في الثامن عشر من الشهر الجاري، افتتحت شركةBike For All، أمام بلدية بيروت، أولى محطّات مشروعها الجديد القاضي بإدخال نظام تشارك الدرّاجات الهوائيّة إلى لبنان، والذي ستنفّذه تحت إشراف بلدية بيروت ومؤسّسة Beirut By Bike، علماً بأن التخطيط له بدأ منذ نحو سنتين مع محافظ المدينة القاضي زياد شبيب.
يقضي المشروع بإنشاء 25 محطّة تغطّي مداخل 23 كليّة مُنتشرة في بيروت والمناطق المزدحمة فيها، بسعة 10-12 درّاجة هوائيّة لكلّ محطّة (250-300 درّاجة)، بكلفة تصل إلى 400 ألف دولار أميركي تتحمّلها الشركة المنفّذة مقابل إعطائها حقّ إشغال الأملاك العامّة مجاناً، على أن تستحدث البلديّة ممرّات خاصّة للدارجّات بعرض 80 سنتيمتراً على أربعة مسارات، هي: 1- بلس. 2- الحمرا مروراً ببرج المرّ. 3- عين المريسة والمنارة، ومسار رابع تلتقي فيه المسارات الثلاثة الأولى في الحمرا، وصولاً إلى الصنائع ومروراً بقريطم، على أن لا تتجاوز المسافة بين محطّة وأخرى ربع ساعة. ويترافق ذلك مع تحميل تطبيق خاصّ لتحديد مواقع توافر الدرّاجات لحجزها، موصول بنظام الـ GPS لتحديد المواقع، وتطبيق Next Bike العالمي لحجز الدرّاجات. من المُفترض إطلاق المشروع الذي يقوم وفق نظام الـ PPP (شراكة بين القطاعين العامّ والخاصّ) في أيار المقبل، أمّا الأسعار فمحدّدة بقيمة 5 آلاف ليرة للساعة الواحدة و25 ألف ليرة ليوم كامل، كما هو مدوّن على المحطّة التجريبيّة، على أن يكون الدفع عبر بطاقات الائتمان أو الاشتراكات الشهريّة والسنويّة.

حلقة احتكار منظّمة

يكاد يكون المشروع الحالي نسخة غير مطوّرة عن مخطّط قديم عملت عليه بلدية بيروت مع مجلس ile de france خلال التسعينيات، في عهد رئيس البلدية السابق، عبد المنعم العريس، بهدف تطوير سياسة النقل الحضري الصديق للبيئة. قضت الدراسات يومها بإنشاء خطّ تجريبي يمتدّ من قصر الصنوبر إلى الواجهة البحريّة يتضمّن مسارات للدرّاجات الهوائيّة بهدف تخفيف زحمة السيّارات وإعطاء الأولويّة للمشاة، إلّا أن المشروع وضّب ووضع في "الجوارير" بحجّة وجود إشكاليات مع المؤسّسات المترامية على أطراف الشارع المُفترض، ليحلّ مكانه مشروع محطّات الدرّاجات، وذلك حتى قبل التفكير بتطوير الطرقات وثقافة النقل الحضري.
بحسب السجل التجاري، إن شركة Bike For All مملوكة من جواد سبيتي وهو نفسه رئيس جمعيّةBeirut By Bike التي تؤجّر الدرّاجات الهوائيّة في بيروت وتغطّي معظم نشاطات الدرّاجات في لبنان منذ عام 1997، ومؤسّسة "تامر هولدينغ" لصاحبها غابي تامر الذي يُعدّ أحد أكبر وكلاء الدرّاجات الهوائيّة في لبنان، ومورّد Beirut By Bike الأساسي. أمّا المشروع الجديد فهو استكمال لمسيرة منظّمة من الاحتكارات تقودها "سوليدير" منذ أكثر من عقدين من الزمن. إذ لطالما عدَّ سبيتي، المحسوب على تيار المستقبل، الواجهة لسوليدير في مشروع تأجير الدرّاجات الهوائيّة في بيروت، بعدما استحصل على أرض على مدخل الـ Biel ومُنعت جمعيّات عدّة وتجّار درّاجات من الدخول إلى بيروت، لمصلحة سبيتي وتامر، نظراً إلى غياب الشفافيّة في عقد الاتفاق.

