثيلها، لأنّ «الاجتماع حصل خلسة عن الكتلة». لذلك، تسأل سكاف المطرانية: «أليس من المفترض أن تكون على مسافة واحدة من الجميع؟ هل يرغب المطران في أن يلعب دوراً سياسياً أو دور رجل أعمال؟ يريد أن تتقوقع زحلة؟». وعوض البدء بطرح حلّ مسألة المجنسين، «الأولوية لمن هو مستَورد وسمح لنفسه بأن يتحول الى وزير للداخلية». تتهم سكاف «سيدنا» بأنه «مش ملحّق بين سياسة وأعمال دنيوية وسماوية». فالتدخل «لم يعد يقتصر على الانتخابات والمجنسين بل وصل إلى التهديد على مذبح الكنيسة لموظفة قامت بواجبها الوظيفي». المقصودة هي المديرة العامة للتعاونيات في وزارة الزراعة غلوريا أبو زيد. تُخبر سكاف عن «شروع بالقتل حصل على مرأى المؤمنين عندما حرّض رجل دين (أحد كهنة الرعية، ترفض سكاف ذكر اسمه) على أبو زيد لأنها رفضت التوقيع على مشاريع إسكانية تعود لسيدنا. أنا هنا أدعو إلى محاسبة منتحل صفة رجل الدين هذا ولتصل الرسالة الى أعلى المراجع في الفاتكيان التي حتماً لن ترتضي تحويل الكنائس إلى منابر لبث الحقد على الناس. أدافع عن غلوريا ليس لأنها من طائفة معينة، بل لأنها موظفة كان يجب أن تُمنح وساماً على وقوفها في وجه الفساد».
بالعودة إلى لقاء سيدة النجاة، تُدافع سكاف في حديثها إلى «الأخبار» عن قضية المجنَّسين لأنها «مسألة إنسانية، تُبحث في وزارة الداخلية وعلى مستوى كل لبنان»، نافية أن يكون السبب رغبتها في الاستفادة من أصواتهم في الانتخابات، «انتخبوا ضدنا في الـ٢٠٠٥ والـ٢٠٠٩». لا خلاص، بالنسبة إليها، إلا في النسبية، «وغير صحيحة مزاعم الأحزاب بأنها لا تسمح بإعادة التمثيل الصحيح للمسيحيين. بل هدف الأحزاب الكبرى السيطرة على كلّ المقاعد».
أكثر من سنة مضت على «شلح العباءة» حول كتفي سكاف، بعد وفاة زوجها، النائب السابق الياس سكاف. ليس من السهل الاستمرار في العمل السياسي وفق طريقة العائلة البقاعية، القائمة على التواصل المباشر مع الناس والخدمات. فكيف إذا كانت «الزعيمة» الجديدة، امرأة، في مجتمع يتفاخر بذكوريته، أصلها من مدينة بشرّي، وتُتَّهَم بأنها ترفع الأسوار بينها وبين الزحالنة؟ تستغرب أن تكون لدى البعض نظرة سلبية تجاهها، فعلى العكس، أهل زحلة «أشعروني بأنهم يحبونني». ولكن، ربما السبب أنهم «لم يعرفوني، واليوم تأكدوا أنني أريد استمرارية نهج آل سكاف».

تقول سكاف إن معالجة أزمة «المستورَدين»
أولى من معالجة «مشكلة المجنّسين»


الفترة المقبلة هي التحضير للانتخابات النيابية. تُظهر غالبية استطلاعات الرأي في زحلة أنّ سكاف هي الأولى عن الكاثوليك، إلا أنّ أرقام الكتلة الشعبية، كحزب، منخفضة. ترفض سكاف الفصل بينها وبين الكتلة، أو اعتبار نتائج الاستطلاعات دليلاً على أنّ حجمها الانتخابي مقعد واحد فقط، «النسبة التي أنالها هي بفضل الكتلة. والبرهان على قدرتنا التجييرية هو حصولنا وحدنا على قرابة ٩٠٠٠ صوت (علماً أنّ معدل اللائحة بلغ قرابة الـ٨٠٠٠ صوت) في الانتخابات البلدية الأخيرة». ولكن، بعيداً عن «خصوصية زحلة»، ما الذي قد يدفع الزحلاوي إلى مناصرة الكتلة؟ «لأننا نعيش وجدانهم، ونريد استمرار القضية عبر برنامج إنمائي ــ اقتصادي»، تقول. باقي الأفراد الذين ينتمون إلى الاحزاب «زحالنة نحترمهم، ولكن قرارهم ليس بيدهم. نحن مرجعنا البقاع». والأمل موجود بأن «ننطلق من زحلة إلى المستوى الوطني. كان جوزف سكاف من أهم الأقطاب، ولديه كتلة نيابية كبيرة. هذا هدفنا في السياسة».
