الحظر القانوني على الإضراب الذي تفرضه المادة 15 من المرسوم الاشتراعي 112/1969 (نظام الموظفين) على موظفي القطاع العام لم يطبق سوى مرة واحدة في تاريخ العمل النقابي في لبنان، وذلك حين نفذ المعلمون عام 1972 إضراباً عاماً صُرف على أثره 309 من أفراد الهيئة التعليمية، ولكن سرعان ما تراجعت السلطة السياسية عن قرارها وأعادتهم إلى العمل. شكل هذا الحظر، على مدى العقود الأخيرة، مصدر إدانة للدولة اللبنانية في الكثير من المذكرات والمؤتمرات والدراسات والمطالعات القانونية.
وقد تقدم العديد من النواب بأكثر من اقتراح قانون يرمي إلى إلغاء فقرات من المادة 15 التي تمنع إنشاء النقابات وممارسة الإضراب. ورغم تحفظ لبنان عن بعض بنود الاتفاقية الدولية الرقم 87، فقد أكدت منظمة العمل الدولية «أن أي دولة لا يحق لها التحفظ عن أي مادة من الاتفاقية لكونها من الاتفاقيات الأساسية الملزمة».
اليوم، يشهر المدير العام للتعليم المهني أحمد دياب، هذا السلاح، مستفيداً من أنّ المتعاقدين في التعليم المهني يؤمنون 90% من ساعات التدريس، وهم خرقوا أخيراً الإضراب الذي نفذته رابطة أساتذة التعليم المهني على مدى أسبوعين للمطالبة بسلسلة الرتب والرواتب.
منذ أيام، أصدر دياب تعميماً فرض فيه على مديري المعاهد تمكين الأساتذة المتعاقدين بالساعة، من التدريس وفقاً لعدد ساعاتهم في خلال فترة الإضراب، حتى ولو كان المدير ورؤساء الدروس مُضربين، وعلى المديرين في هذه الحالة فتح أبواب المعهد، والسماح للأساتذة بالتوقيع على سجل الدوام المخصص لهم، وفقاً للأصول.
دياب ألغى أيضاً التعميم الذي كان قد أصدره المدير العام السابق يوسف ضيا الرقم 7/2004 بتاريخ 1/3/2004، والمتعلق باحتساب ساعات التعاقد أيام التعطيل القسري، إذ كان الأستاذ يتقاضى أجر الساعة بمجرد حضوره إلى المعهد وتوقيعه على دفتر الدوام، حتى لو لم يدخل الصف دقيقة واحدة. واستعاض التعميم الجديد عن ذلك بأنّه «لا يترتب للأستاذ المتعاقد للتدريس بالساعة، سواء كان موظفاً أو غير موظف، أي تعويض مهما كانت قيمته، إذا لم يقم فعلياً بالتدريس، حتى ولو حضر إلى المعهد».
في المقابل، يترتب للأستاذ المتعاقد، من غير الموظفين، التعويض القانوني المستحق له، عن ساعات التدريس التي قام بتدريسها في خلال فترة الإضراب، على أن يكون هذا التدريس قد حصل بإشراف مدير المعهد ورئيسي الدروس النظرية والتطبيقية. كذلك يترتب للأستاذ المتعاقد من الموظفين (الإداريين وأساتذة الملاك) التعويض القانوني المستحق له عن ساعات التدريس التي قام بتدريسها في خلال فترة الإضراب، فقط إذا أبلغ خطياً المدير العام بواسطة رئيسه المباشر بأنّه غير مضرب عن العمل.
المتعاقدون لم يجدوا أنفسهم متضامنين مع زملائهم المضربين، على خلفية أنّ الزيادة التي قد تطرأ على أجر الساعة غير مضمونة، باعتبار أنّ المادة 12 في مشروع قانون السلسلة لا تؤكد الأمر تماماً، إذ تنص على أن «يُعطى المتعاقدون للتدريس بالساعة في حقل التعليم الرسمي ما قبل الجامعي والتعليم المهني والتقني والتعليم العالي زيادة غلاء معيشة على أن تحدد الأجرة الجديدة للساعة بقرار مشترك يصدر عن وزير المال والوزير المختص بعد استطلاع مجلس الخدمة المدنية».
الوضع الوظيفي الهش وتناقص ساعات التعاقد في كل عام بسبب إدخال متعاقدين جدد وقبض المستحقات مرة كل سنة، كلها أسباب دفعت المتعاقدين إلى عدم المشاركة في الإضراب.
دياب قال لـ «الأخبار» إنّ التعميم كان ضرورياً نظراً إلى المشاكل التي أحدثها الإضراب بين المتعاقدين والأساتذة المُضربين «وقد تلقيت عشرات الاتصالات من نواب الشمال في هذا الخصوص! تصوري مثلاً أن معهداً مثل معهد وادي خالد يضم 200 أستاذ متعاقد والمدير وحده في الملاك، وهؤلاء الأساتذة حضروا جميعاً للتدريس، وكذلك الحال في صيدا وشحيم والصرفند وبتلون والدامور وغيرها، فماذا سنفعل بكل هؤلاء الذين درّسوا في خلال الإضراب، وهل يجوز للمدير أن يقفل بوابة المعهد إذا كان وحدَه مضرباً؟».
ورأى دياب أن الرابطة لا تتمتع بصفة النقابة «وإذا كانوا شاطرين يقنعوا المتعاقدين بالإضراب».
وبينما تتجه الرابطة إلى اتخاذ موقف من التعميم في ضوء الإجتماع الذي عقدته مع دياب، وصف تجمّع الأساتذة المستقلين في التعليم المهني التعميم «بالضربة في الصميم لحرية العمل النقابي المصونة في شرعة حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية، وهو يقضي على عمل الرابطة كأداة نقابية للأساتذة، وما التهديد بقانون الموظفين إلاّ أداة قمع قد عفا عليها الزمن». ودعا التجمع الرابطة إلى الدفاع عن كرامة الأساتذة والقيام بواجبها النقابي في الدفاع عن مصالح من تمثل، لأنه إذا تغاضت عن الموضوع تكون قد أطلقت رصاصة الرحمة على كيانها واستمرارها كمدافع صلب عن حقوق الأساتذة.