ما زال خالد الحروب يتذكّر عودته إلى قريته الفلسطينية وادي فوكين عام 2005 آتياً من لندن. كان أول ما طالعه جدار الفصل، وقد خطّ عليه أبناء القرية «انهدّ الجدار في برلين، وبكرا الجدار بفلسطين». خلال لقائنا به في مطعم «بالاس كافيه» في بيروت، راح يستعيد ذكرياته البعيدة. ولد عام 1965 في مخيم الدهيشة في بيت لحم، بعدما هُجّرت عائلته من وادي فوكين التي كانت تسمّى مع مجموعة قرى جنوب غرب القدس «قرى خط النار». ثلثا أراضي القرية احتلت عام 1948. استعادها أهلها بعد النكسة وصاروا يتنقلون بين القرية والمخيم. التحقت العائلة بوالده في الأردن بعد عودته من السعودية، حيث عمل مدرساً. وفي شبه مخيم قريب من مخيم الوحدات في منطقة الأشرفية في عمان، حدث ما سيشكل مفترقاً مفصلياً في حياته: كان الولد الصغير شاهداً على أحداث أيلول 1970 بين المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني. وما زال حتى اليوم يتذكر معسكرات الفدائيين في مخيم الوحدات «كنا نذهب إلى المعسكرات نراقب الفدائيين، وكان ابن عمتي زياد يكبرني بسنتين، بما يؤهله الالتحاق بالتدريب، وكنت أشعر بأسى بسبب صغر سني، الذي حال دون تدريبي».في سجله الطفولي، وضع قائمتين لتصنيف القيادات «مَن معنا، كان مع أبو عمار وجورج حبش، وجمال عبد الناصر، ومن ضدنا كان مع الملك فيصل والملك حسين والأمير الحسن». مع انتشار المناخ العدائي بين العائلات الأردنية والفلسطينية بسبب الأحداث، انتقل خالد الحروب مع والده إلى بلدة المفرق. في الثانوية العامة في عمان، بدأ يتشكّل وعيه السياسي. انضمّ صاحب «هشاشة الأيديولوجيا: جبروت السياسة» إلى «مكتب شؤون الأردن» الخلية في حركة فتح، وكانت قيادته في سوريا.
المواجهة التي حدثت بين نظام الأسد والإخوان المسلمين أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات دفعت الكثير من السوريين إلى اللجوء إلى الأردن. يومها، بدأت الاحتكاكات الأولى مع الإخوان. وكان السؤال الكبير الذي كان يطرحه الصبي المراهق: «كيف يثور الإخوان على كل الأنظمة الجمهورية ولا يثورون على الأنظمة الملكية؟» والدليل ثورتهم في سوريا ومقاومتهم لعبد الناصر في مصر، بينما يلتزمون الصمت في الأردن ودول الخليج.
كان زميله في الدراسة غازي جبر يحاول جذبه إلى تنظيم الإخوان المسلمين وإقناعه بأنهم حركة ثورية، قال له: «بعد شهرين، سترى كيف تقوم ثورة في الأردن تنهي الحكم الملكي». يقول خالد الحروب: «كان يتحدث بلغة العارف كأنه القائد الأعلى للإخوان في الأردن. قلت له: متأكد؟ قال لي: متأكد، بس نخلص من سوريا، أعطنا شهرين وستقوم الثورة في الأردن. قلت له، إذا بعد شهرين ويومين، اعتبرني أحد عناصر الإخوان».
الحلم الكبير الذي بقي بداخله كان مع صديقيه أحمد ومحمد اللذين سئما النزاعات بين التنظيمات الفلسطينية، وخصوصاً في لبنان. هكذا، قرّرا إنهاء حالة التشرذم، ووضع خطة لتحرير فلسطين. أحمد كان اسمه الحركي «غيفارا»، ومحمد «كارلوس». أما خالد الحروب المعجب بمعارك أميركا اللاتينية، فكان اسمه «كاسترو». اتفق الثلاثة على أن يذهب أحمد إلى لبنان لتوحيد الفصائل، ويصبح قائد الثورة لينقلب على كل القيادات التي أنهت مشروعهم الوطني، وعلى رأسهم ياسر عرفات. وخلال وجوده في لبنان، يتخلص من النظام الطائفي ويقيم نظام حكم وطني ثوري لتأمين الجبهة الشمالية لفلسطين. محمد يذهب في هذه الأثناء إلى سوريا ويتسلل إلى حزب البعث والجيش. ويصبح بعد 15 سنة ضابطاً كبيراً ويقوم بانقلاب عسكري للتخلص من نظام الأسد. بينما كانت مهمة خالد البقاء في الأردن وتشكيل نظام ثوري أردني، لتطبق الكماشة الثورية على إسرائيل. عندها تكون حرب التحرير قد اشتعلت من ثلاث جهات... سيناريو اقتنع به الشبان وبدأوا تنفيذه. مع أحمد، بدأوا تنفيذ الخطة