تحت الرماد في زحلة، جمرٌ قريبٌ من الاشتعال على أكثر من جبهة. بعد ظهر غد، يُنظم حزب الكتائب احتفالاً تكريمياً للمقاتلين في معركة زحلة (مطلع ثمانينيات القرن الماضي). يحضر الاحتفال رئيس الحزب النائب سامي الجميِّل، وسيُكرّم مئات المقاتلين، فيما كان الكتائب، سابقاً، يكتفي بإقامة قدّاس في هذه الذكرى.
أما قبل الظهر، فـ«المسرح» سيكون للقوات اللبنانية التي تقيم قداساً احتفالياً للمناسبة يرفع الصلاة فيه مطارنة زحلة الأربعة: الكاثوليكي، والماروني، والأرثوذوكسي والسرياني. كان من المفترض أن تكون الصلاة «بعد الظهر، ولكن عُدّل التوقيت لتزامن الاحتفالين»، كما تقول مصادر قواتية زحلاوية. هذه هي الجبهة «الحامية» الأولى. فبحسب مصادر زحلاوية، تُستغل ذكرى معركة نيسان في «شدّ الحبال بين الحزبين». لا تكاد تُرفع الرايات البيضاء بين الحليفين، حتى تُنكس من جديد. تزيد المصادر أنّ «القوات تريد تأمين الحشد الكبير للقداس، خاصة بعد أن أكد الجميِّل حضوره احتفال حزبه، للقول له إنّ القوات يقبض على العصب الشعبي». لا يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل يتعداه إلى محاولة القوات «الضغط على عدد من المقاتلين (السابقين)، الذين انتقلوا إلى صفوفها، من أجل مقاطعة الاحتفال الكتائبي»، على أن تكتفي معراب «بالمشاركة رسمياً ورمزياً». مصادر القوات الرسمية في المدينة ترفض الحديث عن خلافاتٍ، معيدة كما دائماً السبب إلى «الإعلام الذي يُحب اللعب على هذه التناقضات. نحن سنحضر احتفال الكتائب، والنائب إيلي ماروني أكد حضوره القداس».

ماروني: أتصرف كمرشح لأنّ النواب من الثوابت في الكتائب


الجبهة الثانية كتائبية ــ كتائبية، تخمد وتتأجج بين الحين والآخر. يعيد مصدر كتائبي زحلاوي المشكلة إلى «تراجع مستوى العلاقة بين مسؤول إقليم زحلة يوسف أبو زيد وعضو البلدية الكتائبي غسان المر ومجموعة من قادة المجموعات العسكرية في الـ1981 من جهة، والنائب ماروني من جهة أخرى». السبب هو «الاستنسابية في اختيار أسماء المكرَّمين من قبل ماروني». قيادة الكتائب حاولت «إصلاح ذات البين عبر عقد اجتماعات بين مسؤولين في فريق عمل الجميِّل وبين ماروني». قبل يوم من الاحتفال، يرى ماروني في اتصال مع «الأخبار» أنّ الهدف «خلق بلبلة». ينفي كلّ ما تقدّم، مؤكداً أن «الاجتماعات المستمرة من أجل تنسيق الاحتفال. لا يوجد خلاف مع أحد».
المرحلة الأولى من التكريم ستشمل قرابة ٤٠٠ مقاتل «على أن نُكرّم القسم الثاني السنة المقبلة»، كما يقول ماروني. يحلف «برحمة أخي وبيار (الجميل) إنني لا أعرف من هم المكرَّمون»، رداً على اتهامه بالاستنسابية في اختيار الأسماء. فالمكرَّمون اختيروا «وفق معيار العمر».
تزامنت المعلومات مع نشر ماروني على «فايسبوك»، كلاماً يُهدد فيه بأنّ صمته طال، والأسبوع المقبل «سأتحدث وسأكشف المستور وليحصل ما يحصل... لأن صبري نفد». البعض يؤكد أنّ الرسالة موجهة إلى الداخل الكتائبي، فيما يُنقل عن ماروني أنّ المقصودة هي رئيسة الكتلة الشعبية ميريام سكاف.
لا يُمكن فصل الاحتفال غداً عن الاستعداد للانتخابات النيابية. الكتائب الذي يتعرض لـ«حصار» سياسي وانتخابي منذ اتفاق معراب ورفضه للتسوية الرئاسية، يريد توجيه رسالة إلى كلّ من يعنيه الأمر بأنه موجود. الأمر ليس سهلاً، خاصة، في زحلة حيث تحاول القوات احتكار «المقاومة المسيحية». وعلى الرغم من أنّ الانتخابات باتت بحُكم المؤجلة «تقنياً»، إلا أنّ ذلك لم يحل دون إطلاق بعض الكتائبيين لعنانهم في إعلان «طموحهم» إلى الترشح للنيابة. سبقوا «المشورة» الداخلية المُخصصة لاختيار المرشحين إلى الانتخابات النيابية، التي لم يجرِها الكتائب بعد بانتظار صدور قانون جديد للانتخابات.
يحفظ ماروني «حقّ كل شخص بالترشح». هو يلتزم «قرار المكتب السياسي». ولكنه يقول إنّه يتصرف «كمرشح لأنّ النواب من الثوابت في الكتائب. القصة ليست قصة شاب استحلى (النيابة)، بل شغل وكان على الأرض».
قبل فترة، قال أحد المواقع الإلكترونية الزحلاوية إنّ ماروني يؤيد ترشح سيزار المعلوف عن المقعد الأرثوذوكسي. سبق ذلك نَشْرُ الموقع نفسه خبراً عن «طلب الشباب الزحلي» من مُنسق المرصد اللبناني للفساد ومستشار رئيس حزب الكتائب، شارل سابا الترشح إلى الانتخابات عن المقعد الأرثوذوكسي أيضاً. فاعتُبر أنّ ماروني يريد قطع الطريق على سابا الذي لا تربطه به علاقة ثابتة. نائب زحلة يوضح أنّ «الثناء على جهود المعلوف لا علاقة له بالدعم. أنا أدعم من يكون معي على اللائحة، ونرفع رأسنا بكل الأسماء الكتائبية».
المرشح الكتائبي الثالث، عن المقعد الكاثوليكي، هو رئيس إقليم زحلة السابق رولان خزاقة، الذي استقال من منصبه نتيجة خلافات مع ماروني. في بداية آذار، تمكن الجميل من جمعهما في الصيفي، كاسراً الاحتقان بينهما. يؤكد خزاقة لـ«الأخبار» ترشحه إلى الانتخابات، «ولكن إذا كان القانون أكثري فلن أتراجع. وإذا اعتُمدت النسبية فسأعيد النظر، لأنّ معركة الكاثوليك في زحلة صعبة». يريد الترشح لأنه «موجود في زحلة وحركتي معروفة منذ فترة». لا يُنكر «حيثية ماروني الخاصة ووجوده في الساحة المارونية، إنما الشارع وقرار الحزب يُقرران». وإذا كانت حصة الكتائب من المرشحين محصورة باسم واحد، «وكان سابا مرشحاً، فأنا سأكون داعماً له وأموّل حملته الانتخابية».