المسار الذي رسمته «أرقام كابيتال» للتطورات في لبنان يمكن تصنيفه بـ«متفائل». لم يشر التقرير حرفياً إلى ذلك، لكن لهجته العامة لا تشي بغير ذلك. يبدأ هذا المسار بقراءة حدثين أساسيين لينطلق في اتجاه تحليل مؤشرات الأداء والربحية للمصارف الثلاثة الأكبر في لبنان.
الحدث الأول ذو طابع سياسي يتعلق بالتطورات السياسية التي أدّت إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وتكليف سعد الحريري بتأليف الحكومة، والحدث الثاني يتعلق بالعمليات المالية التي نفذها مصرف لبنان خلال السنة الجارية، وأثره على «بنك عوده» بوصفه «المستفيد الأساسي».
بالنسبة إلى انتخاب عون وتكليف الحريري، تعتقد «أرقام كابيتال» أن هاتين الخطوتين كان لهما صدى مؤيّد لدى صناع القرار في العالم والمنطقة «ويمكنه أن يساعد على إحياء الدعم الخليجي للبنان.

انتخاب عون وتكليف
الحريري يمكن أن يساعد على إحياء الدعم الخليجي للبنان

العلاقات اللبنانية مع دول الخليج تدهورت في مطلع هذه السنة، ما أدى إلى إلغاء الدعم المالي الخليجي للبنان وإلى حظر سفر مواطني هذه الدول إلى لبنان». أما على صعيد عمليات مصرف لبنان، فهي نفذت ابتداءً من أيار 2016 حتى نهاية تشرين الأول. هذه العمليات كانت على النحو الآتي (ملاحظة المحرر: إن التقديرات الواردة في التقرير هي أدنى من التقديرات المتداولة بين المصارف):
ــ اشترى مصرف لبنان سندات يوروبوندز بقيمة 2 مليار دولار من وزارة المال (48% من العجز) وسدّد ثمنها من السندات بالليرة اللبنانية التي يحملها في محفظته.
ــ بعد ذلك، اشترى مصرف لبنان سندات خزينة مقوّمة بالليرة اللبنانية من المصارف بسعر إصدارها، بما يعادل 6 مليارات دولار (أي 9 آلاف مليار ليرة، علماً بأن تقديرات أخرى تشير الى أن الرقم تجاوز حتى نهاية تشرين الأول 16.500 مليار ليرة). حجم هذه السندات يوازي 3% من أصول المصارف الإجمالية.
ــ ثم باع مصرف لبنان، للمصارف، سندات اليوروبوندز البالغة قيمتها 2 مليار دولار، بالإضافة إلى شهادات إيداع بقيمة 4 مليارات دولار (ملاحظة المحرر: تقديرات أرقام كابيتال تستند إلى نتائج المصارف في الفصل الثالث المنتهي في أيلول، علماً بأن تقديرات أخرى تشير الى أن الرقم بلغ أكثر من 11 مليار دولار حتى نهاية تشرين الأول).
ــ منذ ذلك الوقت، بدأت المصارف تبيع جزءاً من السندات التي اشترتها من مصرف لبنان، في السوق الثانوية للمصارف الأجنبية.
أسهمت نتائج هذه العمليات في دعم الأصول الأجنبية لدى مصرف لبنان بعد تراجعها منذ تموز 2015. هذه الأصول سجّلت 52.2 مليار دولار في نهاية أيلول، مقارنة مع 46.7 مليار دولار في نيسان قبل بدء العمليات. في المقابل، ازداد حجم السيولة بالليرة لدى المصارف التي يمكن استعمالها للإقراض المحلي، غير أن السيولة بالدولار انخفضت وكان يمكن استعمالها في الخارج. كذلك، تبيّن أن هذه العمليات كانت مربحة جداً للمصارف، وقد طلب مصرف لبنان أن تخصص هذه الأرباح لتلبية متطلبات المعيار الدولي IFRS9 المطلوب تطبيقه في عام 2018. مصرف لبنان سدّد ثمن سندات الخزينة التي اشتراها من المصارف بسعرها الأصلي، مضافاً إليه علاوة 3.5% (ملاحظة المحرر: بالإضافة الى نصف أرباح الفوائد التي كان سيحققها السند طيلة مدّة استحقاقه).
جاءت النتائج بالنسبة إلى بنك عوده وبلوم مختلفة. فهذه العمليات «عزّزت رأس مال بنك عوده بعدما حقق أرباحاً بقيمة 1 مليار دولار... ما أزال المخاوف السابقة على رأس المال والحاجة إلى تخفيف المخاطر» (انظر الكادر). أما في ما خصّ «بلوم»، فلم يذكر التقرير أي أمر عن أثر العمليات المالية على ميزانيته، بل اكتفى بالحديث عن أرباح الفصل الثالث البالغة 64 مليار ليرة (42.3 مليون دولار) ومقارنتها بأرباح عوده في الفترة نفسها البالغة 993 مليون دولار، بالإضافة إلى إجراء تحليل للأرباح وللأسهم يذهب في اتجاه القول بأن مؤشرات الربحية لدى بلوم بنك تعكس استدامة مرتفعة وتدنّياً للمخاطر في أصوله (انظر الكادر).

