لم يكد يجفّ حبر اتفاقية بيع شركة «فورتشونا» من محمد حسين العامودي إلى شركة «ليكوي غروب»، حتى ادّعت «بي بي إينرجي» على العامودي أمام القضاء، مطالبة باعتبار الصفقة قناة لتهريب العقار 23 ـــ برج حمود والذي يمثّل ضمانة لاستيفاء دين قيمته 125 مليون دولار مستحق لشركة «بي بي اينرجي» بذّمة شركة «سامير» في المغرب، والتي يملك فيها العامودي حصة نسبتها 67.27%. الجولة الأولى أمام القضاء أفضت الى تثبيت الحجز على العقار المذكور ولا يتوقع حسمٌ القضية قريباً في جولة الاستئناف التي انطلقت أخيراً.
ملكيات العامودي للبيع

تعود هذه القصّة إلى أشهر مضت، عندما عرض رجل الأعمال السعودي محمد حسين العامودي شركة «فورتشونا هولدنغ» والشركات التابعة لها للبيع. و«فورتشونا» المملوكة من شركة «مورونشا»، مسجّلة في جزيرة مان وتملك 100% من أسهم «كورال أويل ليمتد» المسجّلة في بريطانيا و100% من شركتي «سبيد» و«سبيد كومباني»، و100% من أسهم «ذي كورال أويل كومباني ليمتد» المسجّلة في لبنان. أما الشركة الأم، أي «مورونشا»، فيحمل العامودي 100% من أسهمها، وهي تملك عبر سلسلة شركات أخرى، ما نسبته 67.27% من الشركة المغربية لصناعة التكرير «سامير» في المغرب.
العروض التي تقدّمت لشراء «فورتشونا» كان بينها عرضان جديان. الأول يعود إلى شركة «ريغاتا انفستمنت انك» المسجّلة في بنما، والتي يعدّ بهاء وأديب البساتنة من أبرز مساهميها. العرض الثاني يعود إلى شركة «ليكوي غروب» المسجّلة في لبنان باسم أوسكار وادكار وانطونيو يمّين. العائلتان تعملان في مجال تجارة النفط. فالبساتنة يشتهرون بأنهم ينقلون كل بواخر الفيول أويل والمازوت المورّد لمؤسسة كهرباء لبنان، ولديهم شركة «هيبكو» التي تملك عدداً من محطات المحروقات، واشتروا في السنوات الأخيرة حصّة وازنة من شركة «كوجيكو». أما الأشقاء الثلاثة من عائلة يمّين فهم يعملون في استيراد البنزين والمازوت الأخضر لبيعه في السوق المحلية.

الفوز بلا «Due Diligence»

إذاً، التنافس كان قائماً للفوز بهذه الصفقة. وبحسب مستندات حصلت عليها «الأخبار» فإن العرضين كانا على الشكل الآتي:
ـــ تقدّم البساتنة بعرضهم من خلال شركة «ريغاتا»، وطرحوا شراء «فورتشونا» وكل ملكياتها، ولا سيما 79889 متراً مربعاً من العقار 23 برج حمود، وشركة سبيد أويل في لندن وشركة سبيد أويل في لبنان، وكورال أويل في لندن وكورال أويل في لبنان، وكل أصول هذه الشركة وأعمالها ومطلوباتها، والرخص التي تحملها وغيرها، مقابل مبلغ 110.5 مليون دولار يدفع منه مقدّماً 10 ملايين دولار خاضعة لعملية تدقيق في الموجودات والمطلوبات المقدّمة من البائع (Due Diligence) وتوضع في حساب محمد العامودي، على أن يدفع المبلغ الباقي وقيمتة 100.5 مليون دولار عند إنجاز البيع النهائي. ويشترط البساتنة على العامودي أن يفتح لهم حسابات الشركة بكل ما فيها للاطلاع لفترة ستة أسابيع بعدها يتم تسليم الشركة وعقاراتها وأصولها البحرية وغيرها.
ـــ عرض يمّين ينص على شراء «فورتشونا» مقابل 105 ملايين دولار لا يخضع أي منها لأي عملية تدقيق ويكون منها 10 ملايين دولار دفعة مقدّمة غير قابلة للاسترجاع، ودفعة ثانية بقيمة 91 مليون دولار يوم إنجاز عملية البيع، و4 ملايين دولار تدفع بعد 18 شهراً. وفي المقابل، على البائع أن يسلّم لشركة «ليكوي غروب» كل ملكيات «فورتوشنا» بما فيها العقار 23 في برج حمود، خال من أي رهن أو إشارة أو حجز، وتسليمها معامل الزيوت وحصصها من بيع كاز الطيران، وأن تقوم الشركة بإنهاء عقد المدير العام وتحمّل كلفته... وذلك من دون أي شروط متعلقة بالتدقيق بالموجودات والمطلوبات.
العامودي رأى أن عرض يمّين متوافق مع مصالحه أكثر من عرض البساتنة، الذي يفرض عليه الخضوع لعملية تدقيق ستظهر الكثير من «وحول» الشركة وديونها، وبالتالي سيطالب البساتنة بحسمها من قيمة الصفقة النهائية، فيما يأتي عرض يمّين مناسباً لقبض الثمن كاملاً من دون أي تدقيق. في حسابات يمّين يعلم أن ديون كورال في السوق تبلغ 18 مليون دولار، وأن مشاكلها الإدارية واسعة، لكن لديها نقاط قوّة يحتاج إليها من أجل بنية الشركة التي يريد توسيعها.

