منذ عودة الرئيس ميشال عون إلى لبنان عام 2005، كان لدى قدامى الناشطين في التيار الوطني الحر شعور بالغبن ناجم عن شعورهم بأنهم أحيلوا مبكراً إلى التقاعد، باعتبار أن مرحلة «الواقعية السياسية» تحتاج إلى عدة عمل عونية أخرى غير تلك التي استخدمت في المرحلة السابقة. مشكلة هؤلاء مع الوزير جبران باسيل لم تكن شخصية أو سياسية أو حتى نفسية.
كل ما في الأمر أنهم كانوا يريدون مواصلة العمل السياسي، إلا أن رئيس تكتل التغيير والإصلاح قرر وضع كل الملفات والمهمات في حقيبة باسيل وحده. وحين سأل هؤلاء عن السبب، قيل لهم إن من آمنوا به وتجاوزت ثقتهم به كل الحدود لا يثق بهم. وبعيد دخول التيار إلى السلطة، خرجت التساؤلات من داخل البيت العوني إلى العلن: لماذا يوزّر ويعيّن ويوصل إلى المجلس النيابي وجوهاً من الصالونات السياسية التقليدية بدل أن يدعم شباباً أكفاء من التيار الوطني الحر. خطأ القيادة العونية بحق النشطاء قابله سوء تقدير من الناشطين أيضاً الذين أرادوا أن يصبحوا جميعهم نواباً، أو أنهم لم يحددوا ببساطة ماذا يريدون. والحقيقة تستوجب القول إن من قال إنه يتطلع إلى وظيفة في وزارتي الطاقة أو الخارجية حصل عليها، ومن تطلع إلى شركتي ألفا وأم تي سي وظف بهما، لكن من لف ودار حول نفسه واصل الدوران في حلقة مفرغة.

خوري من قدامى الناشطين
في صفوف التيار الوطني، وهو كان ولا يزال صديقاً لغالبيتهم

رولان خوري قال منذ البداية – منذ عودة العماد عون عام 2005 – إن لديه حلماً هو رئاسة مجلس إدارة كازينو لبنان. وحين كان أصدقاؤه يلحّون عليه لطلب أي شيء آخر لأن الكازينو بعيد المنال ولديه أسرة ومسؤوليات، كان يجيبهم قبل سنوات بأنه لن يقطع الأمل بوصول الجنرال إلى رئاسة الجمهورية ووصوله بالتالي إلى الكازينو. وخلال السنوات القليلة الماضية، سأل الرئيس عون نفسه خوري مرات عدة عما يريده، ملمّحاً إلى النيابة، إلا أن الشاب الأربعيني (مواليد 1973) المشاغب الذي تنقل بين مسؤوليات حزبية عدة آثر التفرغ لما يصفه بـ«تركيب الطرابيش» في الانتخابات النيابية والبلدية والنقابية في انتظار تحقيق حلمه. فرئاسة مجلس إدارة الكازينو هي رئاسة المرفق الأهم في جبل لبنان، طالما أن مرفأ جونية لم يقلع أبداً، وهو كان يستغرب شغف رفاقه بالنيابة والوزارة، مؤكداً أن المحافظ والقائمقام والمدير العام وحتى عضوية مجالس الإدارة في بعض المؤسسات مثل شركة طيران الشرق الأوسط أهم من اللوحة الزرقاء أو السوداء، سواء لمن يريد أن ينجز شيئاً أو يتقاضى أجراً جيداً جداً أو يستمتع بالوجاهة. وما أشيع في الأيام القليلة الماضية عن كون خوري من المعارضين الحزبيين لباسيل لا صحة له جملة وتفصيلاً: خوري من قدامى الناشطين في صفوف التيار، وهو كان ولا يزال صديقاً لغالبية الناشطين، لكنه آثر الخروج منذ أكثر من أربع سنوات بشكل علني وواضح من صف نعيم عون والوقوف في صف باسيل، وهو دافع مراراً عن وجهة نظره وحاول إقناع رفاقه بها من دون أن يخرب علاقته الشخصية الوطيدة بهم، علماً بأن خوري جبيلي وليس كسروانيّاً، لكنه يسكن في بلدة والدته السهيلة في وسط كسروان. وهو كان مفوضاً من قبل العماد عون بمتابعة الانتخابات البلدية في جونية وسائر البلدات الكسروانية أعوام 2004 و2010 و2016. وفي الحسابات السياسية ينبغي القول إن هناك مجموعة أصدقاء مشتركين بين رئيس مجلس إدارة الكازينو الجديد والعميد المتقاعد شامل روكز. لكن خوري أقرب إلى رئيس حزبه منه إلى روكز، كما أن خوري كان يدير حتى أول من أمس ماكينة المرشح العونيّ روجيه عازار، ولا شك بالتالي أن الكازينو لن يكون أداة في عدة روكز الانتخابية بعدما كان الأداة الرئيسية في العدة الانتخابية لصهر الرئيس السابق ميشال سليمان وسام بارودي.
