يدور التّساؤل، باستمرار، عن موقف المملكة العربية السعودية من الرئيس سعد الحريري. ويبدو هذا التساؤل منطقياً في ظل عدم القدرة على الجزم بنوع التحولات التي تدفع الرياض إلى اتّباع سياسة جافّة تجاه من يُفترض أنهم حلفاؤها.
وإن كانت التحليلات التي تلحق بهذا التساؤل كثيرة ومفتوحة، غير أنَّ أسئلة مشتركة باتت تسبقها «عن أي مملكة تسألون؟ مملكة سلمان بن عبد العزيز أم محمد بن سلمان أم محمد بن نايف أم آخرين؟».
تطلّ المملكة منذ فترة طويلة على رئيس الحكومة بسياسة غير تقليدية يُقرأ فيها الشيء وضدّه، فتدفعه تارة إلى التشاؤم وتارة أخرى إلى التفاؤل. من جهة، يتكفّل سفيرها السابق علي عواض العسيري بالتأكيد أنَّ الحريري هو ابن المملكة، وأنها ترى فيه الزعيم الأول للسنّة في لبنان، ومن جهة أخرى لا تتوانى عن فتح أبوابها لباقي القيادات السنية، باعتبار أنها على مسافة واحدة من الجميع. تبارك له الذهاب إلى تسوية انتخاب ميشال عون رئيساً، وتتمنّع عن دعوته رسمياً لزيارتها. ترسل موفدها ثامر السبهان للتمهيد لعودة سعودية سياسية إلى البلد، ولا تخطو أي خطوة عملية تجاه من يفترض أن يكون رأس حربتها في أي مشروع. فجأة يتصل به وليّ وليّ العهد محمد بن سلمان، فيما سيف دعاوى الدائنين القضائية مصلت فوق رأس شركته «سعودي أوجيه» تحت غطاء ملكي.
في الاجتماع الأخير الذي عقده المكتب السياسي الجديد لتيار المستقبل، في حضور الحريري، لم يتأخر بعض أعضائه عن لفت نظر «الشيخ» إلى صعوبة خوض استحقاق الانتخابات النيابية «فيما نحن عاجزون عن تسديد ما للناس في ذمّتنا من مستحقات». والغريب كان في مسارعة الرئيس الحريري إلى الرد بالقول: «قرّبت... قرّبت». تلا هذا الاجتماع الاتصال الذي أجراه وليّ وليّ العهد السعودي بالرئيس الحريري، وتعمّد السعوديون تظهيره بعد دقائق، عبر وكالة الأخبار السعودية. فما كان من المستقبليين إلا أن ربطوا بين كلام الحريري والاتصال، واستبشروا خيراً. غير أنَّ مرور نحو أسبوعين على اجتماع المكتب السياسي، من دون أي ترجمة فعلية لكلمة «قرّبت»، أدى إلى تراجع منسوب التفاؤل.

أُعلِن الأسبوع الماضي عودة السعودية إلى دعم "المؤسسات الأهلية في لبنان"



«ليس هناك إطار معيّن يُمكن أن نضع فيه هذا الاتصال»، يقول أحد المستقبليين الذين نقلوا بعضاً ممّا سمعوه من سفراء دول الخليج في لبنان. فبعض الخطوات التي قامت بها المملكة تجاه الحريري في الفترة الأخيرة لا تعني أنَّ «السعوديين، وتحديداً وليّ العهد (محمد بن نايف)، تجاوزوا عن الكلام الذي صدر على لسان الحريري بشأنه، كذلك لا يزال وليّ وليّ العهد يضع شركة سعودي أوجيه نصب عينيه». وبما أن لا شيء يمُر في المملكة من دون رضى ملكي، فقد تكون «المذكرة التي صدرت عن محكمة التنفيذ بالرياض ونُشرت في صحيفة الجزيرة السعودية، قد عمّمت على الحدود، وهو ما يمنع الحريري من السفر إلى الرياض من دون دعوة رسمية، واضطره السفر إلى باريس منذ فترة للقاء عائلته». والجدير بالذكر هنا أنَّ الحريري لم يزر الرياض منذ تأليف حكومته، ولو لقضاء عطلة الأعياد مع عائلته.
المتشائمون في تيار «المستقبل» أكثر من المتفائلين. وقد زاد من تشاؤمهم أنَّ كل الصولات والجولات والاتصالات السعودية «ما بتطعمي خبز». وبرأيهم، إنَّ «المملكة تضرّ باستراتيجيتها»، وهذا ما يجعل سفراء بعض دول الخليج «يعبّرون عن استغرابهم من طريقة تعامل السعودية مع حلفائها، إذ لا يُمكنها المحافظة على مواقعها، في ظلّ إمعانها بإضعاف من يمثّلها ويمثّل اتجاهاتها».
لا تنفي الدائرة المقربة من الرئيس الحريري كل ما سبق، لكنها تؤكّد أنَّ «الزيارة التي كان الرئيس الحريري ينوي القيام بها للرياض أواخر الشهر الماضي، يعاد ترتيبها». إلا أنها على الأرجح «لن تحصل قبل عودة الملك سلمان من الإجازة التي يقضيها بين ماليزيا وإندونيسيا، وكذلك زيارة سيقوم بها للأردن». لا يقدّم المقربون من الحريري جواباً شافياً عن سبب «التحامل السعودي» عليه. يقول أحدهم: «لن نستطيع فهم ما لم تفهمه معظم الدول التي نتواصل معها. حتى مسؤولون سعوديون لا يعرفون ما يجري». لكن، على حسب المعطيات التي يقدّمها الحريري في جلساته الضيقة «هناك علاقة طبيعية مع المملكة، لن تعود إلى سابق عهدها بعد التغيّر والتحول الذي أصاب بنيانها السياسي، لكنها على الأقل موجودة وطبيعية».
بحسب مقربين من رئيس الحكومة، فإنه لم يفصح عن تفاصيل اتصال بن سلمان به، لكنه أوحى «بعدم سلبيته ولا ايجابيته». غير أنَّ من الطبيعي ربط الاتصال بزيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير للعراق، لكونهما (الاتصال والزيارة) يأتيان في سياق سياسي واحد، هو «محاولة سعودية جديدة للعودة إلى دول المنطقة». وبدا لافتاً في بيروت الأسبوع الماضي، إعلان تلقي جمعية المقاصد هبة مالية من السعودية. وفيما يشير هذا الإعلان إلى عودة سعودية مالية إلى بيروت بعد فترة من الشحّ، فإن اللافت فيه أنه جرى بعيداً عن الرئيس سعد الحريري. فتسليم الهبة من القائم بالأعمال السعودي وليد البخاري، لرئيس جمعية المقاصد أمين الداعوق، جرى في دار الفتوى، وبرعاية المفتي دريان. وتخلل «الحفل» إعلان عودة السعودية إلى دعم «المؤسسات الأهلية في لبنان». السعودية عائدة إلى بيروت إذاً. لكنّ العودة ليست عبر الحريري، بل من بوابة المؤسسة الدينية. لا أحد يملك تفسيراً دقيقاً لما يجري، باستثناء «التحليل» الذي يقول إنَّ الرئيس الحريري «ليس مستعداً للتصدي لحزب الله إلا سياسياً، ومن داخل مؤسسات الدولة»، ما جعل السعودية غير مستعدة لوضع كل بيضها في سلّته!