ورقة البساتنة

فوز يمّين بالصفقة أشعل الصراع مع البساتنة. كل الوساطات والتدخلات التي حصلت من «زملاء» تجار نفط، ومن بعض رجال أعمال، باءت بالفشل. البساتنة أصرّوا على تعطيل الصفقة. كانت لديهم ورقة واحدة، فاستعملوها. البساتنة، بملكيتهم شركة «بي بي اينرجي»، ادعوا أمام القضاء اللبناني بأن شركة «سامير» المغربية مدينة لهم بمبلغ 125 مليون دولار وهو أمر مثبت بقرار قضائي صادر عن محكمة بريطانية، وأن هذه الشركة يملكها العامودي الذي قام بتهريب العقار 23 برج حمود، واتهموا العامودي بأنه يقوم بعملية احتيال وتهريب أموال، وطلبوا إلقاء الحجز على هذا العقار لضمانة حقوقهم.
طغى القرار القضائي على كل ما عداه. فالعقار 23 برج حمود هو بمثابة «القلب النابض» لشركة «كورال أويل»، ولا يمكن إتمام أي صفقة بدونه، فهو ليس ذا قيمة عقارية كبيرة فحسب، بل هو ذو قيمة استراتيجية في مجال تجارة النفط لأنه يحوي خزانات للنفط على مساحة تبلغ 79889 متراً مربعاً وتتسع لنحو 60 ألف طن محروقات.

ضغوط وتناقضات

المشكلة أن القرار القضائي الصادر عن رئيس دائرة التنفيذ في بيروت، القاضية غادة عفيف شمس الدين، لم يكن متيناً، بل تضمّن الكثير من التناقضات، التي دفعت عدداً من رجال الأعمال للشك بوجود دوافع تجارية ــــ سياسية له، ترتبط بشراكة البساتنة مع النائب وليد جنبلاط في شركة كوجيكو. فمن جهة، أقرّت شمس الدين أن ملكية العامودي في المغرب منفصلة عن ملكياته الأخرى، مشيرة إلى أن «تبعاً للمبادئ القانونية الأساسية التي ترعى الشركات أو الأشخاص المعنويين، فإن الشركة (كورال أويل) تتمتع بذمة مالية مستقلة، وبذلك فإن الذمة المالية لشركة سامير المغربية المدينة بموجب الحكم الصادر في بريطانيا هي بالتأكيد مستقلة عن الذمة المالية لكورال أويل، وتبعاً لذلك فإن شركة كورال لا تُسأل عن الدين المحكوم به من قبل محاكم بريطانيا على شركة سامير المغربية بذاته كونها غير مدينة به»، إلا أنها تجاهلت اتفاقية البيع التي تنصّ على أن شركة «ليكوي غروب» تشتري أسهم شركة «فورتشونا»، وأوحت بأن هناك علاقة ما بين الدفعة الأولى المقدمة من ليكوي غروب للعامودي، وتهريب العقار 23 برج حمود الذي يريد البساتنة الحجز عليه ضمانة لتحصيل دينهم على العامودي في سامير. ولذلك خلصت بأن «العامودي بدلاً من تسديد الدين المترتب على شركته يقوم ببيع العنصر الأهم في الذمّة المالية لإحدى شركاته الأخرى».

