لا يكاد يخلو أي اتصال مع كل سجين في سجن رومية المركزي من سؤال عن عفو رئاسي مرتقب. يرصد نزلاء السجون زوّار بعبدا واحداً واحداً، محاولين اقتناص أي خبرٍ قد يحمله أي زائرٍ يتعلق بالعفو. يرقبون حركات وسكنات كل من وزراء العدل والداخلية، لعلّ الكلمة المنتظرة تنزلق فجأة من فم أحدهما لتحقق أمنية ينتظرها المئات.
هكذا أصبح حال السجناء بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، شغلهم الشاغل «العفو العام» و«العفو الخاص». هل سيُصدِر عون عفواً عامّاً؟ من سيشمل بهذا العفو؟ هل سيُستثنى السجناء الإسلاميون منه؟ تزدحم الأسئلة التي يُمطِر بها السجناء المتصلين بهم، ولا سيما موقوفو ملفات الإرهاب أو الموقوفون على خلفية أحداث طرابلس. يحكون عن إمكانية مبادرة الرئيس الجديد إلى إصدار قانون عفو لا يقتصر على المحكومين، إنما يشمل الموقوفين أيضاً. وعلى إيقاع هذه الأخبار، دفع السجناء ذويهم إلى النزول إلى الشارع في ما سُمّي «انتفاضة العفو العام».

العفو سيشمل موقوفين في قضايا إرهاب ممن لم تتلطّخ أيديهم بالدماء


يستعيد السجناء ملفات أساسية كأحداث عبرا وطرابلس وعرسال، ثم يُسِرّون كلاماً كما لو أنه حقيقة واقعة: هل يُعقل أن يعفو عون عن ميشال سماحة ويستثني الباقين؟ ماذا عن منفذي تفجيري مسجدي التقوى والسلام؟ لكن من قال إنّ هناك عفواً عن سماحة؟ سؤال يجيب عنه معظم السجناء بجوابٍ يرونه مقنعاً: «هذا الحديث المتداول في السجن». بالتأكيد لا سند لما يقولون، لكنهم يرددونه. في موازاة ذلك، كشفت مصادر رسمية أن الرئيس عون كان بصدد إصدار عفو عن جرائم محددة. ولعل أحد أبرز أسباب هذه الخطوة هو تخفيف الاكتظاظ في السجون. لكن عدة عوامل أرجأت الأمر، ولا سيما التعقيدات التي تتعلق بعملية الفرز الجنائي للجرائم التي قد يشملها العفو من عدمها. وكشفت المصادر أن البحث تطرق إلى ما إذا كان العفو سيشمل جرائم محددة أو يقتصر على خفض أمد العقوبات في جرائم محددة. وأشارت إلى أن جهوداً تُبذل لتسوية وإنهاء آلاف مذكرات التوقيف التي أوجدت ظاهرة ما يُعرف بـ«الطفّار». وكشفت المعلومات أنّ العفو سيشمل اللبنانيين الفارين إلى فلسطين المحتلة.
وتقول المصادر إنه في حال تعذُّر البتّ في العفو العام بسبب محاذير معينة، قد يُكتفى بعفو خاص في قضايا محددة. أما العفو عن الموقوفين أو المحكومين، فلا تزال تحول دونه عقدة أساسية: هل يُعقل أن يصدر عفو عن جرائم محددة ويُستثنى سجناء قضايا الإرهاب؟ بل هل من يعتقد أن هناك احتمالاً ضئيلاً بأن يُعفى عن أشخاص متورطين بدماء عسكريين أو مدنيين؟
وعليه، إذا كان الجواب لا، يقول سجناء، سيكون «العفو عفواً طائفياً»، مبررين ذلك بأن جميع المحكومين والموقوفين في قضايا الإرهاب ينتمون إلى الطائفة السنية. غير أنّ مصادر مطّلعة على القضية، كشفت لـ «الأخبار» أنّ العفو سيطاول موقوفين في قضايا إرهاب ممن لم تتلطّخ أيديهم بأي دماء. وأشارت إلى أنّ قانون العفو موضوعٌ على نار هادئة، مستبعدة إقرار العفو قبل إجراء الانتخابات النيابية.
مسألة ثانية تتعلق بآلية العفو، إذ إنّ القانون يحصر المستفيدين من العفو بالمحكومين من دون الموقوفين. وتجدر الإشارة إلى أن المادة 150 من قانون العقوبات اللبناني نصّت على أن العفو العام يصدر عن السلطة الاشتراعية ويُسقط كل عقوبة أصلية كانت أو فرعية إضافية. فيما نصت المادة 152 منه على أن العفو الخاص يمنحه رئيس الدولة بعد استطلاع رأي لجنة العفو، ليكون بإبدال العقوبة أو إسقاط مدتها أو بخفضها كلياً أو جزئياً. علماً بأنّ المادة 154 من القانون نفسه تنص على أنه لا ينال العفو من لم يكن قد حُكم عليه حكماً مبرماً، لكن لا يحول وقف التنفيذ ووقف الحكم النافذ دون نيل العفو.