صدّق مجلس النواب في جلسته التشريعية الأخيرة اقتراح القانون الرامي إلى نقل قرية البداوي إلى قضاء طرابلس، سالخاً إياها عن قضاء المنية ـ الضنية الذي كانت من ضمن قراه الـ48، لكن الحقيقة هي أن البداوي لم تنقل إلى قضاء طرابلس إنما أعيدت إليه، بعدما سُلخت عنه قبل نحو 57 عاماً.إثر انتخابات عام 1960، نقلت البداوي من قضاء طرابلس إلى قضاء المنية ـ الضنية الذي كان يُعرف حينها بقرى قضاء طرابلس، بعدما وقفت طرفاً في الصراع الذي نشأ بين القوى السياسية في المدينة حينها، وكانت البداوي إحدى ضحاياه.

طوال السنوات التالية عانت البداوي الكثير، وأهملت على مختلف الصعد. يوضح رئيس بلديتها الحالي حسن غمراوي لـ»الأخبار» أن «هويتنا ضاعت طيلة تلك السنوات، فقضاء طرابلس تعامل معنا بعدها على أننا من قضاء آخر وأدار لنا ظهره، وقضاء المنية ـ الضنية تعامل معنا أيضاً بالطريقة نفسها. وما زاد الأمر غموضاً وإرباكاً أن البداوي كانت موجودة إدارياً في قضاء المنية ـ الضنية، لكنها في الوقت ذاته عضو في اتحاد بلديات من قضاء آخر هو اتحاد بلديات الفيحاء، الذي يضم طرابلس والميناء والبداوي».
يشير غمراوي إلى أن البداوي «تربطها بطرابلس مصالح كثيرة ومصاهرات وتداخل بين الأحياء، التي لا يفصل بينها إلا شارع أو زقاق، وهي بمثابة ضاحية شمالية لمدينة طرابلس. كانت طيلة سنوات ما قبل الحرب الأهلية مصيفاً رئيسياً لأهلها، الذين كانوا يقصدونها للتنزه لهوائها العليل، وإقامة الحفلات والولائم حول بركة البداوي الشهيرة، التي اختفت مياهها في عام 1973 بعد قيام شركة نفط طرابلس، حيث توجد المصفاة، بحفر آبار جوفية في المنطقة».
هذا الترابط بين البداوي وطرابلس يظهر بوضوح على الأرض، ذلك أن أحياء باب التبانة وجبل محسن تكاد تضيع حدودها الشمالية المتداخلة مع أحياء البداوي ووادي النحلة والمنكوبين، عدا عن مخيم البداوي الذي يقع ضمن هذه الكتلة الباطونية الضخمة التي تتميز بكثافة سكانية كبيرة وبواقع خدماتي وإنمائي ومعيشي هو الأضعف في الشمال ولبنان.
يرى غمراوي أن البداوي «تأخرت في عودتها إلى مكانها الطبيعي، وأن هذه العودة كانت نتيجة مساعي وجهود كبيرة من قبل فاعليات البداوي ونواب وفاعليات طرابلس، الذين أيّدوا عودة البداوي إلى طرابلس»، لافتاً إلى أن «قانون عودتها استغرق سنوات عدة في مجلس النواب، بعدما أُشبع درساً في اللجان النيابية المختصة واللجان المشتركة قبل إقراره في الهيئة العامة أخيراً».
لكن البداوي لم ترجع لوحدها إلى حضن طرابلس، فقد عادت معها قرية وادي النحلة المجاورة، وهي قرية كانت ضمن نطاق البداوي الإداري والبلدي، قبل أن تنفصل عنها في الانتخابات البلدية الأخيرة وتستحدث فيها بلدية مستقلة. وخلال مناقشة قانون نقل البداوي إلى طرابلس، جرى إدخال تعديل عليه بحيث أضيفت وادي النحلة إليه.
إيجابيات عودة البداوي إلى طرابلس «ستكون كبيرة»، على حدّ تعبير غمراوي، الذي يلفت إلى أن «أولى بوادرها أن نواب وسياسيي طرابلس باتوا يترددون إلى المنطقة بكثرة لتقديم التعازي، بعدما كنا لا نراهم إلا نادراً»، راداً الأمر لأسباب انتخابية، خصوصاً أن البداوي تضم نحو 7 آلاف ناخب.
على هذا الأساس يرجّح غمراوي أن «الاهتمام سيكون أكبر، وهو ما بدأنا نلمسه من السياسيين الذين باتوا يسألون عن حاجات البداوي ومشاريعها للمساعدة في تنفيذها»، إلا أنه يوضح أن البداوي «التي يوجد فيها تنوّع سياسي، وغير محسوبة على طرف دون غيره، فإن أغلب فاعلياتها توافقوا على أنها ستقف إلى جانب من يقف إلى جانبها، ويخدمها ويلبي احتياجاتها».