لم تُحسم بعد التحالفات بانتظار الاتفاق على قانون جديد وتحديد موعد للانتخابات. اللازمة ذاتها تتكرر: «نمدّ يدنا للجميع، شرط الحفاظ على خصوصيتنا، وتأمين مصلحة زحلة والبقاع الأوسط». وإذا كانت هذه المصلحة تقتضي التحالف مع آل فتوش، الذين يتشاركون مع الكتلة الشعبية الحلفاء؟ توضح سكاف أنّ «آل فتوش ليسوا أعدائي. ولكن، مقتنعة بأنّهم لا يؤمّنون مصلحة القضاء». هي أصلاً تخوض معركة «ضدّ أي مشروع يلوث البيئة وسوف تبقى المعركة قائمة من زحلة إلى عين دارة وصولاً إلى أرمنينا. فالأرمن أصدقاؤنا ونتشارك معهم الوطن الواحد. لا نريد أن نُصدّر لهم قذارتنا». عادت أخيراً إلى الواجهة الدعوى القضائية التي رفعها فتوش ضد الياس سكاف، بتهمة عدم تسديد عدد من الشيكات. تتوجّه سكاف إلى فتوش بأن «لا يصفّي حسابات سياسية قديمة على حساب أولادي. هو تجرأ أن يقيم دعوى قضائية على أطفال الياس سكاف وهم دون السن القانونية. ادّعِ عليّ أنا. ماذا تريد من أولادي؟». وعن خبر ترشح الطبيب ميشال فتوش مدعوماً من القوات اللبنانية، تشك سكاف في أن «يترشح أحد من العائلة من دون بركة (الشقيق الأكبر) بيار» فتوش.
في ما خصّ القوات، «نحن ضدّ أن يلغي أي طرف الآخر. وسياسياً، لدينا نظرة شمولية غير طائفية». تفصل سكاف في حديثها بين رئيس الجمهورية ميشال عون الذي تثق بخياراته، والتيار الوطني الحر «الذي نتقارب وإياه في عدد من القضايا. كان الحلف متيناً في الـ٢٠٠٥ و٢٠٠٩، ولكن ربما للتيار حسابات خاصة». يحزّ في نفس سكاف أنها سمعت من العونيين الذين كانوا يفاوضونها في «البلدية»، كلاماً عن «إما أن تقبل بـ٤ مقاعد في المجلس البلدي، أو أن دار الكتلة الشعبية ستُقفَل». العلاقة مع الرئيس نبيه بري «تحسنت بعد الانتخابات البلدية». ترفض سكاف أن «يُسيطر» أي كان عليها سياسياً، ولكن يُقال إنها في الوقت نفسه تحاول فرض شروطها للتحالف مع حزب الكتائب عبر استبعاد النائب إيلي ماروني، وفتح قنوات تواصل مع شخصيات كتائبية أخرى في زحلة. تُنكر ذلك، «لا مشكلة لدينا مع ماروني، بل هو الذي لا يتوانى عن مهاجمة الكتلة. وهل إذا كنت على علاقة جيدة مع الكتائبيين أكون ألعب على التناقضات؟». رغم كل الملاحظات السياسية لسكاف، «إذا تم الاعتراف بتمثيل كل فريق، فلا شيء يمنع تشكيل لائحة توافقية».