سبيتي والمحافظة: المشروع إلنا لأ مش إلنا!

ينحصر دور بلدية بيروت بمراقبة تنفيذ المشروع وإعداد مسارات الدرّاجات، كون صيغة الاتفاق سبق أن خطّت بين سبيتي ومحافظ بيروت، ومن المفترض إنهاؤه خلال أشهر. يقول عصام قصقص، مستشار محافظ المدينة، إن "المحطّة التي أنشئت قرب البلدية تجريبيّة ولم تُشغّل بعد، كون هناك تفاصيل لم يتمّ الاتفاق عليها، ومن ضمنها تحديد الأسعار وشروط الاستثمار وفق نظام الشراكة مع القطاع الخاصّ، على أن تكون ساعة الإيجار الأولى في السنة الأولى مجانيّة، وكذلك كلفة إشغال الأملاك العامّة كي لا تزيد تكلفة تشغيل المشروع الذي نريد له النجاح".

يقضي المشروع بإنشاء
25 محطّة بسعة 10-12 درّاجة هوائيّة لكلّ منها


المشروع لم يخضع لأي مناقصة أو استدراج عروض، لكن بالنسبة إلى قصقص: "رسا الخيار علىBike for All، وهي أخذت وعداً منا لتنفيذ المشروع دون غيرها، كونها قدّمت عرضاً متكاملاً ولم تشترط إغلاق بعض الطرقات والمسارات، ولأن كلفة التنفيذ تقع على عاتقها كاملة، فنحن نسعى لإقامة مشروع حضري في المدينة لا مجرّد نشاط ترفيهي".
أمّا جواد سبيتي فينفي، في المقابل، إنجاز أي اتفاق يسمح له بتنفيذ المشروع، ويقول "ركّبنا المحطّة التجريبيّة لاستقطاب مموّلين للمشروع، وخصوصاً أن شركتنا صغيرة ولا قدرة لنا على تحمّل تكاليف تصل إلى 400 ألف دولار".

مشروع تجاري أم نقل حضري؟

تحوم حول مشروع محطّات الدرّاجات الهوائيّة مجموعة من التحفّظات باعتباره سياحياً أكثر منه تثقيفياً وتمهيدياً لتطوير نمط الحياة المدينية وتخفيف تكاليف الفواتير البيئيّة والصحيّة والماليّة، وذلك: 1- لغياب الشفافيّة حول كيفيّة تلزيم المشروع. 2- غلاء الأسعار في مقارنة مع التعرفة المعمول فيها في الدول الأوروبيّة. 3- غياب ثقافة التنقّل عبر الدرّاجات الهوائيّة واحترام سائقها على الطرقات. 4- غياب البنى التحتيّة المجهّزة لاستقبال مشروع مماثل. 5- هدر الأموال على دراسات مشروع ile de france والتغافل عن تنفيذه. يختصر منسّق جمعية بلدتي شاكر نون المشروع بكونه "عمليّة احتلال منظّمة للمساحات العامّة في بيروت تقودها شركة تجاريّة خاصّة تحت عنوان نشر ثقافة الدرّاجة، بدأت بمنحها حصريّة تأجير الدرّاجات وصولاً إلى تنفيذ مشروع المحطّات حصرياً معها بما يمنع المنافسة، وذلك بغطاء من السلطة المحليّة والسلطة التنفيذيّة التي تغافلت لأكثر من عشر سنوات عن مطالب ومشاريع إنشاء ممرّات للمشاة والدرّاجات في بيروت". إلى ذلك، يستبعد نون أن يكون المشروع مخصّصاً لذوي الدخل المحدود أو لتشجيع النقل الصديق للبيئة، بما ينقل بيروت إلى مصاف المدن الخضراء، وذلك نظراً إلى التعرفة المرتفعة المعرّف عنها (25 ألف ليرة لليوم الواحد، و5 آلاف للساعة) مقارنة مع تلك المعمول بها في دول أوروبيّة أخرى، إذ تبلغ في إسبانيا 50 يورو سنوياً، وفي ستوكهولم 47$ شهرياً، و90$ في تورونتو سنوياً، مشيراً إلى أن البداية تكون بإنشاء خطوط للدرّاجات وتحديد المسارات على الأرصفة والطرقات، وضخّ هذه الثقافة وتوعية الناس تمهيداً لتنفيذ مشروع مماثل، على أن يكون شبه مجاني ليستقطب الناس.




