من يريد قانون الدوحة، إذا كانت جميع القوى السياسية تقول إنها ترفضه وتعلن حالة الطوارئ ضده؟ ولماذا تكثفت حملة الرفض العلنية ضده، إذا لم يطرحه أحد في الكواليس والصالونات السياسية المقفلة، ولماذا بات يتصدر وحده عناوين الخطب والمواقف السياسية؟ وإذا كان الاستنفار الشامل قد أعلن في ربع الساعة الأخير، ما دامت المهل الانتخابية أصبحت ضاغطة، فكيف يمكن تفسير عدم الاتفاق حتى الساعة على قانون واحد، وخصوصاً عند القوى التي ترفع الصوت رفضاً للتمديد ولقانون الدوحة؟
الواضح حتى الآن أن كل طرف يرمي كرة قانون الدوحة على غيره، بعدما أجمع الكل على رفض التمديد نهائياً. فالقوتان المسيحيتان اللتان تحتفلان اليوم بذكرى تفاهمهما الرئاسي، أي القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، تتصديان له وتقولان في القانون كلاماً حاداً وجازماً برفضه، لأنه يبقي الحصص المسيحية في يد القوى غير المسيحية، وهما تريدان استعادة التمثيل المسيحي. ولهذا السبب تكثفت اجتماعاتهما في الأيام الأخيرة تنسيقاً لمواقفهما ضد قانون الستين المعدل.

كثف التيار والقوات اجتماعاتهما أخيراً لتنسيق مواقفهما ضد الستين المعدل



وبحسب معلومات مشاركين في المفاوضات، فان البحث بات متقدماً في اتجاه قانون التصويت المحدود، من دون حسم الاتفاق عليه، لأن البحث لا يزال يتمحور حول شكل الدوائر بطريقة مفصلة، وعدد الأصوات التي ستعتمد في هذا التصويت، في الدائرة الواحدة. علماً أن القوات اللبنانية لا تزال متمسكة بقانون المختلط، ولن تتخلى عنه إذا لم يتخلّ عنه المستقبل. وإذا تخلى الأخير عن المختلط، حينها ستقول كلمتها في شكل أوضح. وكذلك فإن طمأنات تعطى للنائب وليد جنبلاط بأن ينال في التحالفات ما كان يمكن أن يأخذه في التقسيمات. أما التيار الوطني الذي يناقش جدياً في التصويت المحدود، فلا يزال يبحث أيضاً في مشروع التأهيل الأكثري على مستوى القضاء والنسبية على مستوى الدوائر الموسعة التي تخضع أيضاً للتعديل حتى لا يستهدف جنبلاط أيضاً. لأن أكثر ما يقلق جنبلاط هو وضع الشوف وعاليه في دائرة واحدة على أساس النسبية. وتضيف المعلومات أن التيار والقوات يعطيان فرصة لا تتعدى الأيام القليلة من أجل التوصل إلى اتفاق مشترك. وهما متفائلان في إمكان التوصل إلى قواسم مشتركة، وصولاًَ إلى اتفاق شامل، شرط أن يقنع التيار حلفاءه بالقانون الجديد، وأن تتوصل القوات مع المستقبل إلى تفاهم، ولا سيما أن المستقبل يرفض في شكل جازم التصويت المحدود.
لكن أحد المعنيين بمناقشة قانون الانتخاب يقول: «إن القوى المسيحية التي وافقت على قانون الدوحة ترفضه حالياً. لكنها لم تتفق بعد على قانون واحد، قبل أن تذهب إلى الاتفاق مع القوى السياسية الأخرى. والمشكلة الأكثر خطورة هي أن هذه القوى تتعامل مع القانون العتيد وكأنه لمرة واحدة فقط. لكن لا يمكنها بعد أربعة أعوام من الآن أن تطالب مرة جديدة بتغيير القانون، كما فعلت بعد الدوحة. لهذا يفترض بهذه القوى أن تكون متحسبة جداً وحذرة في اختيار قانون الانتخاب لأنه سيؤسس لواقع المسيحيين للسنوات الطويلة المقبلة».
من ناحيته، فإن المستقبل الذي كان منذ عام 2009 منحازاً إلى قانون الدوحة، تحاول أوساطه اليوم التبرؤ من دعم القانون، لتقول إنه ليس في مصلحة تيار «المستقبل»، ولا يخدمه بشيء لتعزيز حصته النيابية أو الحفاظ عليها. وتضيف أن المسيحيين هم الذين يريدون هذا القانون سراً ويرفضونه علناً، لأنهم أكثر القوى إفادة منه. وفيما لا يعبّر المستقبل صراحة عن أي قانون يريد، وفي حين أن النائب وليد جنبلاط هو الأكثر وضوحاً في تظهير موقفه الصريح وغير الملتبس في انحيازه إلى قانون الأكثري، فإن موقع الرئيس نبيه بري وحزب الله من قانون الدوحة يبقى الأكثر التباساً، في نظر أوساط مستقبلية. وترى هذه الأوساط أن «القوتين الشيعيتين هما الطرفان الوحيدان اللذان لا يتأثران بأي من القوانين المطروحة حالياً على بساط البحث، لأنهما في جميع الأحوال يضمنان مقاعدهما النيابية الشيعية، وتأثيرهما في الدوائر الانتخابية مهما كبر أو صغر حجمها. لكن قانون الستين المعدل في الدوحة، يشكل في هذه الفترة المصيرية فرصة مهمة لشدّ عصب حلفاء الطرفين، وخاصة حلفاء الرئيس نبيه بري، مسيحيين ومسلمين، ولتعزيز مكونات قوى 8 آذار وتشكيل أكثرية نيابية جديدة، من مختلف الشرائح الطائفية. فتفاهم حزب الله مع التيار الوطني الحر ومع رئيسه، لا يعني بالضرورة أن هذا التفاهم ينسحب على كل مكونات 8 آذار، والأحزاب التي سلمت بمجيء رئيس الجمهورية أو لم تسلم، هي المعنية أيضاً بتجميع قواها في الانتخابات النيابية. وإذا كان تيار المستقبل يريد قانوناً مريحاً له، من أجل ضمان عودة آمنة وإبقاء طريق الرئيس سعد الحريري سالكة إلى السرايا الحكومية، فلقوى 8 آذار أيضاً، اهتمامها المستقبلي بقانون انتخاب يحقق لها أيضاً حصة نيابية وازنة، لأن عيون الجميع على مجلس 2017 وضمان الأكثرية فيه، لألف سبب وسبب».