استأنفت شركة «كورال أويل» المعركة القانونية أمام قاضي محكمة الاستئناف في بيروت


يعتبر بعض المتابعين أن وجود ذمم منفصلة يلغي كل بحث في هذه القضية، وخصوصاً أن العرضين المقدّمين من البساتنة ومن يمين محصوران بشراء أسهم شركة فورتشونا. وبالتالي فإن بيع أصول وموجودات «ذمّة مالية»، بما تملكه من عقارات، أمر لا يوحي بعملية تهريب أموال أو عقارات، إلا أن القاضية اعتبرت أن العامودي يتصرّف بما له حق التصرّف به إنما دون تسديد ديون شركته، مما قد يوصف بإفقار الذمة المالية أو تهريب الأموال بقصد عدم إيفاء الدين. وبحسب استئناف شركة كورال، فإنه «من المستغرب أن يصدر قول كهذا عن مرجع قضائي يفترض به أن يدرك أن الشركة المغربية هي شركة مساهمة وليست مؤسسة تجارية فردية».

الكلمة للاستئناف

البساتنة الذين فازوا بهذه الجولة القضائية قالوا أمام زملائهم من رجال الأعمال، أن الهدف من العملية هو ضمان حقوقهم على العامودي حصراً. إلا أن المعطيات المتداولة بين تجار النفط تشير إلى أن تعطيل الصفقة هو الهدف، لأنها تتصل بالصراع على السوق النفطية المحلية وهي ستمنح الفائز حصّة سوقية وازنة فيها أرباح طائلة.
في المقابل، استأنفت شركة «كورال أويل» المعركة القانونية أمام قاضي محكمة الاستئناف في بيروت، القاضي سهيل عبّود. قدّمت مطالعة قاسية أشارت فيها إلى أن «المرجع الابتدائي تعاطى بخفة وسطحية وتسرّع مع الملف سواء في مرحلتي إلقاء الحجز أو البتّ بالاعتراض». كذلك، تبيّن أن شركة سامير المغربية مفلسة بقرار قضائي صادر في عام 2015، وأن حقوق دائنيها مثبتة بقرار من محكمة بريطانية لمئات الدائنين، وأن هناك حارساً قضائياً على هذه الشركة وهي موضوعة قيد التصفية. الحارس القضائي أعلن في 27 كانون الأول أنه تلقى عرضاً بقيمة 3 مليارات دولار من مجموعة أجنبية، أي ما يفوق مجموع قيمة ديون سامير لعشرات الدائنين وبينهم البساتنة. ديون سامير تقدّر بنحو 2.2 مليار دولار.
وفيما لاحت بوادر انتهاء أزمة شركة «سامير» تستمر المعركة في لبنان. هي ليست معركة قضائية عادية، بل هي تصب في صلب الصراع على الحصص السوقية في تجارة النفط، وتدخل فيها السياسة من بابها الواسع، ويخضع القضاء فيها لضغوط كبيرة.




البساتنة: حقنا الطبيعي المطالبة بديوننا

يقول وليد البساتنة لـ "الاخبار" إن تقديم عرض لشراء شركة "فورتوشنا" كان هدفه "تحصيل حقوقنا من العامودي الذي يحتال على الجميع ويتهرب منا منذ أشهر". ويشير إلى أنه لو فاز بالصفقة لكان استعاد جزءاً من الديون، "إذ كان العامودي عندها مجبور على التفاوض معي. المشكلة ليست مع عائلة يمين بل مع العامودي، وحقنا الطبيعي أن نطالب بديوننا". ولا ينكر البساتنة أن هناك ضرراً وقع على يمين "لكننا عرضنا عليهم الاتفاق ولم نتفق". أما بالنسبة إلى شركة كورال "لدينا علاقة معها لأننا نورد لها المنتجات النفطية".





لا سرية مصرفية

لفت في ادعاء شركة «بي بي اينرجي» على محمد العامودي بارتكاب جرم الاحتيال وتهريب الأموال ما ورد عن أن «العامودي قبض ثمن العقار البالغ 10 ملايين دولار، باسمه الشخصي وأودعه في حسابه المصرفي وفق التفصيل التالي: شيك عن مصرف البنك اللبناني الفرنسي يحمل الرقم 21338، وقد قام المدعى عليه محمد العامودي بإيداع هذا الشيك في حسابه الشخصي بتاريخ 8/10/2016 لدى بنك عوده، فرع باب ادريس تحت الرقم /67243046200200404/ وليس في حساب الشركة المعترضة». القصة هنا لا تتعلق بأصل الموضوع في الشكوى، بل بقدرة المدّعي على الوصول إلى الحسابات المصرفية الخاضعة لقانون السرية المصرفية، والتي يتطلب كشفها قراراً قضائياً. فكيف علمت «بي بي اينرجي» بهذه التفاصيل؟