تبدو أناقة هذه السيدة واضحة في مختلف مراحل حياتها، بدءاً من إطلالتها كمقدمة برامج ومذيعة أخبار بالإنكليزية في تلفزيون اليمن الشمالي (سابقاً) عام 1976، وليس انتهاءً بالأناقة الظاهرة على حديقة البيت الذي تسكنه اليوم. بين هاتين النقطتين، هناك الكثير من التفاصيل التي تصف أكثر من حياة عاشتها جميلة علي رجاء. كانت لا تزال تلميذة عندما طلبوا منها العمل كأول قارئة أخبار باللغة الإنكليزية، التي كانت تتقنها بفضل تعلّمها في مدرسة لغات أجنبية في مدينة تعز (جنوب صنعاء).يومذاك لم يكن في اليمن الشمالي فتيات يتقنّ اللغة الإنكليزية بالقدر الكافي، فضلاً عن العمل في التلفزيون الذي كان مهنة غير مرغوب فيها للفتيات.
هذا العمل أجبرها على ترك منزل أسرتها في تعز، والمجيء إلى صنعاء للإقامة عند أقاربها، مع ما تمثله هذه التجربة من مصاعب لفتاة في سنّها. وفوق كل هذا، كان هناك الخوف والرهبة من العمل في بيئة يسيطر عليها عدد من الكبار، فإذا بجميلة تصبح فجأة في بيئتها الطبيعيّة، من دون مقدمات... «لكنّني سرعان ما اعتدت الجو الجديد، ومضيت فيه بسبب التعاون الذي وجدته، والود الذي كان يظهره المشرفون على شغلي»، تقول لنا.
في المرحلة الأولى، بدأت بقراءة الأخبار، ثم قدّمت برنامج «مجلة الأسبوع» المنوع، الذي تضمّن وجبة أخبار تجمع بين الغرابة والطرافة. نمسك بذكرى هذا البرنامج الذي كان من أبرز المواعيد التلفزيونية، لنسأل جميلة علي رجاء عن موسيقى مقدمة «ميس الريم» لزياد الرحباني، فتضحك. موسيقى تعيدها إلى تلك الأيام السعيدة حين اختارت مقطوعة زياد كي تكون مقدمة برنامجها. وهي المقدمة ذاتها التي ستصبح لاحقاً مدخلاً لعلاقة ذلك الجيل اليمني مع موسيقى ابن عاصي وفيروز: «كانت موسيقى لافتة تناسب الروح الشابة التي يتسم بها البرنامج».
تتذكّر جميلة اليوم ظروف العمل الإعلامي في ذلك الوقت، وشكل التعامل مع جمهور ما زال حديث العهد بالتلفزيون، ثم تسلّمها منصب مساعد للمستشار الإعلامي في سفارة صنعاء في القاهرة، فتدرّجها لتصبح المستشارة الإعلامية هناك، وانتقالها لاحقاً إلى منصب مستشارة في وزارة الخارجية اليمنية.... كل هذه التغيّرات جعلت حياتها الشخصية تضجّ بالتحولات والمفترقات: «أجبرتني ظروف شخصية خاصة على هذا الانتقال، ولم أكن أعلم وقتها أنّها ستمثّل تحولاً جذرياً في حياتي». وتشرح علاقة هذا التحول بالقاهرة: «هذه المدينة التي لا مفرّ من أن تحدث نقلات كبيرة في حياة من يقيم فيها». تتحدث بشغف عن تلك الفترة التي استمرت من 1992 حتى 2004. تصف تلك المرحلة بـ «الحياة الكاملة». الدخول في غمار «الطوفان الإعلامي الذي لا يرحم ولا يتوقف إلّا عند الكفاءة والإمكانات»... وتذكّر أن الأكثر إثارة بالنسبة إليها، كان «العمل على تغيير الصورة النمطية المأخوذة عن اليمن المتخلف النائم خارج التاريخ».