من هنا، يمكن الدخول إلى ما هو أهم من كل ما سبق: خوري الديناميكي العونيّ الذي تجمعه علاقة جيدة بكل نواب كسروان الحاليين والسابقين والمقبلين حقق انتصاره الأول، لكنه مطالب الآن بتحقيق الانتصار الثاني الأكبر خلال فترة قياسية: النجاح في إدارة الكازينو، ليثبت للرئيس عون أولاً أن ثقته كانت في محلها، وهناك في هذا التيار الوطني الحر من يمكن التعويل عليهم. هناك شغور هائل في الإدارات العامة يُنتظر أن تبدأ الحكومة بملئه؛ نجاح خوري ومواكبة تعيينه بأجواء إيجابية عونية سيفتحان الباب أمام مئات الشباب الذين ينتظرون فرصة، والعكس صحيح، مع الأخذ بالاعتبار أن إعادة إقلاع الكازينو ليست بالأمر السهل. فقد فعلت إدارة ميشال سليمان بهذا المرفق ما عجزت الحرب عن فعله، وسيجد خوري نفسه أمام واقع لا يحسد البتة عليه: آلاف الموظفين الذين اعتادوا طوال ست سنوات أن لا يفعلوا شيئاً سيتسبب المس بكل منهم بأزمة مع إحدى العائلات الكسروانية أو إحدى المرجعيات الدينية. وعشرات الشركات الرديفة التي تم التعاقد معها لهدر المزيد من الأموال، رغم وجود موظفين في الكازينو تدفع لهم أجورهم للقيام بما كلفت الشركات القيام به. وفي وقت أنفقت فيه مبالغ خيالية لشراء ألعاب بقيت أعواماً في المستودعات لعدم الحاجة الفعلية إليها، هناك بنية تحتية سيئة وقاعات في معظمها بائسة وغير صالحة لتنظيم أي احتفالات مهمة. والأهم من هذا كله هو بروز كازينوات ضخمة عدة في قبرص تقدم منذ عامين عروضاً خيالية لهواة القمار، تتضمن بطاقات سفر مجانية وإقامة في فنادق خمس نجوم، دفعت غالبية الزبائن المهمين إلى وضع كازينو لبنان خلفهم.
وعليه، لا وقت أمام خوري لتقبل التهاني أو السكر بمنصبه المنتظر منذ سنوات: أمامه ورشة عمل كبيرة يعلق عونيون كثر آمالاً كبيرة على نجاحه فيها. هو مطالب بأن يثبت أن العهد لم يعين أياً كان رئيساً لمجلس إدارة كازينو لبنان، وإنما شخصاً يتمتع بالكفاءة اللازمة للنهوض بهذا المرفق، ومطالب بأن يؤكد أن في التيار الوطني الحر كفاءات كثيرة قادرة على النجاح في حال إعطائها فرصة.