السيولة بالدولار
انخفضت وكان يمكن
استعمالها في الخارج


التقرير تطرق إلى الودائع بالعملات الأجنبية (المقيمون وغير المقيمين) لدى المصارف، إذ سجّلت نسبتها 66% مقارنة مع متوسط تاريخي بنسبة 68%. «الأنباء المريحة، تكمن في استمرار نموّ الودائع بالعملات الأجنبية، فيما تنمو الودائع بالليرة أيضاً بصورة جيدة». ويشي هذا الأمر بأنه لم يسجّل أي هروب للودائع من القطاع المصرفي، لا من المودعين الأجانب ولا من المحليين. مستوى الاحتياطات يشي بالأمر نفسه مع زيادة في مجمل الأصول الأجنبية إلى 100.7% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية أيلول 2016، مقارنة مع 90% في نهاية 2015 و95.7% من الناتج في نهاية 2014».
وعلى الرغم من الأزمات وتباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 1% بعدما كان 4.1% خلال السنوات الـ15 الأخيرة، فإن الأصول الأجنبية لدى مصرف لبنان استمرّت بالتراكم لتبلغ 52.2 مليار دولار، أي ما يوازي 27 شهراً من الواردات، وهذا يكفي لتغطية خمس مرات عجز الحساب الجاري البالغ 20.4%، وما يمكنه أن يغطّي العجز المالي لمدّة 12.5 سنة والمقدّر بنحو 8.1%.
وفي السياق نفسه، ترى «أرقام كابيتال» أنّ نمو الودائع يتجاوز نموّ القروض. نسبة نمو القروض للقطاع الخاص بلغت 6.7% في نهاية آب 2016، أما نسبة نموّ الودائع فقد بلغت 5% ليصبح معدل القروض نسبة إلى الودائع 31.1% بعدما كان 30.6%.
وفي السياق نفسه، يستنتج التقرير أن «ميزان المدفوعات لا يزال يعتمد على تحويلات المغتربين التي تراجعت بنسبة 4%. التحويلات تعرضت لضغوط واسعة أيضاً. في الربع الأول من 2016 سجّلت هذه التحويلات انخفاضاً بنسبة 4.4%. سبب التراجع هو تراجع الثقة في الاقتصاد اللبناني، فضلاً عن تراجع أسعار النفط التي تركت ضغوطاً واسعة على مداخيل اللبنانيين العاملين في الخليج، ووضعت وظائفهم بخطر أيضاً».




هندسات لدعم الاستقرار التسليفي

كانت "هندسات" مصرف لبنان محور كلمة الحاكم رياض سلامة، أمس، في المؤتمر المصرفي العربي السنوي. قال سلامة، إن مصرف لبنان حافظ على إمكاناته التمويلية بكل العملات، رغم الصعوبات التي واجهها سياسياً ورغم المخاطر الأمنية، مشيراً إلى أن احتياطاته بالعملات الأجنبية بلغت أعلى مستوى تاريخي لها في أيلول 2016، فيما ارتفعت ودائع المصارف بمعدل سنوي يقارب الـ5%. أما الفوائد، فقد حافظت على مستوياتها المستقرة، فيما أصبحت الفوائد على الليرة أدنى من الدول المجاورة باستثناء الدول النفطية. كذلك عزّزت المصارف أموالها الخاصة لكي تستمر بمهماتها التسليفية، وبات لديها ما يكفي من الأموال الخاصة لتحقيق المعايير المحاسبية الدولية ولرفع ملاءتها إلى 15% تبعاً لمقررات بازل -3، ما يمكّنها من التوسع بالتسليف (نسبة نمو التسليفات هذا العام 6,56%). "كان لهندسات مصرف لبنان الأخيرة دور أساسي في المحافظة على هذا الاستقرار التسليفي وعلى تدعيم الاستقرار بالليرة والفوائد (الفائدة على الليرة اللبنانية 7%، الفائدة على الليرة التركية 10%، والفائدة على الجنيه المصري 15%)".




