أجّجت التسوية الرئاسية لدى ثنائي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية فائضاً من القوة. باتا يتعاملان باستخفاف مع كلّ القوى السياسية المسيحية الأخرى، ويتصرفان على قاعدة أنهما يقبضان على المواقع السياسية للطائفة. أما من يرفض الانضمام إلى حلفهما، فعليه أن يواجه النيران التي ستُفتح في وجهه وكل محاولات إقصائه.
أول «الشهداء» كان حزب الكتائب، الذي يتعرض لأعنف حرب سياسية منذ مدّة، ولم يجد من يسند ظهره في عملية تأليف حكومة الرئيس سعد الحريري. أريد لتيار المردة أن يلقى المصير نفسه. حاول التيار الوطني الحر والقوات فرض «فيتو» عليه في تأليف الحكومة، فوجدا أمامهما حصناً منيعاً شيّده حزب الله وحركة أمل. سقطت أولى محاولات إقصاء النائب سليمان فرنجية، فكانت له الوزارة «التي تناسبه» سياسياً وخدماتياً.
منذ انتخاب العماد ميشال عون، يجري التعامل مع فرنجية على أنه الخاسر الأكبر، وأنّ الانتخابات النيابية المقبلة سيكون عنوانها كسر صورة رئيس المردة في مسقط رأسه. ولكن، مقابل منطق عزل فرنجية الذي يُروّج له خصومه، يستعد تيار المردة لخوض «النيابة» في كل الدوائر التي تسمح بذلك «إن كان عبر مرشحين أو دعم أصدقاء في الشمال وخارجه». الملف الانتخابي وُضع على الطاولة «ويتم درسه بشكل جدي، فمرحلة الإعداد للانتخابات بدأت»، تقول مصادر تيار المردة. درجت العادة على أن يُعلن المردة لوائحه قبل أشهر من موعد الانتخابات. وتيرة العمل تسير ببطء، لأنّ «الكل كان ينتظر التطورات في قانون الانتخابات». لا تبدو المصادر الزغرتاوية متفائلة في هذا الخصوص، «نعطي مهلة أسبوعين كحدّ أقصى، وإلا فلن يكون أمامنا سوى الستين».
خلال دورة الـ2009 النيابية، كان فريق 14 آذار في أوجه، يملك النفوذ والمقومات المادية التي سمحت له بكسب عددٍ من المعارك. وضع كل إمكانياته في قضاء زغرتا، إلا أنّ فرنجية تمكن من النجاة، مانعاً القوات اللبنانية من ولوج القضاء. يريد تيار المردة للتاريخ أن يعيد نفسه في الدورة المقبلة، مع فارق أنّ التيار الوطني الحر انتقل إلى الجبهة التي تضم القوات ورئيس حركة الاستقلال ميشال معوض. أما تيار المستقبل الذي تخلّى عن ترشيح فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، فلن يسمح «في النيابة بإلغاء خصوصية أي منطقة». تقول مصادر المردة إنّ «الأجواء الإيجابية في البلدية (التحالف مع معوض) لم تُترجم في السياسة». لا تبديل في مقعدي النائبين أسطفان الدويهي وسليم كرم، حتى الساعة، فيما سيحل طوني فرنجية مكان والده. على الرغم من التكتل ضدّه، يبدو المردة مرتاحاً إلى «الجغرافيا التي تحمينا، على العكس من النائب سامي الجميّل الذي يبدو وضعه أصعب».
التخطيط لخوض الانتخابات لا ينحصر شمالاً في زغرتا. فإضافة إلى البترون والكورة، يهتم المردة بأحد المقعدين المسيحيين في طرابلس، المدينة التي ترعرع فيها سليمان فرنجية وأعطته عام 2005 نحو 27 ألف صوت. يُدرك المردة أنّ التزام تيار المستقبل معه في طرابلس يعني كسبه أحد المقعدين، «ولكن لم نتحدث في الموضوع لأن الأمور في طرابلس لم تتضح بعد. والسؤال الأول هو عمّا إذا كان الرئيسان الحريري ونجيب ميقاتي سيتواجهان أم أنهما سيتحالفان». تستند المصادر إلى نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة «حيث كانت أصواتنا مسيحياً مرتفعة»، لتؤكد حضورها الشعبي في الفيحاء، «لسنا فريقاً لا يُمكن الاستغناء عنه ولكن لدينا وجودنا». من هنا يأتي «حقنا في أن نبحث في المقاعد. أكيد سيكون لنا دور». أما المقعد الأرثوذكسي في عكار فـ»مش شايلينو من راسنا». يُصرّ المردة على التوسّع صوب القضاء الذي شكل الامتداد السياسي لزعامة آل فرنجية مع الوزير السابق عبدالله الراسي. المرشح هو ابن عمّة النائب سليمان فرنجية، النائب السابق كريم الراسي، «لأنه كان الأول في أصوات المسيحيين عام 2009». ولكن يغيب عن بال المصادر أن الراسي حصل على أكثر من 50% من تلك الأصوات لأنه كان متحالفاً مع التيار الوطني الحر.
توضح مصادر المردة أنه «بعد الاتفاق بين التيار العوني والقوات سقط منطق عقد التحالفات السياسية ليغلبه منطق أنّ كلّ فريق يبحث عن مصلحته، وبالتالي كل الاحتمالات مفتوحة أمامنا». التواصل بدأ منذ فترة بين المردة ومختلف القوى المعنية في الدوائر الانتخابية «باستثناء التيار والقوات». قنوات الاتصال فُعّلت مع النائب بطرس حرب وحزب الكتائب في البترون، «وتحسّنت العلاقة مع النائب فريد مكاري» في الكورة، من دون أن «نكون قد حسمنا تحالفاتنا. فيجب أن ننتظر تموضع القوى على المستوى الوطني قبل أن نتصرف في الدوائر الصغرى». الأساس هو في «الموقع الذي سيتخذه تيار المستقبل. هل يتحالف مع ثنائي القوات والتيار في كلّ المناطق أم لا؟».
إضافة إلى ملّف «النيابة»، يبحث تيار المردة ورئيسه في كيفية مواكبة المرحلة السياسية الجديدة. ليس الهدف «أن نكون معارضين للعهد لمجرد المعارضة. هذا الأمر يعود إلى طبيعة العلاقة التي يريدها معنا العهد الجديد». وفي هذا الإطار، تقول المصادر إنه لا تطورات إيجابية بين المردة والعونيين، «الأرجح أن الفريق الآخر لا يريد علاقة معنا».