المشروع نفسه في جبيل

أطلقت شركة Bike for All المشروع نفسه في مدينة جبيل، حيث نصبت ست محطّات لتغطية الطرقات الحيويّة في المدينة بتمويل من مصرف IBL، وذلك وفق منظومة كاملة تسمح باستئجار الدرّاجة مجاناً خلال الساعة الأولى وذلك خلال السنة الأولى من بدء تشغيل المحطّات. فيما يتمّ التواصل مع بلديات أخرى مثل البترون وصيدا وصور وطرابلس لتطبيق النظام فيها.





أنظمة تشارك الدرّاجات

ينتشر نظام تقاسم الدرّاجات، راهناً، في أكثر من ألف مدينة حول العالم، بحسب معهد Earth Policy Institue، علماً بأنه نظام معمول به منذ منتصف ستينيات القرن الماضي (1965)، ويقوم على إتاحة الاستخدام المشترك للدرّاجات للأفراد لأجل قصير، بحيث يعمد الفرد الى اقتراض الدرّاجة من محطّة "أ" وإعادتها في محطّة "ب"، ومعظم النظم المستخدمة تسمح باستخدام الدرّاجة مجاناً لأول 30-45 دقيقة، بهدف تشجيع وسائل النقل الصديقة للبيئة. وهي تستعين بتطبيقات بإمكان الفرد تحميلها على هاتفه لتحديد مواقع المحطّات القريبة من مكان وجوده، وعدد الدرّاجات المتاحة للاستخدام فيها.
ينمو هذا القطاع في شكل كبير منذ بداية عام 2000، وتتقاسم حصص أعماله البرامج التي تديره، يعدُّ برنامجا وهان (يشغّل 90 ألف درّاجة) وهانغتشو (60 ألف درّاجة) الصينيان الأكبر في العالم، وبرنامج فيليب الفرنسي (18 ألف درّاجة) الأكبر خارج الصين.
في عام 2014، كانت أنظمة تشارك الدرّاجات متاحة في 50 دولة في خمس قارات، بما في ذلك 712 مدينة، تعمل فيها أكثر 800 ألف درّاجة في أكثر من 37 ألف محطّة. ينقسم هذا النظام الذي يدخل في خانة النقل المشترك إلى فئتين: 1- برامج تنظّمها الجمعيّات الأهليّة التي لا تبغي الربح والمجتمع المدني. 2- برامج ذكيّة تنفّذها الجهات الحكوميّة، أو القطاع الخاصّ بشراكة مع القطاع العامّ. ومن أهدافها الرئيسيّة تأمين وسائل نقل صديقة للبيئة بديلة من وسائل النقل التقليديّة، ذات تكلفة منخفضة، توفّر في الفواتير البيئيّة والصحيّة والاقتصاديّة، ومتاحة لكلّ الطبقات الاجتماعيّة، على أن تساهم في حل أزمات المرور والازدحام في المدن.