بذهابه إلى لبنان لتختفي أخباره ويصلهم أنّه استشهد في الجنوب. فيما هاجر محمد إلى أميركا وتحول إلى رأسمالي كبير. أما خالد فقد بقي في الأردن مع تنظيم فتح وبعدها مع الإخوان المسلمين ونسي ثوريته في هذا «التنظيم الرجعي» على حد تعبيره. في الوقت الذي أكمل فيه الدراسة الجامعية في الهندسة، سافر عام 1990 إلى موريتانيا والسنغال ومالي للعمل في مجال التنمية. خلال تلك الفترة، تعلّم اللهجة المحلية وتاريخ المنطقة، وابتعد عن الهم الفلسطيني. ثم عاد إلى الأردن، قبل أن ينتقل إلى بريطانيا، لدراسة العلوم السياسية والعلاقات الدولية ويصبح مديراً لـ«المشروع العربي للإعلام» في جامعة كامبريدج وأستاذ السياسة وتاريخ الشرق الأوسط فيها.
يرى خالد الحروب أنّ المحرّك الأساسي لتنقله بين الأحزاب والحركات والتيارات المختلفة كان سياسياً أكثر منه عقائدياً أو أيديولوجياً. انتقاله من الحزب الشيوعي الأردني إلى «فتح»، فالإخوان المسلمين ثم «حماس»، أدّى إلى إصداره كتاب «حماس: الفكر السياسي والممارسة». المرحلة الإسلامية التي عبرها كانت الأطول في تنقله. جذبته الثورة الإيرانية التي أيدها حينها ماركسيون ويساريون بسبب اقتناعهم بأنّ الإسلام يستطيع أن «يقلب أكبر نظام عميل في المنطقة أي نظام الشاه»، يقول «حين كنّا شباباً، كنّا نقصّ صور الخميني من الصحف ونضع صورنا إلى جانبها». في مرحلة الانتفاضة الأولى، اشتغل إعلامياً وسياسياً لدعمها بين الأردن وبريطانيا، وأصبح نائب تحرير مجلة «فلسطين المسلمة» ومدير مكتبها في لندن، بينما واصل دراسته للعلوم السياسية التي اكتشف من خلالها عمق التجربة الإنسانية وغناها بعيداً عن أي أيديولوجيا، بما فيها الأيديولوجيا الإسلامية التي كان ملتزماً بها آنذاك. لكن قراءاته الواسعة أخرجته من مشروع «الإسلام هو الحل» حيث «العالم والتاريخ والشعوب لا يمكن أن ينطبق عليها كتالوغ أيديولوجي معيّن».
حبه الكبير للكتب دفعه ليقترح على قناة «الجزيرة» برنامج «الكتاب خير جليس» الذي استمر من 2000 حتى 2006 وأتاح له السفر واكتشاف العالم بصورة أوسع. «حياة البدوي المعاصر» كما يصفها جعلته يعشق كل المدن، فأصدر كتاب «وشم المدن، شظايا رجل بلا مدينة». بعدها، حاول العودة إلى بيت لحم لإقامة علاقة استعادية، «لكنها كانت عملية تجميلية وليست نمواً طبيعياً» كما يقول.
قدم إلى التلفزيون من باب الثقافة والكتب وبقي فيه، مهموماً بالأفكار والأجوبة، عاقداً صداقات متينة مع الكثير من الكتّاب استمرت حتى وفاة بعضهم، جعلته يسأل نفسه: «ماذا تفعل برقم تلفون من يغادر من أصدقائك؟». المسح عملية مؤلمة. وبذلك، قرر الاحتفاظ بأرقام الموتى: محمد عابد الجابري، ومحمد أركون، ومحمود درويش الذي يعتبره أهم شاعر عربي في القرن العشرين.
الثورات التي انحاز إليها بلا استثناء، لخصها في كتابه الذي سينشر قريباً بعنوان «في مديح الثورة، النهر ضد المستنقع». هنا، اعتبر أنّ الثورات لن تفرّق بين حكم جمهوري أو ملكي، فمحفزات الثورات العربية هي: الحرية والكرامة والعدالة. وهو يرى أيضاً أن ما «سيحقق حلم الدولة الفلسطينية هو ملعب القانون الدولي والأمم المتحدة، في الوقت الذي ضاق فيه أفق المقاومة العسكرية». لذا يطالب بتحويل المقاومة إلى مقاومة سلمية بسبب «العولمة الإعلامية التي أنجحت ثورتي تونس ومصر وسقط فيها أعتى نظامين بوليسيين من دون إطلاق رصاصة واحدة».



5 تواريخ

1965
الولادة في مخيم الدهيشة في بيت لحم

1987
تخرّجه من الجامعة الأردنية ـــ قسم الهندسة المدنية

2000
تقديمه برنامج «الكتاب خير جليس» على «الجزيرة» الذي استمر خمس سنوات.

2005
العودة الأولى إلى قريته وادي فوكين.

2011
يضع اللمسات الأخيرة على كتابه «في مديح الثورة، النهر ضد المستنقع» الذي سيصدر مطلع 2012 عن «دار الساقي»