يعكف مصرف لبنان على دراسة المؤثّرات الخارجية. تعميمان من أصل ثلاثة تعاميم صدرت في الشهر الماضي كانت مخصصة لضبط عمل وحدات المصارف اللبنانية العاملة في الخارج. ليس الأمر مجرّد عملية تنظيمية روتينية، فقد كان واضحاً، خلال السنوات الاخيرة، أن المصارف اللبنانية معرّضة للمخاطر في البلدان التي تتوسع إليها.
استناداً إلى آخر المعطيات التي نشرتها جمعية مصارف لبنان، هناك حالياً 18 مصرفاً لبنانياً في 32 بلداً في مختلف أنحاء العالم، ويتّخذ هذا الوجود أشكالاً قانونية عدّة موزّعة كالآتي: 19 مكتب تمثيل، 64 فرعاً مباشراً، 40 مصرفاً يتبع لها ما يزيد على 310 فروع في بلدان تمركزها.
صدر تعميمان في الشهر الماضي، لا يفصل بينهما أكثر من 20 يوماً، يتعلّقان بالوحدات الخارجية للمصارف اللبنانية. التعميم الأول صدر في 7 كانون الثاني ورقمه 447 وهو يتعلق بـ«نظام الحدود القصوى لمخاطر التسهيلات المصرفية». يقول التعميم إنه «على المصارف اللبنانية التأكد من أن مجموع التسليفات الممنوحة من أي وحدة من الوحدات التابعة لها في الخارج، بما فيها الفروع، بغير العملة المحلية والتوظيفات في سندات الدين السيادية وغير السيادية المصدرة في البلد المضيف بغير هذه العملة، لا تتجاوز نسبة 60% من ودائع الزبائن لدى الوحدة المعنية بالعملات الأجنبية غير عملة البلد». وأمهل التعميم، المصارف المخالفة حتى نهاية آذار 2017 لتسوية أوضاعها «تحت طائلة تنزيل التجاوز على النسبة المحدّدة من قيمة الأموال الجاهزة الصافية بالعملات الأجنبية لدى المصرف اللبناني الأم».

صادر: على المصارف اللبنانية العاملة في الخارج الالتزام بمعايير دولية ومتطلبات محلية أيضاً

التعميم الثاني صدر أمس تحت الرقم 449 وهو يتعلق بـ«شروط وتأسيس وممارسة عمل المؤسسات المالية». ويشترط التعميم على كل مؤسسة مالية عاملة في لبنان ومنشأة قبل تاريخ 25/12/2012، وترغب في فتح فرع لها في الخارج بعد تاريخ 31/12/2016 أن تتقيّد بالآتي: «ألا يقل رأسمالها عن سبعة مليارات وخمسماية مليون ليرة وأن تخصص لهذا الفرع مبلغاً قدره ثلاثة أمثال المخصصات المطلوبة لفتح فرع في لبنان وذلك بالإضافة إلى المبلغ الذي تفرضه السلطات المعنية في الخارج».
يتسم التعميم الأول بلهجة صارمة. خلفية هذا الأمر، كما توضح مصادر مصرفية، أن الوحدات الخارجية للمصارف تلقت بعض الضربات خلال السنوات الأخيرة، سواء بسبب انخفاض سعر العملة في البلدان المضيفة، أو بسبب الأوضاع الاقتصادية التي تمر فيها تلك البلدان، أو بسبب الأوضاع السياسية والأمنية في تلك البلدان، ولذلك فقد اضطر مصرف لبنان إلى أن يخصّص جزءاً من الإيرادات التي حققتها المصارف من الهندسات المالية لإطفاء بعض هذه الخسائر المحققة في الخارج. وتشير المصادر إلى ان الانتشار «الثقيل» لبعض المصارف قد تكون له تأثيرات على المصارف الأم في لبنان، وأي تأثير من هذا النوع ستكون نتائجه زيادة في المخاطر التي يحاول مصرف لبنان تجنّبها ويتشدّد اليوم في هذا الأمر أكثر من السابق.
يعتبر الأمين العام لجمعية المصارف مكرم صادر أن الهدف هو تنظيمي وأن هذه الإجراءات تأتي في إطار تنظيم وتنسيق بين السلطات النقدية والرقابية في لبنان والخارج. فالمصارف اللبنانية العاملة في الخارج، عليها الالتزام بمعايير دولية ومتطلبات محلية أيضاً، وبالتالي فإن وجودها في أكثر من 30 بلداً لا يفرض عليها اتباع أكثر من 30 نظاماً مختلفاً بمعايير متفاوتة، وهذا الأمر يجري تنسيقه بين السلطات النقدية والرقابية في لبنان والخارج بصورة متواصلة من خلال مذكرات تفاهم، وبحسب طبيعة العلاقة المشار إليها بين لبنان والخارج. يقول صادر: «بشكل عام، إن وجود المصارف اللبنانية في الدول المتقدمة والمتطورة يفرض عليها اتباع معايير هذه البلدان ومجاراة هذا التطور، أما في الدول التي ليس لديها نظام مصرفي متطور أكثر من الموجود في لبنان، فنعمل على أن تتبع المعايير المتبعة في لبنان».