على مدى الأشهر الخمسة الماضية، كانت إدارة نادي الغولف تتفاوض مع بلدية الغبيري من أجل تسوية أوضاعها وتسديد الرسوم البلدية. المفاوضات التي كانت تجرى مباشرة أو برعاية الوزير السابق زياد بارود، لم تصل إلى نتيجة، إذ تبيّن أن إدارة النادي تستعمل المفاوضات من أجل التهرّب من الضريبة وتحاول أن تثبت حقوقاً لا تعود لها في قطعة الأرض المجاورة لأرض النادي، والتي استولت عليها منذ تأسيسها، رغم أنها ملك بلدي عام.
بدأت المفاوضات بين إدارة نادي الغولف وبلدية الغبيري، عندما قرّرت بلدية الغبيري، في تشرين الثاني الماضي، حجز أملاك النادي لتهرّبه من تسديد الرسوم المترتبة عليه. وعندما بدأ تنفيذ الحجز، سارع رئيس النادي، رياض مكاوي، إلى زيارة بلدية الغبيري معبّراً عن استعداده للقيام بكل ما يلزم لتسوية الوضع وقدّم اعتذاره عن «ممارسات» العمّال بوجه البلدية ومحاولة منعهم إلقاء الحجز. في هذا الوقت، بدأت إدارة النادي تعمل على محاولة استمالة رئيس البلدية معن الخليل بعروض مختلفة. كان الفشل مصير هذه المحاولات، التي جاءت بالتوازي مع انطلاق المفاوضات بين الطرفين.
في معظم الجلسات التي عقدت، كان هناك إقرار بأن للبلدية حقوقاً. إلا أنه في المراسلات الرسمية، بقي النادي يتذرع بوجود إعفاءات للجمعيات ذات المنفعة العامة. هذه الذريعة استعملت للردّ على عشرات الإنذارات التي وجّهتها البلدية على مدى السنوات الماضية، إذ كانت البلدية تبلغهم بأنهم يشغلون مساحة كبيرة في حي الأوزاعي ــ منطقة الشياح العقارية ضمن نطاق بلدية الغبيري منذ عام 1963 «ولم تسددوا أي رسوم بلدية من أي نوع كان، فضلاً عن قيامكم بتشييد إنشاءات ضمن المساحة التي تشغلونها من دون الاستحصال على أي ترخيص». كذلك طلبت البلدية «إخلاء العقارات العائدة للبلدية فوراً وإلا اضطرت البلدية إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستعادتها بالطريقة التي تراها مناسبة...». ردّ إدارة النادي كان يواظب على الادعاء بأن «النادي هو جمعية رياضية لا تتوخى الربح وأن إشغاله العقار هو لخدمة مرفق عام، ما يعفى من تحمل الضرائب المذكورة».

البلدية استردّت
العقار الذي استولت عليه إدارة النادي
منذ تأسيسه

الأرض التي تستعملها إدارة النادي لبيع خدمات رياضية باهظة الكلفة، مستأجرة من إدارة الطيران المدني بألف ليرة سنوياً، وهي مساحة تمتدّ على 450 ألف متر مربع، ولدى النادي 2400 مشترك سددوا رسوم انتساب تراوحت بين 10 آلاف دولار للأجنبي و15 ألف دولار للبناني، أي أنها حصّلت وسطياً نحو 32 مليون دولار، وتفرض رسم اشتراك سنوي بقيمة 2500 دولار، أي أن لديها دخلاً إجمالياً سنوياً بقيمة 6 ملايين دولار. ولدى النادي مداخيل إضافية من المناسبات المختلفة، سواء الأعراس والحفلات الخاصة والإفطارات، ومن الزوّار الذين يدخلون للانتفاع من منشآت النادي في أوقات مختلفة من دون اشتراك سنوي... فإلى جيوب مَنْ تذهب كل هذه المبالغ؟ والأغرب من ذلك أن إدارة النادي استولت، منذ تأسيسه عام 1963، على العقار 3908 الذي تبلغ مساحته 5200 متر مربع وهو يقع ضمن الأملاك البلدية العامة، وحوّلته إلى مواقف لسيارات الأعضاء وكبار موظفي النادي.
في إحدى المرات، جاء الردّ بأن قطعة الأرض المخصصة مواقف للسيارات تستعمل بموافقة مجلس الوزراء، من دون أن يقدم النادي أي مستند يتعلق بهذا الأمر ولا بموضوع الإعفاء من الرسوم.
هكذا، قرّرت البلدية أن تكلّف النادي برسوم قيمتها 18.4 مليار ليرة حتى عام 2013، ثم جرى تكليف النادي عن فترة ما بعد 2013 بقيمة 7.9 مليارات ليرة، وعندما قرّرت اللجوء إلى تنفيذ الحجز على أملاك الغولف المنقولة وغير المنقولة استناداً إلى القانون 88/60 الذي ينص على أنه «يحق للبلدية إذا لم يسدد المكلف المبالغ المستحقة حجز أمواله المنقولة وغير المنقولة وبيعها بالمزاد العلني»، أذعنت إدارة النادي وطلبت استرحامها وبدء التفاوض معها حول الرسوم المستحقة.
لكن المفاوضات، التي انطلقت بعد ذلك، لم تسفر عن نتيجة نهائية وحاسمة، لا بل إن إدارة النادي أظهرت أنها تريد المماطلة والاستمرار بالتفاوض إلى ما لا نهاية. رهانها قد يكون في محاولاتها المستميتة لاستصدار قرار من مجلس الوزراء يعترف بها كمؤسسة ذات منفعة عامة ويعفيها من الرسوم، إلا أنه حتى اللحظة لم تتمكن من الحصول على مثل هذا المستند. وبين تشرين الثاني وشباط، مسافة أربعة أشهر من المفاوضات لم تسفر إلا عن كتب متبادلة مشابهة للكتب والإنذارات السابقة حين كانت البلدية تطلب تسديد الرسوم، وكان النادي يتهرّب. في هذا الوقت، عملت إدارة النادي على توسيط الوزير السابق زياد بارود، إلا أن الوزير السابق نفسه اكتشف عدم جديّة التفاوض، وأبلغ البلدية أنه سينسحب من المفاوضات إذا واصلت إدارة النادي مسار الإنكار والتعنّت والامتناع عن تسديد الرسوم. وبالتالي، كان لا بدّ للبلدية من القيام بخطوة إضافية، فاتخذ القرار باستعادة العقار الذي استولت عليه إدارة النادي، ونفذت قرارها قبل أيام عند السادسة صباحاً، وهو ما عجّل في عقد اجتماع برعاية الوسيط زياد بارود أول من أمس للاتفاق على قيمة الرسوم. إدارة النادي تفاوض اليوم على قيمة ما يجب عليها دفعه، وعلى البلدية أن تنتزع منها قيمة عادلة ومنصفة لإشغال 450 ألف متر مربع، بينها مطعم ونادٍ رياضي ومسبح وغيرها... التقديرات تشير إلى أن القيمة العادلة يجب ألا تقل عن 500 مليون ليرة سنوياً، أي ما يعادل 5.5% من مداخيل النادي من الاشتراكات فقط. المساواة بين المكلفين تفرض على بلدية الغبيري ألا تذهب الى التسوية للحصول على مبلغ يقلّ عن ذلك، إذ إن سكان الغبيري الفقراء يسدّدون الرسوم، ولم يستولوا على أي عقارات ملكيتها عامة، وليس لديهم السلطة والنفوذ اللذان يتمتع بهما نادي الغولف ومن يقف وراءه.