«عوده»: الرابح الأكبر

يُعدّ «بنك عوده» الرابح الأكبر من عمليات مصرف لبنان. بلغت أرباحه في الفصل الثالث من السنة الجارية نحو 993 مليون دولا، أي ما يوازي 38% من رأس ماله السوقي. استعمل «بنك عوده» هذه الأرباح في أكثر من اتجاه؛ 350 مليون دولار خصصت لبند المؤونات الإجمالية تلبية لمتطلبات المعيار الدولي IFRS9، و220 مليون دولار لتغطية مطلوبات عديدة (منها فروع البنك في مصر، مدفوعات لسرادار، عمليات وساطة مالية)، و112 مليون دولار من أجل المؤونات الحرّة التي يتوقع تحويلها إلى المؤونات الإجمالية في نهاية السنة، و87 مليون دولار ضرائب، و220 مليون دولار لإطفاء كامل خسائر العمليات في السودان وسوريا. يزيل هذا الأمر المخاوف السابقة حول رأس المال ويلغي الحاجة إلى تخفيف المخاطر، إذ إن معدلات ملاءة رأس المال (الأموال الخاصة) ارتفعت من 8.7% إلى 9.9% ويمكنها أن تبلغ 11% و12.9% إذا احتسبت المؤونات الإجمالية.
القروض ستنمو أسرع من الودائع بمعدل مركّب يبلغ 11.3. قروض بنك عوده في مصر ازدادت بنسبة 30.1% خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة الجارية، ويليها نموّ في تركيا بنسبة 6.8% وفي لبنان بنسبة 4%.
رغم ذلك، لا يزال أداء بنك عوده أقل من أداء بلوم، بسبب نتائجه في تركيا، وفق استنتاجات «أرقام كابيتال». أما معدلات القروض المشكوك بتحصيلها فلم تتغير لدى بنك عوده، ونسبتها 3.2% وهي تتوزّع على النحو الآتي: 4.1% في لبنان، 3.4% في تركيا، 2.4% في مصر. وبعد «المنتج الاستثنائي» (المقصود عمليات بنك عودة مع مصرف لبنان)، تعزّزت أسهم «بنك عوده»، علماً بأن قوّة «بنك عوده»، وهو أكبر مصرف في لبنان، مصدرها الانتشار الواسع له، وقاعدة رأسماله الكبيرة، والتغطية الكبيرة للقروض المشكوك بتحصيلها والبالغة بنحو 461.8 مليون دولار.
قيادة البنك تتوزّع على رئيس مجلس الإدارة ريمون عوده، ثم الرئيس التنفيذي سمير حنا، والرئيس المالي فريدي باز. ومن أبرز مساهميه، دويتشه بنك بنسبة 29%، وFRH investemen بنسبة 9.7%، وعائلة عوده بحصّة 6.9%، والشيخة سعاد حمد الصالح الهميزي بنسبة 5.9%، والشيخ دياب بن زايد آل نهيان بحصة 5% و43.5% تتوزّع على العموم.




«بيبلوس»: الأقل تنوّعاً وربحية

يعتمد «بيبلوس بنك» بنسبة 90.4% على السوق المحلية. مؤشرات ربحيته أدنى من المصارف المنافسة، أي «بلوم» و«عوده». أرباحه في الفصل الثالث بلغت 9 ملايين دولار، أي أقل بنسبة 12% من النتيجة المسجلة في الفصل نفسه من عام 2015. نموّ الأصول لدى بيبلوس كان محدوداً، إذ سجّلت هذه السنة 2.8% مدفوعة بنمو الودائع بنسبة 1.6%. التوسع الائتماني في السوق المحلية كان جيداً. معدلات النمو المركبة للقروض والودائع يتوقع أن تبقى عند مستوى 3.5% و4.8% رغم النمو الاقتصادي الضعيف. العائد على الأصول المتوقع لعام 2016 يبلغ 9.2%.
القروض المشكوك بتحصيلها محتواة ضمن مستوى 4% مقارنة مع 3.6% لدى «عوده» و3.6% لدى «بلوم». المؤونات «الخاصة» تبلغ 2.5% من القروض، وهي لم تتغير منذ نهاية السنة الماضية، أما المؤونات الإجمالية فتبلغ نسبتها 2.1% من القروض الإجمالية، مقارنة بما كانت عليه في 2015 بنسبة 1.8%.
ورغم تركيزه على السوق المحلية، فإن كلفة الإيرادات خلال السنوات الخمس الماضية كانت الأعلى، مقارنة مع «بلوم» و«عوده». ويتوقع أن يتراجع معدل الملاءة المالية قليلاً، مع أن تبقى نسبة الأموال الخاصة فوق 10%.
«بنك بيبلوس» هو ثالث أكبر مصرف في لبنان، ولديه أصول بقيمة 19 مليار دولار وعدد فروعه 102 ولديه 2530 موظفاً. حصّته السوقية تبلغ 10.1% من الأصول و4% من القروض و9.9% من الودائع. المصرف منتشر في الخارج في 11 بلداً. لديه ضعف في توليد العمولات، وهو الأقل تنوعاً بالأسهم، ولديه مؤشرات ربحية متدنية بسبب الكلفة المرتفعة. يرأس مجلس إدارته فرنسوا باسيل، والمدير العام سمعان باسيل، والرئيس المالي زياد زغيب. المساهم الأكبر فيه هو بيبلوس إنفست هولدنغ بحصة 28.8%، وبنك نيويورك ميلون بحصة 11.4%، وتحمل مؤسسة التمويل الدولية 6.4%، وهناك 53.5% للعموم.




