واضح جداً، بلا مجادلة، أنه لو كانت إسرائيل قادرة على "اجتثاث" تهديد حزب الله، بلا تبعات وأثمان، لكانت أقدمت على ذلك من دون تردد ومن دون مقدمات. فقط الثمن والتبعات وتلقّي الخسائر، هي ما يمنعها ويردعها عن شنّ اعتداءاتها. هذه المعادلة هي نتيجة طبيعية لتعاظم وتطور سلاح حزب الله، التهديد الاستراتيجي الأول، بحسب التأكيدات الاسرائيلية.
لكن أصل وجود السلاح، على أهميته القصوى، لا يكفي ليردع إسرائيل. كي يعطي مفاعيله الردعية، يجب، وهو كذلك، أن يكون مصحوباً بقرار وإرادة حازمة ومتواصلة، لتفعيل هذا السلاح، في الرد على اعتداءات إسرائيل. مصاحبة تفعيل السلاح للسلاح نفسه، هي التي تنتج ردعاً. هما عاملان في منظومة واحدة، وتخلّف أحدهما، ينهي المعادلة، ومن شأنه أن يدفع إسرائيل دفعاً إلى شنّ اعتداءاتها، بلا مقدمات.
مع ذلك، قدرة الطرفين، إسرائيل وحزب الله، على توليد ردع متبادل، لا تعني بالمطلق انتفاء المواجهة بينهما، خاصة إذا كان للحسابات الخاطئة دور في بلورة قرارات تل أبيب، الطرف المعني تقليدياً بتوجيه الاعتداءات وشنّ الحروب.
منذ فترة، عادت الحرب والمواجهة مع حزب الله لتكون أحد المواضيع الرئيسية في الإعلام العبري، وبمشاركة معظم الكتّاب والمحللين الإسرائيليين. قد يكون ردّ فعل إعلاميّ مصاحب لتصريحات ومواقف صدرت أخيراً عن المسؤولين في تل أبيب، هدّد لبنان ومدنييه وبنيته التحتية، موجهاً لرفع مستوى ردع إسرائيل ضد حزب الله والساحة اللبنانية، في زمن تقلص وفشل رهانها على محاصرة حزب الله انطلاقاً من الساحة السورية، التي تتأكد إسرائيل أنه سيخرج منها أكثر قوة واقتداراً، قياساً بالماضي.
إحدى الرسائل الإسرائيلية في الأيام الأخيرة ما ورد في صحيفة "الجريدة" الكويتية، التي وصفتها صحيفة هآرتس بأنها "بوق السلطة في إسرائيل في العالم العربي". بحسب "الجريدة"، أقامت إيران في الأشهر الثلاثة الأخيرة عدداً من المصانع التي تنتج السلاح لحزب الله في لبنان، يشغلها اللبنانيون بأنفسهم: صواريخ يصل مداها إلى 500 كيلومتر، ومن بينها صواريخ بر ــ بحر، ومنظومات ضد الدروع، وطائرات مسيّرة… وغيرها.
الخبر الكويتي في الشكل، والاسرائيلي في المضمون، كان محلاً للتعليق الإسرائيلي الذي لم ينته، ومن بينها تهديدات، وكذلك تحسّر. من بين التعليقات، ما ورد في موقع واللا العبري: "هذا تطور جوهري وغير مسبوق، يكسب حزب الله قدرة تصنيع صواريخ دقيقة، لم تكن لديه مثلها"، مع إشارة الموقع إلى أن الصحيفة الكويتية "شكلت في الماضي قناة لتمرير تقارير وأخبار مصدرها إسرائيل".
صحيفة يديعوت أحرونوت "تساءلت" أمس، في معرض عرضها لخطر حزب الله وصواريخه ودقتها، وبناءً على الصحيفة الكويتية، "صناعتها"، عن السبب الذي يدفع إسرائيل إلى الامتناع عن استهداف الساحة اللبنانية، و"سحق عملية تضخم ترسانته". تجيب الصحيفة عن سؤالها: لا يمكن أن نستبعد أن إسرائيل تقدّر أن هجوماً في العمق اللبناني كردّ على أي خرق للوضع الراهن، سيقود إلى حرب. فـ"التفكير السليم يفرض أن تهاجم من دون أن يؤدي الهجوم إلى مواجهة شاملة".
من جهتها، ذكّرت صحيفة هآرتس، في معرض تعليقها، بتصريحات أخيرة لقائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، المعيّن حديثاً، يوئيل سترايك، وإقراره بأن في حوزة حزب الله ما يقرب من 150 ألف صاروخ، بعضها يغطي كل مناطق إسرائيل، مع التأكيد أنه "لا يوجد ردّ كامل على تهديد كهذا". وبحسب هآرتس، كلام سترايك "اعتراف لائق"، لكنه "مثير للغضب". فكيف حدث أن الجيش الإسرائيلي "الكبير والمرعب" لم يمنع وصول هذه الصواريخ، وبهذه الأعداد، إلى حزب الله؟
تكشف هآرتس، في معرض "لومها وحسرتها" على واقع تهديد تشكّل في الساحة اللبنانية، ما تقول إنه "سياسة الاحتواء" المعتمدة منذ حرب عام 2006، والامتناع عن التسبّب في مواجهة مع حزب الله: لم يكن لدى زعماء إسرائيل "القوة النفسية"، ما بعد الحرب، كي يطلبوا من الجيش الاسرائيلي، الذي شعر في حينه أيضاً أنه مهزوم، منع تهريب الصواريخ وإعادة تسلح حزب الله. وتضيف أن هذه السياسة المتّبعة منذ الحرب، نتيجة لـ"عقلية الاحتواء"، التي تحولت إلى نظرية تبنّتها حكومات إسرائيل والجيش الإسرائيلي، مبنية على ضرورات "التصرف بمسؤولية". و"مثلما حدث عشية حرب يوم الغفران (عام 1973)، عدنا لننتظر أن يوجه العدو الضربة الأولى مع كثير من الضحايا والأضرار. وهي ضربة ستأتي في أعقاب ما يحدث في إيران وسوريا ولبنان وغزة، عاجلا أو آجلاً".
موقع صحيفة يديعوت أحرونوت نقل عن ضابط رفيع في سلاح الجو الإسرائيلي، وأيضاً عن الصناعات الامنية المعنية بتطوير منظومات اعتراض الصواريخ على أنواعها، التأكيد أن "إسرائيل بعيدة عن الاطمئنان حول دفاعاتها في مواجهة الصواريخ"، رغم كل ما لديها. وبحسب هذه المصادر، "يوجد سباق تسلح فعلي وتعلم متبادل وتجارب لا تتوقف برعاية إيران، لكل من حماس وحزب الله، على تطوير صواريخ ونظرية عملياتية قادرة على تجاوز منظومة القبة الحديدة وحيتس ومقلاع داوود والباتريوت والانتصار عليها، في المعارك الجوية للقرن الواحد والعشرين". وأضاف: "جهود حزب الله وحماس في العامين الماضيين تتركز على دقة الصواريخ وفتكها، وليس على أعدادها... ونحن نستعد لمواجهة تهديدات أكبر وأثقل وأكثر فتكاً، رغم أن بعضها ليس موجوداً حالياً، لكنهم في الجانب الثاني يعملون على تطويرها، برعاية إيرانية، للسنوات المقبلة".