يقول الرئيس ميشال عون إنه لا يترك مجالاً لأي كيدية تحضر في إدارة العلاقة بأطراف الحكومة. في حالة الخلاف الكبير الذي قام بينه وبين التيار الوطني الحر من جهة، وبين النائب سليمان فرنجية وتيار المردة من جهة أخرى، تجاوز الرئيس عون كل الإشكالات.
وفي مجلس الوزراء، يحرص رئيس الجمهورية على مشاركة وزير المردة يوسف فنيانوس في المناقشات.
قبل تأليف الحكومة، لم يوافق التيار الوطني الحر على منح المردة حقيبة أساسية. وكل المداخلات لم تغير موقفه. حتى قرر الرئيس نبيه بري التنازل عن حقيبة الأشغال، ضمن اتفاق على ألّا تخرج حركة أمل من هذه الوزارة. وتجري ترجمة ذلك بتعاون وثيق بين وزير المردة ووزراء حركة أمل. حتى إنَّ بعض المسؤولين النافذين في الوزارة يأخذون على فنيانوس أنه لم يتخذ إجراءات كانت ممكنة من قبله، لتعطيل قرارات يردد كثيرون أنَّ الوزير السابق غازي زعيتر اتخذها في غير مكانها.
لكن الأهم هو أنَّ القيد الأساسي على فنيانوس ليس من كل هؤلاء. هو يعرف أنَّ وزارته «جسمها لبيس»، ويمكن أن تحصل فيها كل أنواع المخالفات. وهي وزارة يحتاجها النواب والسياسيون للقيام بخدمات كثيرة. لذلك، فإن النائب فرنجية نفسه، أبلغ وزيره من اليوم الأول، بأنه مسؤول أمامه عن أي خطأ يحصل. وشدد عليه مراراً وتكراراً بأنه ليس مضطراً لمراعاة أحد، حتى المقربين من المردة. وأنَّ عليه التنبه إلى أنَّ الخصوم، وهو يقصد هنا التيار الوطني الحر و»القوات اللبنانية»، ينتظرونه على أول مفرق. حتى إذا حصل خطأ، سيجري تكبيره ورميه حجراً في وجه فرنجية.
بناءً على هذه الخطوط الحمر الكثيرة، يعمل الوزير المحامي تحت ضغط كبير. وكما أنه لا يريد ارتكاب خطأ، فهو لا يريد التنازل عن صلاحياته لأحد. لكن المشكلة هي أنَّ خصومه لا يتصرفون على هذا الأساس.

يجري استخدام
أسلوب المخابرات السورية في ترهيب الطرف المنويّ كسره


في الفترة الأخيرة، ناقشته شخصيات وزارية وسياسية من فريق التيار الوطني الحر في مسائل تخص وزارته، بينهم الوزيران نقولا تويني ورائد خوري، ورجل الأعمال الوزير السابق فادي عبود. ويطالب هؤلاء بالحصول على معلومات ومعطيات من وزارة الأشغال، تحت عنوان مكافحة الفساد، أو ملاحقة منتهكي المال العام.
في هذه الأثناء، أطل إلى الواجهة ملف السوق الحرة في مطار بيروت الدولي. وهي السوق التي يستثمرها منذ أواسط التسعينيات، رجل الأعمال الصيداوي محمد زيدان. والأخير تربطه علاقات عمل بالرئيس فؤاد السنيورة في مجال العقارات أساساً. لكن الجميع في لبنان يتصرف على أساس أنَّ زيدان ليس سوى واجهة للسنيورة. مع العلم أنَّ عالم رجال الأعمال يعرف حقيقة الأمر، بما في ذلك خصوم السنيورة.
الحال اليوم أنَّ أرباح السوق الحرة كبيرة جداً. وعائدات الدولة منها، بحسب عقد التلزيم، تبدو قليلة جداً. لكن النقاش القائم من جانب خصوم السنيورة السياسيين، ومن جانب خصوم زيدان من رجال الأعمال، لا يتصل بحصة الدولة، بل بكيفية مشاركته في هذه الأرباح. والبارز، هنا، المناخ السائد لدى الفريق الوزاري التابع للتيار الوطني الحر، الذي يقول منذ اليوم الأول لتشكيل الحكومة إنَّ زيدان يجب أن يخرج من السوق الحرة في أسرع وقت ممكن.
وعلى بعد يومين أو أكثر من إقرار إدارة المناقصات لدفتر الشروط الجديد، تبدي نحو عشر شركات عالمية الاهتمام بالتقدم إلى المناقصة. ولهذه الشركات سماسرة محليون، غالبيتهم من رجال الأعمال القريبين من المرجعيات السياسية النافذة في البلاد. وهؤلاء يسعون إلى إدخال تعديلات على دفتر الشروط، بما يبعد زيدان عن المنافسة من جهة، وبما يسهل أن ترسو المناقصة على شركة دون أخرى. ما دفع وزير الأشغال إلى إقفال الطريق أمام أي نوع من المداخلات. واتخذ قراره، بأن يلتزم دفتر الشروط تماماً كما يتسلمه من إدارة المناقصات. حتى أنه بادر إلى سؤال جهات قضائية في البلاد رأيها في بعض النقاط التي يمكن أن ترد في دفتر الشروط، ليأخذ بها (أو يُسقِطها) مسبقاً. وهو أبلغ جميع من راجعه بأنه غير معني بأحد من المتقدمين، وأن هواجسه تتصل أولاً بأن تحصل الدولة على عائدات أكبر، وهو ما دفعه إلى رفع رسم التعاقد من 2.5 مليون دولار إلى 20 مليون دولار كحد أدنى لأي مزايدة تحصل.
لكن يبدو أنَّ الأمر لم يرُق تماماً بعضَ الوزراء المحسوبين على التيار الوطني الحر. فبادر وزير الاقتصاد رائد خوري، إلى تنظيم محضر مخالفة على خلفية سعر قنينة المياه في المطار، قبل أن يلجأ وزير العدل سليم جريصاتي أمس إلى مطالبة النيابة العامة بالتحقيق في مخالفات مالية ومحاسبية في السوق الحرة. وهو الأمر الذي يلاحقه الوزير تويني ورجل الأعمال عبود، للتدقيق في عمل مديرية الطيران المدني.
لكن الواضح أمران:
الأول: محاولة حشر وزير الأشغال، لأسباب سياسية، أو لأسباب ربما كانت تتصل بالمناقصات الجارية أو المرتقبة في مرافق كثيرة داخل المطار.
الثاني: استخدام أسلوب المخابرات السورية في ترهيب الطرف المنويّ كسره، من خلال رفع سيف محاربة الفساد.
قد تكون منطقيةً مطالبةُ زيدان بالاكتفاء من ربحه في السوق الحرة. لكن المشكلة في أن يكون الهدف أنَّ البعض قرر إبعاد فلان لينعم هو بجنة الأرباح، وعند هذا الحد، يقع المحظور.
لكن، لماذا لا تتركوا وزير الأشغال يقوم بعمله؟ وإذا ما أخطأ، فسندعو معكم إلى نشره على صنوبر بيروت!