الحواجز بين القوات اللبنانية وطرابلس تتهاوى. منذ نحو سنة، تحاول قيادة معراب أن تفرض نفسها «أمراً واقعاً» في المدينة: تشكيلات حزبية جديدة وتسليم المقاليد إلى حزبيين طرابلسيين يعرفون حساسيات مدينتهم، جولات على أحياء طرابلس وتوزيع مساعدات لمختلف مكوناتها الطائفية، ولقاءات مع سياسيي المدينة، وصولاً إلى الإعداد لافتتاح أول مركز لمنسّقية طرابلس في الأسابيع المقبلة.
في السياق، تأتي زيارة وزير الصحة غسان حاصباني لعاصمة الشمال اليوم. الزيارة، في الأصل، عنوانها «صحّي»، للاطلاع على واقع المستشفيات الحكومية في المدينة. إلا أنها ليست منفصلة عن محاولات سمير جعجع فرض نفسه لاعباً في الملعب الطرابلسي. فمنسّقية القوات في طرابلس هي التي أعدّت لزيارة اليوم مع الرئيس نجيب ميقاتي، والوزيرين محمد الصفدي وأشرف ريفي، والجماعة الاسلامية، والمفتي مالك الشعار، ومتروبوليت الروم الملكيين الكاثوليك المطران إدوار ضاهر.
تريد القوات قلب الصفحة الدموية من تاريخها مع آل كرامي عبر تقديم نفسها كحزب خدماتي. ومحاولاتها في الفيحاء لم تلقَ ممانعة أيّ من سياسيي المدينة، باستثناء الوزير السابق فيصل كرامي الذي يعيد التذكير بـ»أننا حذرنا حلفاءنا من أنّ هذه الحركات ستوصلنا إلى افتتاح مكتب للقوات في مناطقنا».
لا تزال قضية اغتيال كرامي، التي أدين فيها جعجع، «العقبة الأخيرة أمام ولوج القوات المدينة»، بحسب أحد الحزبيين المعادين لقيادة معراب. وفي هذا الإطار، روايات عدّة سبقت زيارة حاصباني؛ الأولى، غير رسمية، صادرة عن مسؤول قواتي محلّي بأنّ وزير الصحة «سيزور المستشفى الاسلامي الخيري (الذي أسّسه عبد الحميد كرامي)، بحضور الوزير فيصل». الرواية غير الرسمية الثانية تنقلها مصادر طرابلسية حليفة لكرامي، وتقول إنه خلال لقاء بين «مدير المستشفى عزام أسوم ومنسّق القوات فادي محفوض، اقترح طرف ثالث أن يزور الوزير المستشفى لافتتاح قسم جديد فيه». على ذمّة المصدر، فإنّ كرامي «اشترط أن لا يصطحب حاصباني معه قوات المدينة. ولكنه لم يعد متحمّساً، بعد خبر افتتاح مكتب للقوات».
ينفي مستشار جعجع للشؤون الخارجية والمرشح إلى المقعد الماروني في طرابلس إيلي خوري ذلك. يوضح لـ»الأخبار» أنّ إدارة المستشفى الاسلامي «أرادت أن يزورها حاصباني بعد أن افتتحت قبل ٣ أشهر قسماً للكلى، وسيتم افتتاح قسم للأشعة بعد فترة». اصطدمت رغبتهم بأنّ «الزيارة تقتصر على المستشفيات الرسمية». أما بالنسبة إلى العلاقة مع كرامي، فـ»نحن نقترب بالقدر الذي تريد الناس أن تقترب منا». يعود خوري إلى عام ٢٠٠٤ «حين تحسّسنا تطوراً في ملف توقيف جعجع. كُلّفت بالتواصل مع آل كرامي، وتحديداً فيصل الذي كان يشاور والده (الرئيس عمر كرامي). كان فيصل صادقاً في التعامل معنا. لم نصل إلى نتيجة». من جهته، يعتبر كرامي، كما يقول لـ»الأخبار»، نفسه «متشدداً أكثر من الجميع، وما أقوله في العلن أقوله في السرّ». ولكنه يُميّز بين «مناصري القوات الذين لا يوجد مشكلة معهم وجعجع المسؤول عن الاغتيال».
ردّ كرامي في ما خصّ المستشفى يبدأ من أنه «ليس لدينا أقسام للافتتاح. لا نحن طلبنا ولا هم عرضوا زيارتنا». العلاقة بين المستشفى الإسلامي ووزارة الصحة «قائمة بغضّ النظر عن هوية الوزير». إلا أنّ ما استفزّه أن «يأتي حاصباني إلى طرابلس وكأنه وزير القوات وليس الصحة. هذا الأمر نرفضه»، مع إشارته إلى أنّ «حاصباني حتى الساعة لم يتعامل معنا بكيدية». عتب كرامي، أساساً، «على من همّش المدينة وأفقر أبناءها، حتى بات الضعيف والذي لم يكن قادراً على الدخول حاضراً فيها. أصبحت القوات أمراً واقعاً بعد إعطائها الورقة الخدماتية».
لا يتصور «الأفندي» رشيد كرامي «يغيب عن ضمير الطرابلسيين، فما يحصل في المدينة شكلي. في المضمون، الكل سيُعارض مثلما رفض نواب طرابلس التصويت لجعجع حين ترشح إلى الرئاسة». لا يتوافق ذلك مع رأي إيلي خوري، «منذ فترة ١٤ آذار الناس تتعاطف معنا». البعض ما زال «يتذكر حاجز البربارة. والبعض عالق في ذهنه موضوع كرامي، الناس صادقون في مشاعرهم، ولكن الملف أصبح سياسياً». وهو يؤكد أنّ «العوائق تصغر مع الوقت».
الحراك السياسي سيُترجم بالترشح إلى الانتخابات النيابية. وفي حين يتردد اسم مسؤول رئيس مصلحة الطلاب جاد دميان عن المقعد الأرثوذكسي، يقول خوري إنه «حتى الساعة لا مرشح أرثوذكسياً». خلال الانتخابات البلدية، «كانت قدرتنا التجييرية بالمئات ولم نُعدّ لها كثيراً. مؤكد الآن أنها تتخطى الألف». يبدو واثقاً من نفسه «لأن ساحتنا لا تنحصر بالمسيحيين، وفي ظل تراجع بعض القيادات، الناس ينظرون إلينا كحافظة ١٤ آذار».