عرف الصراع الطبقي في وقت مبكّر. كان عمره عشر سنوات في ذلك العام الذي أمطرت فيه السماء المصرية نقابات، واحتجاجات شعبية ضد الاحتلال الإنكليزي (1946). كان الطفل عبد الغفار شكر، ابن عمدة قرية تيرا في محافظة الدقهلية (شمال مصر)، شاهداً على معركة كبيرة بين الفلّاحين، وعميد الاقطاع وقتها، بدراوي عاشور باشا القيادي في «الحزب السعدي» الذي كان يناصر الإنكليز، ويمتلك 46 ألف فدان من الأرض بمن عليها من البشر. «كنا في منطقة نفوذ بدراوي، وكانت هناك انتخابات لمجلس النواب. ناصر أبي المرشّح الوفدي، وطلب من الفلاحين عدم التصويت لأحد أفراد أسرة عاشور السعدية، فأرسل الباشا مناصرين وبلطجية لتأديب العبيد المتمرّدين. لكن والدي والفلاحين ضربوهم. فانتقم الباشا من والدي، وعمي ولفق لهما قضايا، قبل أن يسحب منهما منصب العمدة». هذه المعركة الكبرى التي كتبت الصحف أخبارها، كانت المحطة الأولى والأساسيّة في تشكيل وعي عبد الغفار شكر، المناضل الاشتراكي في ما بعد، ودفعته إلى كره الاقطاع. إلا أنّ وعيه الطبقي تأصّل أكثر مع وفاة أبيه، العام التالي 1947 بسكتة قلبية. لم يحتج الطفل الصغير الذي قرأ شاباً النظرية الماركسية، وفي جوهرها فكرة الصراع الطبقي، إلى تطبيق عملي أوضح ليهضم النظرية. «كانت كل الظروف تدفعني لأكون اشتراكياً. كرهت الطبقة التي قتلت والدي، وقذفت بنا إلى هوة الفقر. لولا جدتي التي استأجرت فدانين من الأرض، واشترت ماكنة تطريز ملابس، وأصرّت على أن نكمل تعليمنا، لضاع كل شيء».
ابن بورجوزاية القرية، كان خطيباً مفوهاً. «كان والدي مراسلاً لجريدة «المصري» في مركز طلخا، وكان يمارس مهامه كعمدة في الوقت عينه. كان يجتمع بأبناء القرية، ويطلب مني قراءة مانشيتات الصحف، والمجلات، وهو يقوم بالتحليل، ثم أبدأ بقراءة خبر آخر. لم أكن أفهم بعض العبارات السياسية، لكنني كنت أفرح، فالفلاحون يثنون عليّ، ويقولون ما شاء الله يا أفندي يا صغير». أول مانشيت قرأه الصغير عبد الغفار كان «اغتيال أحمد ماهر باشا». كان هذا في جريدة «الأهرام» (1944). «بدأت أبحث عن معاني كلمات اغتيال، وجان، وأثيم، ومصرع... كانت عبارات صعبة الفهم عليّ. منذ ذلك الحين أدمنت قراءة كتب السياسة والتراث الموجودة في بيتنا، إضافةً إلى الصحف التي كان يحضرها والدي».
مقال للصحافي في جريدة «صوت الأمة» عزيز فهمي، دفعه إلى فهم أن الصراع مع الإقطاع في قريته، هو جزء من صراع أوسع، تقوده حركة وطنية بأكملها ضد الاحتلال، والقصر والطبقة الحاكمة الموالية للإنكليز. كتب فهمي مقالاً عنوانه «رحم الله شهداءنا، لا رحمك يا صدقي»، قاصداً رئيس الوزراء وقتها اسماعيل صدقي الذي أطلق النار على المتظاهرين المناهضين للاحتلال. «فرحت جداً، لأن ثورة يوليو أخذت بثأر أبي».
أمين التثقيف في «منظمة الشباب الاشتراكي» (1963 ـــ 1968)، وأمين التثقيف في «الاتحاد الاشتراكي» (1971 ـــ 1976) شاهد على التحولات التي مرّت بمصر على امتداد ثلاثة عقود. كان في ميدان التحرير يحرّض الناس على التنظيم وصياغة مطالب جذرية تحدث تحولاً كبيراً في حياة الجماهير. لكنّ تحريضه هذا لم يؤت كل ثماره على ما يبدو. «في المرحلة الانتقالية الحالية، أنا غير قلق، ولم أتوقع أن تحقّق الثورة كل أهدافها منذ البداية»، يقول، ثمّ يضيف: «التنظيم غائب، وهذه آفة الثورة المصرية، لكن الجماهير ستستكمل ثورتها. والمجلس العسكري سيزول حتماً».
