يصعب على المتابع لحركة رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل، منذ تسلّمه رئاسة الحزب في حزيران 2015، فهم قضية الجميّل أو هدفه السياسي. غالباً ما يختار أن يكون «المخالف». رغم ذلك، لا يمكن إنكار التغيير الذي أضفاه على حزب الكتائب منذ تسلّمه قيادته. وفعلياً لا يشبه حزب أمين الجميّل حزب سامي الجميّل.
تكفي اليوم المقارنة بين ضيوف بيت الكتائب السابقين والضيوف الحاليين لقياس حجم التغيير بين عهدين: عهد الأب وعهد الابن؛ من أحمد فتفت وعمار حوري وسعد الحريري والسفير السعودي الى شربل نحاس والحزب الشيوعي ومجموعة «بدنا نحاسب» و«بيروت مدينتي». والأصعب إقناع الجمهور الكتائبي الذي تعوّد اللحاق بالسلطة، أن المعركة الحقيقية هي مع السلطة نفسها. قد يضع البعض ذلك في خانة «استعراض الجميّل الابن» عبر اختيار الطريقة الأسهل لاقتناص ما يطلبه الشعب والسير وراءه. لكن البعض الآخر يرى في ذلك تطوراً إيجابياً. فأقله هناك من يقف «في صف المواطنين» بصرف النظر عن مآربه الخاصة من وراء هذا الموقف.

لا يرى الكتائبيون خسارة في خلافهم مع «المستقبل» بسبب ردّ الفعل الشعبي «الإيجابي»


في جردة لسنتَي سامي الجميّل كرئيس للكتائب، تقتضي الحقيقة الاعتراف بالتغيير الذي أنجزه في حزب كان على شفير الموت بعد فقدانه لقيادي شاب يدعى بيار الجميل. فبيار كان السبب الرئيسي في نفض الكتائب واستنهاض القاعدة الشبابية النائمة وإعادة إحياء دور بيوت الكتائب. وغداة اغتياله، عاد الحزب خطوات إلى الوراء مع عودة أمين الجميّل الى الإمساك بمفاصله... الى أن قرر الوريث العمل جدّياً لفرض الحزب في المعادلة السياسية القائمة والإتيان بطاقم جديد من المستشارين الذين يعرفون الارض جيداً ويتقنون إعداد الملفات الاقتصادية والاجتماعية. قبل ذلك كان مستشارو سامي في تنظيم «لبناننا» يكررون وراء رئيسهم ما يطيب له سماعه. وربما استفاد الجميّل من تجربة شقيقه واستعار منه بعضاً من خططه لتطوير الحزب، وأهمها التطلع الى القضايا الاجتماعية، رغم عدم نجاح سامي في كسب ودّ جزء كبير من رفاق شقيقه. فحتى اليوم، لم يتمكن من استقطاب هؤلاء بدرجة عالية، في الوقت الذي نجح فيه في استقطاب الطلاب والمراهقين والطاقم القديم.
سياسياً، يرى كتائبيون أن قلة من الشباب يمكنها عقد مؤتمر صحافي لمدة 20 دقيقة من الوقت ومخاطبة الجمهور بلغة شعبية تستميله. إلا أن ذلك غير كاف للنجاح في السياسة، فالتموضع هو أساس التقدّم. وسامي على ما يقولون لم يعرف يوماً أين يتموضع؛ أهو داخل السلطة أم خارجها؟ مؤيد أم معارض؟ «مجتمع مدني» أم «سلطوي»؟ يتجلى ذلك أيضاً في عدم قدرته على نسج تحالفات. فالمنطق يقول إن من المستحيل الوصول الى أي نتيجة من دون حليف يقوّي موقفك داخل الحكومة وخارجها، أكان ذلك في موضوع مطمر برج حمود أم الكهرباء أم الضرائب وسلسلة الرتب والرواتب أم أي قضية أخرى. والمنطق يقول أيضاً إن قوة أي حزب سياسي تترجم من خلال علاقاته السياسية التي يمكن أن تحميه عند أي مطبّ. فالكتائب كان من أوائل المنفتحين على حزب الله والمبادرين الى التفاهم مع التيار الوطني الحر وأول حليف لحزب القوات والأقرب إلى تيار المستقبل. إلا أن كل هذه العلاقات لم تقرّش في أيّ قضية. لماذا؟ معارضو النائب الشاب يعيدون ذلك إلى «مزاجيته، ورغبته الدائمة في الوقوف تحت الأضواء، وصعوبة مراسه». أما مصادر الكتائب، فتضع «العلّة في الآخرين»: «كنا شركاء في الحكومة، لكنهم أرادونا شهود زور يمررون الصفقات أمام أعيننا. ولذلك خرجنا». وهنا، ليس من السهل الانسحاب من الحكومة، والتخلي عن السلطة، خصوصاً في حال الكتائب الذي كان حزب كل العهود، وسيحتفل قريباً بمرور عام كامل على وجوده خارج السلطة.
وهذا الخروج لم يكن هادئاً، بل عصف بعلاقات الكتائب، وخاصة مع حليفه الأوثق، تيار المستقبل. فغالبية قضايا الفساد التي يقاربها الحزب، تدور في فلك آل الحريري، بدءاً من ملف النفايات والمناقصات ومطمر برج حمود، مروراً بفرض الضرائب، وصولاً الى موضوع الكهرباء الذي أثير أخيراً، وأدى إلى وقوع سجال بين رئيس الكتائب من جهة، ورئيس الحكومة ووزراء التيار الوطني الحر من جهة أخرى، في جلسة مناقشة عمل الحكومة مطلع الشهر الجاري. لا يرى الكتائبيون خسارة في ما جرى. على العكس من ذلك، «التجاوب الشعبي أتى لصالح سامي بنسبة عالية جداً»، الأمر الذي ضاعف ثقته بخياراته وبإمكانية إحداث خرق ولو من موقع المعارضة. وعزز هذا الخيار مع صدور نتائج نقابة المهندسين لمصلحة تحالف «المجتمع المدني» والحزب الشيوعي والكتائب والحزب التقدمي الاشتراكي، في وجه تحالف الاحزاب الأخرى المشاركة في الحكومة.
مجدداً، يرى كتائبيون أن موقف «الشيخ» كان ليكون أقوى بكثير لو وجد حليفاً سياسياً له يناصره في تلك القضايا. رغم ذلك، يراهن النائب المتني على التحالف مع القوى التي تُطلق عليها تسمية «المجتمع المدني»، حيث «نكون أقرب إلى الناس». ويؤمن رئيس حزب آل الجميّل بأن من المبكر دفن نفسه سياسياً وشعبياً في السابعة والثلاثين من عمره عبر التشبه بباقي الأحزاب. لذلك الأولوية اليوم للمعارضة الفاعلة خارج الحكومة، ما دام التغيير الذي يرغب فيه غير قابل للتحقق من الداخل. وللمرة الأولى، يرى كتائبيون حاليون وسابقون أن الجميّل الابن يتموضع في المكان المناسب، وهو المكان الذي بدأ منه أساساً، ولو تحت عناوين شديدة السوء، كالفدرالية والتقسيم.