ومن أجل هذا، عملت جميلة علي رجاء على افتتاح مركز إعلامي في العاصمة المصرية، لتسهيل حصول الإعلاميين العرب على ما يريدون من معلومات عن اليمن، ولـ«التواصل مع عدد من الصحافيين الذين كانوا يتعاملون بخفة في ما يكتبونه عن بلادنا». مكنّها هذا من تكوين قاعدة من الصداقات المتينة مع صف عريض من الإعلاميين الكبار هناك، لعل أبرزهم، كما تقول، الكاتب المصري الراحل محمد عودة، الذي ما زالت ذكراه عالقة في بالها: «فقدت جزءاً غالياً من نفسي بموت هذا الرجل النبيل الذي لم يدّخر شيئاً إلا فعله من أجلي».
لكنّ عمل جميلة لم يكن منصبّاً فقط على العمل الإعلامي. كانت السياسة حاضرة بقوة من خلال مرافقتها الوفد اليمني في أعمال أكثر من قمة عربية تحت رعاية جامعة الدول العربية: «سمح لي هذا الجو بالاقتراب من عدد من الرؤساء والملوك العرب، وبمعرفة طريقة تعاملهم وأنماط تصرفاتهم مع الآخرين». من أجل ذلك، اعتمدت على قدراتها التواصلية ومدّ خيوط التعارف مع المحيط الذي تعمل فيه، فتمكنت من احتلال مركز متقدم في قائمة المرشحين لشغل منصب الأمين العام المساعد للجامعة العربية عام 2002، «لكن حسابات سياسية لا علاقة لي بها دفعت اليمن إلى سحب ترشيحي لهذا المنصب»، تقول.
على مدى تلك السنوات التي قضتها صديقتنا في العمل الرسمي، لم تغفل يوماً عن تطوير أدواتها الشخصية، وخصوصاً تلك المتعلقة بدراستها الأكاديمية، إضافة إلى منطقة بحثية جديدة باتت اليوم متمحورة حول قضايا العالم الثالث وإشكالياته، مثل تمكين المرأة والنوع الاجتماعي، وكذلك مسائل التمويل الأصغر وعلاقة كل هذا بالإعلام. وهو الاهتمام الذي سيكون عوناً لها لاحقاً، عندما تنتهي فترة عملها في القاهرة وتعود إلى اليمن. «تكتشف فجأة بعد هذا العمل الطويل في السلك الدبلوماسي، أنّ راتبك الشهري لن يكفي أبسط متطلباتك الحياتية». دفعها هذا إلى استثمار خبراتها التدريبية والاستشارية لتعمل خبيرة في أكثر من منظمة دولية في اليمن، منها منظمة العمل الدولية. طريقة لائقة لتصريف أمور الحياة تتوافق مع فكرتها بأنّ «استقلالية المرأة في اتخاذ قرارها الشخصي تنبع من استقلاليتها الاقتصادية في المقام الأول».
قرارها هذا، أحدث نوعاً من الفصام، بحكم منصبها كمستشارة في وزارة الخارجية اليمنية... لكن الانفصال الفعلي بين رجاء ووزارتها «السيادية»، سيكون يوم 18 آذار (مارس) الفائت. وهو اليوم الذي قُتل فيه نحو 52 شاباً من شباب الثورة اليمنية في «ساحة التغيير» أمام جامعة صنعاء، برصاص قناصة يرتدون الزي المدني ويتبعون لجهات أمنية: «لم أستطع النوم تلك الليلة، وشعرت بألم كبير في قلبي، وصور الضحايا لا تتوقف عن المرور أمام بصري». وتضيف جميلة إنّ تقديم استقالتها من وزارة الخارجية كان أبسط شيء يمكنها القيام به: «في اليوم التالي وبعد لحظات من كتابة تلك الاستقالة، شعرت بأن ذلك الألم الرهيب خرج منّي، وأن باستطاعتي الآن إكمال حياتي بهدوء».



5 تواريخ

1958
الولادة في مدينة تعز
(اليمن الشمالي سابقاً)

1991
ماجستير صحافة
من الجامعة الأميركية في القاهرة

1992
عُينت مستشارة إعلامية
في السفارة اليمنية في القاهرة

2006
المديرة الوطنية للبرنامج الدولي
لمكافحة عمالة الأطفال ـــــ IPEC /ILO ـــــ صنعاء، اليمن

2011
استقالت من منصبها كمستشارة
في وزارة الخارجية اليمنية احتجاجاً على مقتل 52 شاباً من شباب الثورة
في «ساحة التغيير»