«بلوم»: الربح المتواصل

نمو «بلوم بنك» مرتبط بعملياته الخارجية في مصر والإمارات العربية، مع الإشارة إلى أن نموّه في لبنان خلال فترة عمليات مصرف لبنان كان بنسبة 1.6% فقط، مقابل 13.5% في بلدان الانتشار. يدار هذا المصرف بطريقة جيدة، بحسب تقرير «أرقام كابيتال، ومؤشراته للأصول والربحية جيدة أيضاً، ولديه تدفقات نقدية جيدة أيضاً. أرباحه في الفصل الثالث من السنة الجارية بلغت 64 مليار ليرة (42.5 مليون دولار)، أي أقل من أرباح بنك عوده بنسبة 93%، وقد استعمل 37% منها للمؤونات.
بلغت نسبة نمو القروض لدى هذا المصرف 3.6% خلال عام 2016 مقارنة مع 4.4% لـ«بنك عوده». نسبة النموّ المحلي لـ«بلوم بنك» تبلغ 1.3%، ويتوقع أن تكون مساهمة الفروع الخارجية بنسبة 27.7% مقابل 48% لـ«بنك عوده». القروض نسبة إلى القطاع الخاص بلغت 7.2% على أساس سنوي، وفروعه الخارجية تمثّل اليوم ما نسبته 28.9% من مجموع قروض المصرف المسجلة.
اشترى «بلوم» HSBC Middle east limited وارتفعت أصوله بنسبة 3.1% أو ما قيمته 953 مليون دولار. أما أرباح «بلوم» في الفصل الثالث فقد بلغت 64 مليار ليرة، أي أقل بنسبة 93% من «بنك عوده».
ويتوقع أن تبلغ نسبة القروض المشكوك بتحصيلها لدى بلوم بنك 4.5%، وأن تبلغ نسبة تغطيتها 111.9%. إن معايير الإقراض المرتفعة أدّت إلى نسبة منخفضة من كلفة المخاطر. يتوقع أن تبلغ نسبة نموّ الإيرادات 14.7% في 2016 و3.6-% في عام 2017 ثم تعود إلى الارتفاع لتبلغ 5.4% في 2018 و7.2% في عام 2019.
«بلوم بنك» هو ثاني أكبر المصارف في لبنان مع أصول تبلغ 28 مليار دولار ولديه حصّة سوقية تبلغ 12.3% من الأصول، و4.7% من القروض، و12.9% من الودائع. 60.5% من مجموع القروض الممنوحة منه هي للشركات، وهو حاضر في مصر وسوريا والأردن والإمارات العربية وقطر والعراق وأوروبا، علماً بأن 73% من أصوله محليّة. يشتهر هذا المصرف بكونه يتبع سياسة محافظة وهو الأكثر فعالية على صعيد الكلفة، ويحقق أفضل مؤشرات ربحية، وخدماته رخيصة الثمن أيضاً. يرأس مجلس الإدارة سعد الأزهري، فيما المدير العام هو حبيب رحال والرئيس المالي هو طلال البابا. أسهم «بلوم» مملوكة بنسبة 34.4% من «بنك أوف نيويورك ميلون»، و13.7% من «بانوراب هولدنغ»، و9.3% من «آزا هودلنغ»، و42.6% من العموم.