لم يكد رئيس الجمهورية ميشال عون، في شباط الماضي، يعترف بحاجة لبنان إلى وجود حزب الله لمواجهة التهديدات التي تُحدق بلبنان، حتى أعلنت السعودية «انتفاضتها». كلام الرئيس الذي من المُفترض أن يشغل جبهات العدو الإسرائيلي، أثار انزعاج «الأشقاء» العرب. شكل تصريح عون حجة للسعودية لتعيد علاقتها مع لبنان إلى المربع الرمادي.
ففي بداية آذار الحالي، وخلال اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين، تحفظ المندوب السعودي لدى الجامعة العربية عن بند التضامن مع الجمهورية اللبنانية بالكامل. وأيد السعودية كلّ من الإمارات والبحرين. ولكن، لم يمضِ أكثر من ثلاثين يوماً، حتى سقط بند التحفظ على التضامن مع لبنان في المقررات التي صدرت أول من أمس عن اجتماع القمة العربية. لبنان لم يكتف بهذا القدر، بل تمكن من فرض رؤيته التي وافقت عليها الدول العربية، بتأكيد حقّه في المقاومة.

طالب لبنان بحذف «حزب الله الإرهابي» ليوافق على كل بنود القرار المتعلق بإيران


هذه الخطوة كانت مستغربة بالنسبة إلى مصادر دبلوماسية متابعة لأعمال القمة العربية، ولا سيّما أنه لم يُسجل تراجع في الموقف الخليجي في ما خصّ حزب الله وإيران. فتقدّم الحديث عن حصول مقايضة بين لبنان ودول الخليج تنصّ على قبول الأخيرة بإدراج بند التضامن مع لبنان، مقابل تعهده بعدم التحفظ عن المقررات الخاصة بإيران.
بيد أنّ ما حصل فعلاً هو نجاح جهود الرئاسة اللبنانية ووزارة الخارجية من جهة، ومبادرة الملك الأردني عبدالله الثاني من جهة أخرى. يرأس الأردن القمة طيلة ١٢ شهراً، وهو يريد خلال هذه المدّة أن يتواصل مع المجتمعين الإقليمي والدولي من موقع القوي والوسيط بين الدول العربية. لذلك، لا حلّ أمام الملك الهاشمي سوى القيام بوساطات، تقضي أقلّه بتسكين الصراعات العربية، إن لم تتمكن من حلّها نهائياً. نجحت وساطته بين السعودية ومصر، وبين السعودية والعراق. تعثرت مساعيه بين مصر وقطر. إلا أنّ الدول الخليجية استجابت له حين توجه إليها قائلاً: «إنها المرة الأولى، منذ فترة، التي يُشارك فيها لبنان بهذا الوفد. وهي المرّة الأولى التي يحضر فيها الرئيس اللبناني قمة عربية. فلننهِ المسألة، من دون تأزيم الخلافات العربية وبإسقاط التحفظ حول بند التضامن»، بحسب مصادر لبنانية رسمية. مبادرة الملك الأردني تكاملت مع جهود الرئاسة الأولى وعمل وزير الخارجية جبران باسيل مع وزراء الخارجية العرب لحثّهم على إسقاط التحفظ.
عنصر ثالث صبّ لمصلحة الجهود اللبنانية والأردنية، هو بروز توجه جديد للسعودية وحلفائها، تجسد باللقاء بين عون والملك سلمان بن عبد العزيز على هامش القمة، وبمرافقة الرئيس سعد الحريري الملك السعودي، في طائرته الخاصة، إلى المملكة. قد لا يُبنى الكثير على الخطوتين، إلا أنهما تُعتبران ثغرة في الجدار.
التأكيد على رواية المصادر اللبنانية يأتي من أوراق المقررات الخاصة بالتدخلات الإيرانية في شؤون الدول العربية. فأكد لبنان تحفّظه على البندين ٦ و٧ (يتعلقان باستنكار الدول العربية التدخلات الإيرانية في شؤون البحرين «من خلال مساندة الإرهاب وتأسيس جماعات إرهابية مدربة من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله الإرهابي»). علّل لبنان قراره بأن وصف حزب الله بالإرهابي «خارج عن تصنيف الأمم المتحدة، وغير متوافق مع المعاهدة العربية لمكافحة الإرهاب، وخاصة من حيث التمييز بين المقاومة والإرهاب، وكون حزب الله يمثل مكوناً أساسياً في لبنان وشريحة واسعة من اللبنانيين ولديه كتلة نيابية ووزارية. نوافق على باقي البنود في القرار بالرغم من ملامسة بعضها لقرار النأي بالنفس، وطالبنا بحذف حزب الله الإرهابي لكي تتم الموافقة على كل بنود القرار من دون تحفظ». هذه الأوراق تُثبت أنه لا يوجد مقايضة. وأنّ لبنان بقي ثابتاً على موقفه، متحفظاً على ما يتعارض مع سياسته الداخلية، في حين أن الطرف الآخر تراجع خطوة إلى الوراء.