قد يكون عبد الغفار شكر، آخر الرجال المحترمين الباقين من أطلال «منظمة الشباب» ( 1963ـــ 1971) التي كانت بوصلة لتحوّلات سياسية عميقة، شهدتها مصر أيام عبد الناصر والسادات. كان شكر شاهداً على هذه التحولات، لكن من منظور جيله، خصوصاً التحولات التي أصابت أصدقاءه ورفاقه في المنظمة. أمين التثقيف السابق، هادئ الطباع، لا يميل إلى الحدة في تعامله مع السياسة والناس، لهذا يلقب بالاشتراكي النبيل... وربما كان هذا هو السبب الذي دفع وكيل مؤسسي «حزب التحالف الاشتراكي» الجديد، إلى التماس الأعذار لمن وقفوا في صفّ نظامي السادات ومبارك. «ضعف إنساني. بعض الشباب انتقل إلى طبقة أعلى، فتبنى فكراً آخر. بعضهم دخل المنظمة، فأصبح اشتراكياً، وعندما مات عبد الناصر، تركها واعتنق فكراً آخر. ومن هؤلاء خيرت الشاطر القيادي في جماعة «الإخوان المسلمين» الذي كان ناصرياً. وبعضهم الآخر رأى أن مصلحته هي مع النظام، والتصق به كالدكتور مصطفى الفقي العضو السابق في البرلمان عن «الحزب الوطني»، والدكتور عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية الأسبق، والدكتور مفيد شهاب، وزير الشؤون القانونية والبرلمانية السابق». على غير حال المناضلين اليساريين الذين أفنوا أعمارهم في السجون أيام عبد الناصر والسادات، لم يدخل عبد الغفار شكر المعتقل، لأنه لم ينضمّ إلى أي تنظيم أو حزب شيوعي. «كانت ظروف الحياة الصعبة. كنت أعمل كاتباً من الدرجة الثامنة، وأنا طالب جامعي، وأتيحت لي فرصة في المنصورة لدخول تنظيم شيوعي سري. لكنني للأسف لم أدخل، وكنت أقوم بعمل جماهيري في قرى المنصورة، من خلال أمانات منظمة الشباب، وقمت أيضاً بإنشاء إذاعة أهلية للفلاحين لنشر أفكار الثورة».
يدين شكر بالكثير لزوجته فتحية العشري. كانت من أسرة ميسورة الحال، تركتها لترتبط به، وتوفر النفقات لأمه وأشقائه. يشكرها لأنها أنجبت أميمة التي أنجبت «عبد الغفار شكر الصغير»، أي كريم ابنها المراهق، والمدون الذي أثار قبل أيام عدة ضجةً في البيت، لأنّ جده قال في مقابلة تلفزيونية أخيرة إنّ من حقّ الجميع الترشح للانتخابات. رأي الجد أغضب الحفيد الذي هدّد مازحاً بتنظيم مليونية لعزله. كريم الذي لا يتوقف عن الركض، يشبه المراهق عبد الغفار شكر الذي شكّل فرقة مسرحية في قريته، لتقديم أعمال مسرحية «عن الخير والإقطاع رمز الشر لكل فلاح في مصر حتى الآن». شكر الذي قضى أكثر من خمسة وثلاثين عاماً في «حزب التجمع»، دخل في صراع مع رئيس الحزب رفعت السعيد الذي هادن النظام السابق. وخاض محاولات مريرة لتوحيد صفوف اليسار، داخل «التجمع» وخارجه، لكنها باءت بالفشل... حتى وقعت ثورة «25 يناير». أسس أخيراً مع ماركسيين مصريين «حزب التحالف الاشتراكي». يبدو متفائلاً بمستقبل هذا الحزب، وبمستقبل مصر: «التحالف الاشتراكي يسعى إلى خلق تنظيم قاعدي، ومصر دخلت مرحلة تاريخية جديدة بعد الثورة، ستنتهي حتماً بدولة ديمقراطية».



5 تواريخ

1936
الولادة في قرية تيرا (محافظة الدقهلية ـــ مصر)

1946
عاش مع عائلته معركة الفلاحين مع عميد الإقطاع في مصر

1956
إجازة من جامعة الآداب ـــ قسم التاريخ

1976
شارك في تأسيس «حزب التجمع اليساري»

2011
بعد «25 يناير»، شارك في تأسيس «حزب التحالف الاشتراكي»